في كتاب "لا شيء يخصّنا من دوننا" لعماد الدين شاكر: نور البصيرة يهزم ضعف البصر

لا يمنع ضعف البصر نور البصيرة من الانعتاق

ومن الانطلاق في إزالة الحجب عن ظلمات الحواس للنفاذ إلى ما وراء الحدود والحواجز... وقد عرفت الإنسانية أسماء عديدة كتبت أسمائها بحروف من نور في تحدي عائق العمى أو ضعف البصر لتحقق ما لم يصل إليه غيرها على غرار أبي العلاء المعري وبشار بن برد وطه حسين... وفي تونس الآن وهنا، نجح الدكتور عماد الدين شاكر في قهر الصعاب ليكتب اسمه وسيرته في كتاب "لا شيء يخصنا من دوننا".

تحت عنوان "لا شيء يخصنا من دوننا" صدر حديثا عن دار ليدرز للنشر كتاب جديد للدكتور عماد الدين شاكر يروي فيه محطات سيرته الذاتية ذات الخصوصية وهو كفيف البصر الذي نال شهادة الدكتوراه من باريس وساهم محليا وإقليميا وعالميا في الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.


سيرة ذاتية وتحاليل موضوعية
"كانت الولادة سنة 1951 في عائلة متكونة من سبعة أبناء، كنت أنا عماد الدين أصغرهم وأقلهم حظا أو هكذا شاءت الأقدار حيث أصبت وأنا في سن الرابعة بضعف البصر"... هكذا ينطلق صاحب كتاب "لا شيء يخصنا من دوننا" في رواية سيرته الذاتية لتستدعي ذاكرة القارئ كتاب "الأيام" لعميد الأدب العربي طه حسين في حديث عن الطفولة المعذبة وقصة النضال من أجل نحت الكيان.
على امتداد حوالي 300 صفحة، وزّع عماد الدين شاكر حبر الكلمات وبوح الذات والذكريات للكشف عن ذاكرة مثقلة بالهموم والانكسارات لكنها مكلّلة بالفوز والانتصارات... فحتى وإن كانت البدايات صعبة فإنّ عزيمة هذا الرجل صنعت مسارات مشرفة ترفع لها القبعة تقديرا وإعجابا...
هي رحلة كفاح وإصرار انطلقت من بوابة المعاهد الخاصة بالمكفوفين لتصل إلى عتبة جامعة السوربون بباريس أين حصل عماد الدين شاكر على شهادة الدكتوراه. شغل مؤلف "لا شيء يخصنا من دوننا" عديد المناصب على غرار رئاسة الاتحاد الوطني للمكفوفين ورئيس المنظمة العربية لذوي الإعاقة ونائب رئيس الاتحاد الفرنكفوني للمكفوفين... ساهم ضمن وفد تونسي في مناقشة وصياغة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكان أول من طلب من منظمة الأمم المتحدة توفير الوثائق الخاصة باللجنة بطريقة "براي" لفائدة أعضاء اللجنة من المكفوفين.
بتوقيع الرئيس السابق للجمهورية التونسية بالنيابة ورئيس مجلس النواب السابق محمد الناصر جاء تقديم كتاب "لا شيء يخصنا من دوننا" والذي نوّه بـ "شخصية وعزيمة ومؤهلات الدكتور عماد الدين شاكر التي ساعدته على تجاوز معاناته وفرض وجوده وإبراز قدراته على التفوق والامتياز.كما أشاد محمد الناصر بتجربة تونس الرائدة في مجال الإحاطة بالمكفوفين من خلال الخطة الوطنية التي انتهجتها الدولة بعد الاستقلال للوقاية من مرض الرمد وتعليم المكفوفين باستعمال طريقة برايل وإنشاء مراكز التدريب المهني الملائمة لقدراتهم.
إلى ثلاثة أقسام تتوزع صفحات الكتاب، وقد خصص المؤلف القسم الأول لسرد مختلف مراحل حياته ومعاناته مع ضعف البصر. حين تناول الفصل الثاني السياسة التي انتهجتها الدولة التونسية عقب الاستقلال في مجال النهوض بالمكفوفين وإدماجهم الاجتماعي.
وفي الجزء الثالث، استعرض عماد الدين شاكر مختلف المحطات التاريخية والاتفاقيات لحماية حقوق ذوي الإعاقة في تعريج على واقع هذه الفئة في العالم العربي.

ماذا عن أحلام العصا البيضاء؟

بعد سرد لورقات من السيرة الذاتية علقت بالذاكرة، وبعد رصد لتجربة تونس في الإحاطة بفئة المكفوفين، يفتح الدكتور عماد الدين شاكر أبواب الحلم المشروع عن واقع منشود لذوي الإعاقة كما يريدون ... كما يحلمون... فيقول في نهاية الكتاب: " بوصفي شخصا ذو إعاقة، واكبت حركة الإعاقة العربية والعالمية منذ عقود وحاولت أن أكون فاعلا فيها. بوصفي أحمل أحلاما، أحلام جيلي المتمثلة في مشروع مستقبلي يحاول أن يؤسس علاقة بديلة مع السائد، مع المفهوم أولا، ومع ذواتنا ثانيا ومع محيطنا ثالثا. علاقة ترتكز على حق الاختلاف وعلى خلفية التنوع البشري. بماذا أحلم؟ سؤال طالما راودني وكنت أتهرب من الإجابة عنه، لأنه سؤال يؤرقني ويفتح أمامي أبوابا أخرى أجدها موصودة، أبواب خلنا أنها مفتوحة، أبواب يجب أن تكون مشرعة أمامنا، فاتحة أحضانها لينفذ الشخص ذو الإعاقة لعالم طالما ناضل من أجل الانخراط فيه، عالم أردناه بعد كثير من النضالات أن يعزز حماية وكفالة توفر المناعة للأشخاص ذوي الإعاقة مناعة كاملة وعلى قدم المساواة مع الآخرين فيما يخص جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترام كرامتهم. وانطلاقا من هذا الحق العام الذي أمنته الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وبوصفي حاملا لإعاقة بصرية فإني أحمل جملة من القراءات والإنتظارات. والأحلام عساها أن تصبح حقيقة، وهذه الحقيقة في الواقع تنطلق من حلم، وأحلامنا تترجم إلى حقوق والحقوق تؤمنها مواثيق، وطنية وإقليمية ودولية، ولكن تبقى الاتفاقية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من أهم الاتفاقيات التي تمت المصادقة عليها دوليا في تاريخ البشرية. لذلك فإنه من حقي أن أحلم، أحلم بعصا بيضاء تتجول، تتنقل، تجوب الفضاءات المختلفة بكل حرية وبكل اقتدار، لا حواجز، لا موانع، تمنع استمرارية الإيقاع، إيقاع العصا في نقراتها المسترسلة على الأرض. وإذا ما وقف الإيقاع وأصبح نشاز فتؤكد بأن حاجزا قد أوقفه. الحواجز التي تعترض الكفيف عديدة ومتعددة. فحق التعليم والتعلم أمنته كل المواثيق وآمنت به كل المجتمعات ولكن أي حق يمارس في القرن 21؟"

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115