قمة القاهرة للسلام ... مساعي التهدئة في خضم الحرب المتواصلة

انعقدت قمة القاهرة للسلام في وقت دقيق للغاية ،

تجسدت فيه مظاهر مشهد دولي قاصر عن الوقوف إلي جانب الإنسانية ، وحضر القمة رؤساء دول وحكومات دول عربية وأفريقية وأوروبية إلي جانب وزراء خارجية دول أخري مهتمة بملف السلام بالشرق الأوسط ( تركيا ، كندا، اليابان )وكذلك كل من أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية .

ويعكس ما جاء علي لسان المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن القمة أعطت أولوية خاصة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلي قطاع غزة ، ومع ذلك كانت هناك نقاط توافق ونقاط اختلاف بين المشاركين في قمة القاهرة، نظراً لرغبة بعض الدول إدانة طرف دون الآخر ، وأشار ' المتحدث ' أيضاً إلى أن معبر رفح لم يُغلَق أبدًا من الجانب المصري، وأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية.

بصرف النظر عن حجم التوافق الدولي في الوقت الراهن ، إلا أن قمة القاهرة قد مثلت منصة مهمة لتوجيه رسائل وتأكيد مواقف ثابتة للدول التي تعي جيداً أن القضية الفلسطينية تعد القضية المركزية للعالم العربي - على المستويين الرسمي والشعبي- مهما طرأ من مسارات تطبيع أو تقارب ، ويظهر من الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري وكذلك كلمة العاهل الأردني وجود توافق ملحوظ بين العاصمتين علي أهمية تفويت الفرصة على الأطراف والجهات التي تواصل مساعيها لتضليل الرأي العام الدولي .

لم تتوقف اتصالات مصر والأردن منذ اندلاع الأزمة الحالية في 7 اكتوبر وحتي موعد قمة القاهرة بهدف التأكيد على خطورة تصعيد المواجهات . وكشفت الاتصالات مع الدول الغربية أن هناك عدم إدراك بأن غياب الأفق السياسي يعد السبب الرئيسي لما آلت إليه التطورات الحالية على الرغم ان غالبية تلك الدول وفي مقدمتها واشنطن قد وجهت انتقادات لحكومة اليمين المتطرف وممارستها السلبية خلال الشهور الماضية التي لم تبذل خطوة واحدة بإتجاه السلام وتركيزها عوضاً عن ذلك علي أجندات متطرفة ومضاعفة أعداد المستوطنين .

كما منحت قمة القاهرة فرصة لبعض الدول العربية لتأكيد التحذيرات من مغبة استهداف المدنيين واستمرار دائرة العنف واتساعها ، حيث أعادت كل من العراق والكويت التأكيد علي المخاوف من إنزلاق المنطقة إلي الهاوية ورفض إفراغ قطاع غزه من سكانه وأنه لا مكان للفلسطينيين إلا أرضهم، وأنه يجب رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة وفتح ممرات إنسانية آمنة وإنشاء صندوق لإعادة الإعمار.

على الرغم أن كلمات الوفود الأوروبية لم تخرج عن المألوف وشجب الهجوم الذي تعرضت له دولة الاحتلال بالتوازي مع الاختباء خلف الاعلان عن الاستعداد لأي جهود الوساطة وهي نوايا لا تغني ولا تسمن من جوع ، فالطرف الأوروبي كان لديه قدر بسيط من الحياد في التسعينيات وبداية الألفية ساعد على عقد مفاوضات سلام في أوسلو ومدريد ، ولكن في الوقت الحالي المواقف المنحازة من جانب الحكومات الأوروبية وتبنيها لوجهات نظر زائفة لدولة الإحتلال أفقدت القارة العجوز مصداقيتها وستضعها لسنوات في خانة المتفرج الذي لن يتمكن من التأثير علي تداعيات تفاقم الأوضاع السياسية والإنسانية في الشرق الأوسط والتي لا محالة ستطول الجانب الأوروبي.

كيف سيكون هناك ترحيباً لأي مبادرة أو وساطة من الاتحاد الأوروبي الذي لم يتمكن من السيطرة علي تصريحات ومواقف مسئوليه ؟ هل من اليسير نسيان ما حدث من مفوض الجوار من تصريح أحادي ومتعجل - دون تشاور مع الدول الأعضاء - بتعليق المساعدات المالية الأوروبية إلى فلسطين ؟ لن يكون من السهل تجاوز صمت أطراف دولية إزاء حصار غزة وما يعانيه الفلسطينيين من عقاب جماعي وانتهاكات القانون الإنساني الدولي وهو ما عبر عنه العاهل الأردني في كلمته أمام قمة القاهرة ' أن الرسالة التي يسمعها العالم العربي بوضوح هي أن حياة الفلسطينيين أقل أهمية من حياة الإسرائيليين وهي رسالة خطيرة ' .

في مقابل ذلك الموقف الأوروبي المتخاذل ، لم يكن مفاجئا ما جاء في مداخلة رئيس جنوب أفريقيا بالقمة من رفض قاطع لاستهداف المدنيين وحصار غزة وحديث الرئيس الأفريقي -الذي عانت بلاده لعقود من سياسات الفصل العنصري- عن تطلعه لزيادة الوعي الدولي بشأن الوقائع التي تشهدها الأراضي الفلسطينية تتوافق مع الهدف من حرص القيادة السياسية المصرية علي الدعوة لقمة تساهم في تبادل الرؤي والأفكار التي قد تؤثر علي إدراك المجتمع الدولي ( حكومات ووسائل إعلام ) لحقيقة مخاطر استمرار العدوان علي المسالمين من أطفال ونساء وما إلي ذلك من انتهاكات لقواعد القانون الانساني الدولي، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية .

مع التسليم بحجم الإهانة التي تعرضت لها دولة الإحتلال علي المستويين السياسي والعسكري ( الاستخباراتي ، والعملياتي ) وما تتعرض له حكومة نتنياهو من ضغوط داخلية نتيجة حالة الغضب وعدم الثقة من المواطنيين والمجندين في حكومته ، فإنه لا يوجد شخص واحد لديه ذرة عقل ، سواء في منظومة الحكم أو صفوف المعارضة ، يوجه النصيحة في العلن ، قبل خوض الاقتحام البري المُحتمل أن الدخول في حرب شاملة ستكون لها عواقب وخيمة علي الداخل الإسرائيلي نفسه ، وقد عبر الكاتب الصهيوني ' آري شبيت' في مقال نشرته صحيفة 'هآرتس ' في 10 أكتوبر 2023 عن نقطة اللاعودة وأن دولة الإحتلال تلفظ أنفاسها الأخيرة واصفاً تصرفات 'نتنياهو وليبرمان' وتصريحاتهم بالهذيان الصهيوني والذي يؤكد أن الدول الغربية وساساتها لن يتسني لهم إنقاذ إسرائيل ، وأن القوة الوحيدة في العالم القادرة علي إنقاذ إسرائيل من نفسها ، هم الإسرائيليين أنفسهم ، وذلك من خلال لغة سياسية جديدة تعترف بالواقع وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض ، وموضحاً أن لعنة الكذب ( الهيكل كذبة، فلسطين أرض الميعاد كذبة ) تلاحق الإسرائيليين.

 

المشاركة في هذا المقال

تعليقات27

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115