فوراء كل عمل من الخزف المنحوت أو الخزف الجداري يكمن سر الحكاية التي تنام بين كفي الأسطورة ويهدهد حلمها شعر محمود درويش وتميم البرغوثي... ومن بين هذه الأعمال لا تلبث فلسطين أن تتراءى كطيف نور وكوجه صبوح وهي أرض الأساطير والملاحم قديما ... وفي الزمن المعاصر، الآن وهنا !
في دار الثقافة باردو، وبالرغم أن القاعة ليست مخصصة لعرض الأعمال الفنية فقد تمكن الخزاف والفنان محمد علي درويش بمجهودات فردية وبمساعدة الأصدقاء من انجاز سينوغرافيا تليق بمعرض "ترفّق بي" الذي يتواصل إلى غاية 7 جانفي 2023.
محاورة فلسفية لمادة الطين
يحاور الفنان محمد علي درويش مادة الطين بمنتهى الفن لتتحول بين أنامله إلى خامة مرنة تتيح له تشكيل أعمال إبداعية حاملة لقيم جمالية وروحية وحمّالة لمعان وجودية ورؤى فلسفية. في النحت وفي الخزف، تطبع إبداعات هذا الفنان سمات تشكيلية و تعبيرية متجددة باختلاف زوايا النظر ومرجعيات القراءة والتأويل.
لعل ما يحرّك التقنية الخزفية في معرض "ترفّق بي" هي الفكرة المنبثقة من عالم الأساطير ومن روائع الأشعار في صياغة معاصرة وجماليات فنية مثيرة للإعجاب وللدهشة.
في تقديم معرضه الشخصي يقول الفنان محمد علي درويش: " إنّ هذا المعرض الخزفي يروي قصصا و يسرد حكاية ، كل عمل فيه له دلالته عبر ما وضفته من تركيبات بين الرموز والرسوم والنتوء ، وكان للنار الدور الأخير في ترسيمها حتى تبقى وشما في التاريخ... ترفقت بي وبكم وبكل ما للكلمة من معنى... في حضرة الواقعي والخيالي والأسطوري وكل ما أمكن أن نعيشه في عوالم مفتوحة ...تعالوا نًتَرَفَقْ..."
لقاء فكري بين الفن التشكيلي والميثيولوجيا
تتعدد الأعمال في المعرض الشخصي للفنان محمد علي درويش لكنها تلتقي في عمقها الفكري وفي بحثها الجمالي عن مفردات لم تقل في محاورة مادة الطين الخصبة التشكل واللينة التحوّل لتحدّث عن حالات وعن أحوال حدثت في الماضي السحيق لكنّها تتحدث عن الإنسان المعاصر بلسان النحت والخزف والفن التشكيلي.
من الأعمال المثيرة للانتباه في معرض "ترفّق بي" خرف جداري مزّجج بعنوان "درب غابة الأرْزِ، درب حُمْبَابة " ويتحدث عن أسطورة "سبعة أطفال أبناء حمبابة قتلوا في غابة الأرز ظلما لا لشيء فقط لأنهم يحمون أباهم "الجني حمبابة" الذي يحمي الغابة والأرض والعرض ... وذاك هو درب حمبابة بسبعة دوائر خزفية بتلوينات متداخلة و متشابكة و متراكمة...أليس فينا من ظلم و عاش الموت مرات ومرات!! أليس فينا قاتل و مقتول ؟ أليس فينا حمبابة ؟ أليس منا سبعة أطفال قتلوا؟"
كما حاز النحت الخزفي بعنوان "اورشنابي و جلجامش" على إعجاب الزوار والنقاد والذي يسرد أسطورة"أورشنابي هو ملاّح "اوتنابشتم" المعروف بشخصية نوح.. وأورشنابي هو الذي عبر بملك أوروك "جالجامش" بزورقه من مياه الموت قبل وبعد حصول "جالجامش" على عشبة الخلود."
في معرض "ترفّق بي " يستعيد الفنان محمد علي درويش توهج المدونة الشعرية العربية ويستحضر سحر الأسطورة ورموزها دون السقوط في المحاكاة الصرفة أو مجرد الترجمة الفنية لهذا الموروث الميثيولوجي بل يستعير منها شخصيات وأحداث تتقاطع مع الواقع المعاصر وتتشابه مع الوضع الراهن. يعتبر الفنان محمد علي درويش أنّ الإنسان في كل العصور يعيش الملحمة بشكل أو بآخرمن خلال عرض أعمال في النحت والخزف تستحق المشاهدة.