1. صدر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليوم 21 مارس 2021 متضمّنا المراسيم الثلاثة التالية:
- المرسوم عدد 13 لسنة 2022 مؤرخ في 20 مارس 0222 يتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته،
- المرسوم عدد 14 لسنة 2022 مؤرخ في 20 مارس 0222 يتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة،
- المرسوم عدد 15 لسنة 2022 مؤرخ في 20 مارس 0222 يتعلق بالشركات الأهلية.
ما المقصود بالمرسوم ؟
2. لفهم ذلك، من الضروري التذكير بمبدأين:
• الفصل بين السلطات: ومقتضاه أن السلطة التشريعية (مجلس نواب الشعب) ليس لها نفس صلاحيات السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية والحكومة). ويحدد الفصل 65 من الدستور - الذي تم الاستناد إليه مرة أخرى صراحة في ديباجة المراسيم الرئاسية الثلاثة المذكورة أعلاه - قائمة مجالات القوانين العادية والتي تغطي الغالبية العظمى من موضوعات السياسة العامة، بما في ذلك ضبط قاعدة الأداءات والمساهمات ونسبها وإجراءات استخلاصها، الإجراءات أمام مختلف أصناف المحاكم، ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرية، المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل والضمان الاجتماعي. وبالنسبة للمواضيع الأخرى ذات الاهتمام الوطني الأكبر، فإن الأمر متروك أيضا للسلطة التشريعية لاعتماد النصوص ذات الصلة، في شكل قوانين أساسية، تشمل، وفقا لنفس الفصل 65 من الدستور، الموافقة على المعاهدات، وتنظيم العدالة والقضاء، وتنظيم الإعلام والصحافة والنشر، تنظيم الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والهيئات المهنية وتمويلها، وتنظيم الجيش الوطني، وتنظيم قوات الأمن الداخلي والديوانة، والقانون الانتخابي، والحريات وحقوق الإنسان، والأحوال الشخصية، والواجبات الأساسية للمواطنة، والسلطة المحلية، وتنظيم الهيئات الدستورية، والقانون الأساسي للميزانية.
وبالتالي، لا يترك أي شيء للسلطة الترتيبية العامة، بالرغم من التنصيص بآخر الفصل 65 على أنه «يدخل في مجال السلطة الترتيبية العامة المواد التي لا تدخل في مجال القانون».
• سلّم تدرّج النصوص القانونية: توجد في القانون التونسي عدة أنواع من النصوص التي ليس لها نفس القيمة القانونية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المرسوم الصادر عن السلطة التنفيذية مخالفا للقانون الذي تصوت عليه السلطة التشريعية التي تتفوق عليه بالضرورة. وفي أعلى هذا الهرم، نجد الدستور، الذي يجب أن تتوافق معه جميع النصوص القانونية.
3. ومن خلال اعتماد المراسيم الأخيرة المؤرخة في 20 مارس 2022 ، يقوم رئيس الجمهورية بإدخال اضطراب في الأصناف القانونية للمؤسسات الاقتصادية وإخلال بالمبادئ المرجعية التي تقوم عليها العدالة وسيادة القانون بشكل عام (I)، مما يساهم في إدامة الوضع الذي بدأ في 25 جويلية والذي قرّر فيه، استنادا للدستور، تعليق تطبيق القواعد التي تحكم عادة تنظيم وسير السلطات العامة، وبالتالي منح نفسه، دون أساس دستوري كاف، سلطة التشريع دون ضمانات، دون المرور عبر مجلس نواب الشعب (II).
(I) اضطراب في الأصناف القانونية للمؤسسات الاقتصادية وإخلال بالمبادئ المرجعية التي تقوم عليها العدالة وسيادة القانون بشكل عام
4. بالرجوع إلى مضمون المراسيم الرئاسية المؤرخة في 20 مارس 2022، يمكن تلخيص نطاقها الحقيقي في فكرتين أساسيتين:
- الأولى ناجمة عن المرسوم عدد 13 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته والمرسوم عدد 15، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا به، المتعلق بالشركات الأهلية والتي تبرز كشكل من أشكال المؤسسات دون أي أساس قانوني (أ)،
- والفكرة الثانية متأصلة في المرسوم الرئاسي عدد 14 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، وهو نص يشكل في حد ذاته بالنظر إلى شدة العقوبات المقررة فيه، انتهاكا صارخا للمبادئ الرئيسية التي تحكم العقوبة الجنائية (ب).
(أ) الشركات الأهلية كشكل من أشكال المؤسسات دون أساس قانوني
5. بموجب الفصلين 4 و 5 من الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 («الأمر 117»)، الذي تستند إليه المراسيم الثلاثة المؤرخة في 20 مارس 2022، يتمتع رئيس الجمهورية بجميع السلطات التشريعية التي كان يمارسها مجلس نواب الشعب حتى الآن بموجب الفصل 65 من الدستور. ويحدد الفصل 5، لهذا الغرض، قائمة بالنصوص التي يمكن اتخاذها في شكل مراسيم، بما في ذلك المجالات المتعلقة ب «... ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة للحرية «، بما يغطي موضوع كل من المرسوم عدد 13 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته والمرسوم عدد 14 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة.
6. ويكون من الصعب مع ذلك أن نجد في القائمة الكاملة للنصوص التي يمكن أن تتخذ شكل مرسوم أساسا للمرسوم عدد 15 المتعلق بالشركات الأهلية. ويكتفي الفصل 5 من الأمر117 بالإشارة في هذا الصدد إلى «إحداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية... ».
7. ومن ثم، فإن المرسوم عدد 15، والفصل الأول منه، هو الأساس القانوني الوحيد لهذا النوع من الشركات وذلك بالتنصيص على أنه: «يهدف هذا المرسوم إلى إحداث نظام قانوني خاص بالشركات الأهلية يقوم على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي».
ويضيف الفصل 2 من المرسوم نفسه ما يلي: «تعتبر شركة أهلية على معنى أحكام هذا المرسوم كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرين بها».
ويمقتضى الفصل 3: «تهدف الشركات الأهلية إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها «.
ويزيد الفصل 4 تأكيدا على الصبغة المحلية للشركات الأهلية بالتنصيص على أنه: «تمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها».
وأخيرا وليس آخرا، يحدد الفصل 5 أهم مجالات نشاط الشركات الأهلية والمتمثلة خاصة في:
«1ـ بعث المشاريع الاقتصادية استجابة لاحتياجات المتساكنين وتماشيا مع خصوصية الجهة المعنية.
2ـ التصرف وإدارة المشروع أو المشاريع الراجعة لها بالنظر في مستوى الجهة المعنية.
3ـ التصرف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرف.
4ـ المساهمة في مسار التنمية المستدامة والحوكمة الرشيدة بالجهة وفقا للتشاريع الجاري بها العمل (المسؤولية المجتمعية للمؤسسة(«.
8. من قبيل الإنشاء الخالص للرئيس قيس سعيد، لا تدخل الشركات الأهلية في أي من أصناف الشركات أو المؤسسات العمومية وفي أي من أصناف الشركات المخددة في مجلة الشركات التجارية. وربما يكون من الضروري العودة، كما أشار رئيس الدولة خلال الاجتماع الذي جمعه يوم 26 مارس مع رئيسة الحكومة، إلى كتابات الفلاسفة والمناضلين الوطنيين في بداية القرن الماضي لإعطاء أساس دستوري، قانوني أو غير قانوني، لهذا الشكل من الشركات!
9. ومع ذلك فقد عرف القانون التونسي في الآونة الأخيرة نشأة، إلى جانب الشركات التقليدية الخاضعة للقانون العام أو الخاص، شركات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وذلك بموجب القانون عدد 30 لسنة 2020 المؤرخ في 30 جوان 2020 المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي ختمه الرئيس قيس سعيد نفسه والذي يعرف الفصل 2 منه هذه الشركات على أنها: «كل ذات معنوية خاضعة للقانون الخاص شريطة احترامها لمقتضيات هذا القانون وحصولها على علامة «مؤسسة اقتصاد اجتماعي وتضامني» المنصوص عليها بالفصل 3 من هذا القانون وهي :
- التعاضديات بما في ذلك الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية الخاضعة للقانون عدد 94 لسنة 2005 المؤرخ في 18 أكتوبر 2005.
- مجامع التنمية في قطاعي الفلاحة والصيد البحري.
- الجمعيات التعاونية.
- جمعيات التمويل الصغير الخاضعة لمقتضيات هذا القانون،
- شركات التأمين ذات الصبغة التعاونية شريطة التزامها بمقتضيات هذا القانون،
- الجمعيات الخاضعة للمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 والتي تمارس نشاطا اقتصاديا بغاية اجتماعية.
- الشركات، باستثناء شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة،
- تجمع المصالح الاقتصادية شريطة التزامها بمقتضيات هذا القانون،
- كل ذات معنوية خاضعة للقانون الخاص يمكن أن يُحدثها المشرع وتحترم مقتضيات هذا القانون».
(ب) العقوبات المفروضة على المضاربة غير المشروعة: انتهاك صارخ للمبادئ الرئيسية التي تحكم العقوبة الجنائية
10. ينص الفصل 2 من المرسوم عدد 14 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة على أنه «... تطبق أحكام هذا المرسوم على كل من باشر أنشطة اقتصادية على وجه الاحتراف أو بحكم العادة أو بصفة عرضية، بصرف النظر عن أحكام القانون عدد 36 لسنة 2015 المؤرخ في 15 سبتمبر 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار «.
ولا يقتصر هذا المرسوم على إدخال اضطراب كامل في القواعد وآليات الرقابة التي حددها قانون المنافسة والأسعار لسنة 2015، ولكنه يعرف خاصة الجرائم الجديدة التي يمكن أن تصل العقوبة فيها بموجب الفصل 17 منه إلى:
- السجن عشر سنوات وخطية مالية قدرها مائة ألف دينار لكل من قام بأحد الأفعال المجرّمة بموجب هذا المرسوم باعتبارها مضاربة غير مشروعة،
- السجن عشرين سنة وخطية مالية قدرها مائتا ألف دينار إذا كانت المضاربة غير المشروعة تتعلق بمواد مدعمة من ميزانية الدولة أو بالأدوية وسائر المواد الصيدلية،
- السجـــن ثلاثين سنة وخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت الجرائم خلال الحالات الاستثنائية أو ظهور أزمة صحية طارئة أو تفشي وباء أو وقوع كارثة،
- السجن بقية العمر وخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت الجرائم من قبل
وفاق أو عصابة أو تنظيم إجرامي أو عند مسك المنتجات بنية تهريبها خارج أرض الوطن.
11. وأيا كانت المبررات الكامنة وراء هذه الجرائم والعقوبات ذات الشدة غير المسبوقة المحددة فيها، ينبغي التذكير، هنا كما في أي مكان آخر، بأن فعالية التشريع الجنائي لا تقاس بقسوة العقوبات التي يكرسها. وكما كتب أحد المختصّين في علوم الإجرام الاقتصادي: « يجب ألا ينسى المشرع أن العقوبات التي تتناسب مع جسامة الجرائم هي وحدها التي تعتبر مثالية، لأن المتقاضين يعلمون أنه طالما أنها اتسمت بقدر من الإنصاف، فإنه سيتم التصريح بها وتنفيذها. في حين أن الأعقوبات التي لا علاقة لها بالخطأ ، بعيدا عن التأثير المطلوب على السلوكيات، تظل في حالة فزاعات سخيفة وتزعج نظام العقوبات».
12. وماذا عن القاعدة المنصوص عليها في الفصل 25 من نفس المرسوم عدد 14 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، ومقتضاها: « لا يمنع انقضاء الدعوى الجزائية بالوفاة من الحكم بمصادرة المكاسب المحققة من الجرائم المنصوص عليها بهذا المرسوم وغلتها لفائدة الدولة في حدود ما آل إلى الورثة من الميراث «؟
من الواضح أن هذه القاعدة تنتهك المبدأ المنصوص عليه بالفصل 4 من مجلة الإجراءات الجزائية والقائل بأن الدعوى العمومية تنقضي بموت المتهم، وفقا لمبادئ الإنصاف واحترام إجراءات المواجهة وافتراض البراءة المنصوص عليها في هذه المجلة والتي اختزلها الفصل 27 من الدستور بالتنصيص على ما يلي: «المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة».
وبناء على ذلك، ففي حالة وفاة المتهم، فإن المبدأ الأساسي لشخصية الإجراءات يحول دون الشروع في إجراءات جنائية ضده. ويفترض أنه بريئ لأنه لم يتم إدانته نهائيا وهو على قيد الحياة. وفي ضوء نفس مبدأ شخصية الإجراءات القضائية، لا يجوز إقامة أي دعوى ضد ورثة المتهم بسبب البنوة البسيطة التي تجمعهم به.
ولذلك، فإن أي محاكمة لم تكتمل يجب أن تتوقف فور وفاة الشخص المتهم. وينطبق الشيء نفسه إذا لم يكن مرتكب الأفعال المزعومة قد أدين إدانة نهائية.
وفي المقابل، فإن وفاة شخص متهم لا تبطل الدعوى الجزائية ضد باقي المشاركين أو المتواطئين معه في الجريمة .
13. وفي ضوء ما سبق، يمكن قياس مدى خطر أن تتحوّل سيادة القانون مرة أخرى ,ان يتحوّل نظام العدالة الجزائية إلى نظام تعسّفي باعتماد مثل هذه المراسيم التي لا تخضع للمناقشة المسبقة أمام ممثلي الشعب المنتخبين، وخاصة في مثل هذه المسائل الحساسة التي تؤثر على الحقوق والحريات.
(II) سلطة التشريع دون ضمانات، دون المرور عبر مجلس نواب الشعب
14. هل يخوّل الحكم بموجب مراسيم لرئيس الجمهورية اتخاذ تدابير تدخل عادة في نطاق القانون؟ وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد نص في الدستور التونسي يجيز ذلك، كما هو منصوص عليه على سبيل المثال في الفصل 38 من الدستور الفرنسي، المستخدم على نطاق واسع في فرنسا حيث صدرت مئات المراسيم من قبل الحكومات المتعاقبة بفكرة السير بسرعة أكبر من الإجراء التقليدي لسن القوانين مع المناقشات البرلمانية في كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. في هذه الحالة، يعدّ مجلس الوزراء نصا، ويعطي مجلس الدولة رأيه. ثم يوقع رئيس الجمهورية ويدخل النص حيز النفاذ فور نشره في الجريدة الرسمية.
لكن البرلمان الفرنسي يتدخل مرتين في هذه العملية، أولا من خلال إعطاء الضوء الأخضر، من خلال قانون تمكيني يحدد المجالات وإلى متى يمكن للحكومة إصدار المراسيم، ثم، بعد دخول النص حيز التنفيذ، يجب على الحكومة العودة إلى البرلمان للتصديق على مرسومها. وإذا صادقت الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ على صحة القانون، فإن النص يأخذ قيمة القانون. أما إذا عارضه النواب وأعضاء مجلس الشيوخ ، فإن المرسوم لا يزول ويبقى نافذا ولكن بقيمة إدارية، أي أدنى من القانون؛ وهو ما يعني بشكل ملموس أنه يمكن الطعن في النص بسهولة أكبر في المحكمة أو الطعن فيه من خلال قانون يصدر لاحقا.
15. وهنا بالذات يكمن الفرق بين المراسيم في النظام الدستوري الفرنسي والمراسيم التي فرضت نفسها في تونس كنمط طبيعي للحكم والتي تشير جميعها إلى الأمر 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية والتي لا يزال من الضروري التذكير بأنها تستند في نصوصها المرجعية إلى الفصل 80 من الدستور المتعلق بحالة ا»خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة»!.
ومن ثم، هل يمكن لرئيس الجمهورية أن يواصل، دون الإخلال بالمنظومة الدستورية في مقوماتها العامة، سن المراسيم دون ضمانات، مع التذكير بأن الفصل 6 من الأمر 117، المشار إليه أعلاه، يقتصر على تحديد عملية سن مشاريع المراسيم والأوامر الرئاسية ذات الصبغة الترتيبية بالتنصيص على أنه يتم التداول فيها في مجلس الوزراء ويتم تأشيرها من رئيس الحكومة وعضو الحكومة المعني. ويضيف الفصل 7 من نفس الأمر 117 أنه: «لا تقبل المراسيم الطعن بالإلغاء».
16. ومن المؤكد أننا في صميم الصعوبة التي نشأت على وجه الخصوص منذ صدور الأمر117، الذي مثّل الأساس المرجعي لاعتماد رئيس الجمهورية، على وجه الخصوص، المرسوم عدد 11 لسنة 2022 مؤرخ في 12 فيفري 2022 يتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي أخضع القضاء لسلطة رقابية مشدّدة من قبل رئيس الجمهورية في انتهاك صريح لأحكام الباب الخامس من الدستور الخاص بالسلطة القضائية والفصل 102 منه ومقتضاه أن «القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات.. « .
17. وبالتالي، فإن المراسيم الأخيرة الصادرة في 20 مارس 2022 يجب أن توضع في نفس هذا التوجه العام للحكم بمقتضى الأوامر والمراسيم، خارج أي شكل من أشكال الخطر الداهم، في مجالات مخصصة عادة للقانون. وبينما تدعي هذه المراسيم أنها تستند، في نصوصها المرجعية، إلى الدستور بوجه عام وإلى الأمر 117 المذكور أعلاه، فهي أضحت تتحاشى الإشارة إلى الفصل 80 من الدستور بعينه، المتعلق بحالة الخطر الداهم والتي تحولت من حالة استثنائية إلى نموذج طبيعي لممارسة الحكم.!
18. كيف وصلنا إلى هذا الوضع وهل تحولت حالة الاستثناء إلى نموذج طبيعي لممارسة الحكم يتولّى فيه رئيس الجمهورية أمام أعيننا، تحت ستار التدابير الاستثنائية، وبلمسات متتالية، المرور بالبلاد إلى تنظيم جديد ومستدام للسلطة والمجتمع في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؟
منبــــر: الحكم بالأوامر والمراسيم دون ضمانات
- بقلم حاتم قطران
- 12:00 31/03/2022
- 1369 عدد المشاهدات
أستاذ متميّز بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية