تلك السيارة الجديدة التي مازال يسدد اقساطها ستحطمها ايادي الثائرين: فانهالوا عليه ضربا وركلا ليجد نفسه شبه غائب عن الوعي... وسيارته مخربة بالكامل. ص 74.هذه الثورة العربية التي تزيد من طحن المهمشين. تاكسي الثورة المخيفة تخالف اسطورة تاكسي الغرام في الاغنية المصرية لكارم محمود.
كمال المعارض السياسي الذي يكره بورقيبة يجد نفسه مجبرا على الدفاع عن بورقيبة وحتى عن بن علي النظام الساقط امام الحرفاء الخليجيين فيدافع عن نظام قتل اخاه: بالرغم أنى من معارضي بورقيبة ...يرد عليهم بقوة «لم يمارس بورقيبة ابدا سياسة التغريب والتعليم في زمانه كان متوازنا» ص 69. وتعود إليه اسطورة حضارة الثلاثمائة سنة. تلك التي كانت سلاحه لإغراء لارا حبيبته المسيحية في بيروت حيث جثم على ركبتيه» مولاتي أنا حنبعل الهارب من رماح روما في قرطاج ... هل لك ان تنقذي جدتك اليسار مؤسسة قرطاج وبانية مجدها».
قرطاج لن تدمر وبن علي سيرحل وتونس لن تسقط لتكون الثورة تأسيسا جديدا لقرطاج الضائعة... كمال شخصية جربت الحياة من المقاومة الى التهريب الى التاكسي... شخصية عنيفة جسديا فبعد ان قتل رجلا في لبنان وهرب هاهو ينهال في منزله على ابنه اخته العايش ضربا مبرحا كاد ان يقتله لولا تدخل كارما واستجدائها له. ص276. في الحقيقة كمال الذي لعبت براسه الخمرة والثورة يفقد «كماله ورجاحته» كما في دلالات الاسم أصبح السرد نقيضا لدلالة التسمية. يغازل كارما ويدافع بشراسة عن حقه في جسدها الطري ويفقد الصواب. ثورة تلعب كالخمرة بكل الرؤوس ويصبح العنف الثوري الوسيلة الوحيدة للحوار ... «انت لست مثالا الرجولة». الحقيقة عارية بشعة حقيقة كمال ... الذي خدع الجميع بطيبته وبشهامته والان يعلم الجميع أنك خائن... هكذا قال له ابن اخته عايش.» لقد فشلت كل مشاريعك وخسرت كل معاركك». ص 277.
• عائش اللوزي الطائش السعدي الإسلامي المتطرف...
الرواية كسفينة نوح ضمت من كل الشخوص زوجين ومثل عايش والسعدي شريحة الطلبة والشباب التي كانت أكبر ضحايا نظام بن علي الفاسد.
عايش والسعدي على اختلاف رؤيتهما للعالم يعانيان البطالة. السعدي حرمه تقرير أمنى يتهمه بالأخونة من التدريس وبقي عايش يبحث عن عمل دون فائدة. تخصص لهما الرواية فصل الدروب الشائكة عندما اتم الجيش يوم سقوط 14/01 اكتساح شوارع العاصمة وشاع خبر هروب بن علي. كان الحل الاسهل لهما كما لباقي الشخصيات التوجه نحو منزل كمال الملجأ/المخبأ....
الذهاب يحتم عليهما الابتعاد عن الأحياء الشعبية الغارقة في الفقر والبؤس. ص93. وجاء السعدي ليطمئن العايش... علاقاته مع بعض الاخوان الاسلاميين التي يفتخر بها ستنجيهم من العنف. بداية دخول الاخوان على خط الثورة.... الركوب ابتدأ في اللحظة الصفر بعد ان قامت الجموع بأكبر مهمة وهي اسقاط النظام. الاختلاف بين اخواني متعصب الى حد التطرف وعايش المتبرج المتحرر يبدو وشيكا.
اصدقاء الطفولة وجه وقفا اخر خرجا من ريف القيروان واحراشها تجمعها شبيبة القيروان وتفرقهما العاصمة. الحياة في العاصمة شيء آخر عبارة عن سباق محموم ومفتوح ضد عقارب الساعة. ص 95. هذه العاصمة الموغلة في التوحش تذكر بصورة الغرب في رواية يحي حقي عندما تحذر العائلة اسماعيل الطالب الشرقي من الغرب وبناته ...
كذا تبدو العاصمة المغرية المدينة المتاهة بالنسبة لأبناء الريف ودواخل البلاد. تقف الشخصيتان على النقيض. عايش الذي يعيش أجواء الخمارات والجنس والغواية معجم لغوي يختص به: رائحة السكر تفوح من فمه ... انها بعض قوارير الجعة... يشربون البيرة ... ويبدو معجم المخصص للسعدي مغايرا تماما مثقل بمرجعية اخوانية دينية: خرجت عن الطريق المستقيم ... تردد آيات الذكر الحكيم في كل المقاطع السردية صدى لتوجهات الشخصية واصرار متواصل من السارد ان ينصص على خلفية كل شخصية فيبدو متحاملا على السعدي. وعندما يمرض عايش يأخذه السعدي الى الشيخ ويحول عايش وجهته الى الخمارة... صراع الشر والخير. يا ليت شعري ما الصحيح ...
لكن اغراء كارما يعصف بالسعدي وعايش معا ويعيدهما الى مجال الذكورة الشرقية الجائعة... كارما تسقط حجاب التدين للسعدي الذي يجرفه تيار غريب ... طوقته من حزامه بعصاها... أحس بنهديها تصطدمان بصدره فاجتاحه تيار قوي أول مرة في حياته وغزته رائحة عطرها. فأصابه دوار شديد في راسه. ص 250. كلما تناسى الجسد انسان الا واكلته الخيالات الشرقية التي بدأت تنهش جسد هذا المتزمت...بدأ كأنه وحش كبير متعطش للجنس ... كوحش كاسر... عقد الإنسان الشرقي تعود إليه ويلعن هذا الشعب الماجن امامه فيأخذ قاموسه اللغوي كل أشكال التطرف... الإسلام لن يرحم امثالك...ص250 يتوجس انتصار الثورة والانتقام... تحتد لغة العنف. فالطريق صارت مفتوحة لاجتثاث كل أولئك الذين يعتبرونهم حلفاء للطاغوت وللعلمانيين اعداء الإسلام. خطاب داعشي في عنفه وفي تصوره للثورة ... هو أخطرهم كما يقول السارد وتعكس قسامته نيران الحقد المتوثب للمواجهة.
اما عايش على النقيض لا يفكر الا في كارما ويخطط للزواج منها ... كارما هي الثورة الجديدة ثورة الجسد المكبوت... التي دفعته للتفكير في بيع أرض ابيه... الأرض هي العرض في عرف الريف. سيقول ابوه كما في رواية الأرض للشرقاوي... النار تخلف الرماد. ويبقى السؤال الكبير للشخصيتين هل الثورة وهم ام حلم؟
• مطيع خادم الفساد/حازم خادم النظام
نفس هذه الطينة التي خلقت منها انت ص78 كما أعلن عنها الحوار الباطني للشخصية. طينة خدمت بعز البعلي أحد اباطرة النظام الذي فر من ميناء سيدي بوسعيد في يخته الفاخر. دلالة واضحة على شخصية حقيقية ابان احداث 14 جانفي وهي بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس بن علي الذي كان هو حاكم الظل للبلاد وأطلق بن علي يديه في البلاد حسب
• الراوي العليم
مطيع كاسمه الذي يحيل على الانبطاح والتذيل... فامه اختارت له هذا الاسم. شلبية الفقيرة قالت له «لتكون اسما على مسمى وتسمع كلامي في كل ما اقوله لك ولا تخرج ابدا عن طوعي. « ص 82 مطيع ابن شلبية الخادمة التي تتبرج وتتزين لتزني مع صاحب البيت. مطيع بن العاهرة سينشأ مطيعا كاسمه يفعل ما يقال له وصورة امه التي ترفع رجليها ليرتمي فوقها صاحب البيت الذي يقع فوق هضبة قرطاج قصر كما في قصص ألف ليلة وليلة وسط استهزاء اصحاب البيت. فقط ياسمين الطفلة كانت تحبه وتعطف عليه. الاهانة والذل او كما تقول له امه شلبية ملهمته «الخضوع أفضل من الجوع»... شعور بالخصي الاجتماعي والبيولوجي ... ابن العاهرة... سينتقم بكل الطرق... ويصبح عبدا مطيعا للبعلي اشارة لغوية صريحة الى بن علي الذي. مطيع اختصر كل مسافاته ليصبح غنيا ووجيها بسرعة الصواريخ.ص86 فاشترى أفخم السيارات ومنزلا كبيرا في العاصمة. حتى ياسمين التي ارادها كانت فقط محاولة انتقام لشرف امه المهدور... عملية عصاب نفسي تكشف عن عقد الشخصية ودونيتها وشعورها بالنقص. فلا الجاه ولا المال مكناه من غسل العار...اليوم دولة بهز على وشك الانهيار وعليه ان يبحث عن ولي نعمة جديد... فكانت الصدفة التي جمعته بكمال محملا بمال ومجوهرات بهز البعلي
حازم الامني في الاستخبارات الذي كان مكلفا بمراقبة الميناء يتجه الى باردو تحت وطأة الخوف والتعب من جراء الاحداث واتساع رقعة الاحتجاجات. حازم الذي نشأ في اسرة متشددة لا يعصى لأبيه امرا وكذلك لا يعصي امرا لرؤسائه. حازم تربى على طاعة والده الذي يعتقد انه مواطن صالح في خدمة الدولة. اشتغل في قسم الآداب والدعارة ثم التحق بأمن الدولة. هذه الشخصية النمطية التي تكشف في ان عن الجو العام للبلاد زمن بن علي وكذلك عن الخوف الذي يعيشه المواطن والموظف في نفس الوقت... حازم كان يتمنى ان يبقى النظام حلمه ان يتواصل العهد الجديد. يسقط حلمه عندما يرفض الجيش التدخل ضد المتظاهرين اقتنع عندها فقط حازم بنهاية مصير بن علي ومصيره. اصوات وحناجر المواطنين تلهج بأهازيج وشعارات «خبز وما وبن علي لا» التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» نفس الخوف من الانفلات دفع به الى منزل كمال ومركز الأمن بحي التضامن محاصر من قبل المتظاهرين.
مطيع وحازم وجهان لعملة واحدة ما يهم الشخصيات اليوم هو طوق النجاة والبحث عن الحاكم الجديد للبلاد. مخططات ثلاثة للهروب تجمع بين الشخصيتين.
• صور المرأة
قام الخطاب السردي الذكوري العربي منذ حقي ومحفوظ على انتاج صور سردية نمطية للمرأة تشكل كليشيهات ادبية متكررة وكلاسيكية تختزل المرأة في صور الأم، والزوجة والحبيبة والمومس الرمزية. ثنائية جعلت من تمثيلات المرأة ثنائية قيمية تدلل احداها على الخير والاخلاق وتحيل الاخرى على امرأة شريرة وعدائية.
تقنيا باعتبار مكانتها السردية اما تكون المرأة شخصية فاعلة متحركة مؤثرة او ان تضطلع بدور ثانوي كمبرس تابع لمسار الذكورة السردي. رغم هذه النمطية فان بعض الجهود الروائية الرجالية حاولت توسيع اطر السردية الذكورية جاهدة الى اعادة صياغة صورة للمرأة جديدة تقطع مع العقلية القديمة وتخرج عن النمطية الكلاسيكية الملازمة لها لإنتاج صورة ديناميكية تتغلغل في عمق شخصية المرأة، لإنتاج امرأة تخترق السطحية السردية الرتيبة.
في رواية الليلة الصفر بدت المرأة متنوعة مثقلة بهموم مجتمع تونسي وشرقي متحول يرزح من ناحية تحت نير استعباد المرأة جنسيا واجتماعيا. مكانة المرأة الاكبر والمتعددة هي الأم والزوجة. (شلبية لارا دلال زوجة يمام) مخيال روائي ومجتمعي لم يتغير على مدى قرنين من التسريد الرجالي.
المرأة الجسد... المرأة الضحية...
كارما شلبية وربح ودلال نساء حاضرات غائبات في الحكي... ابرزت صور المرأة الدونية في السردية العربية. صور المجتمع الشرقي البطركي في علاقته بالمرأة.
الأم الحبيبة والعشيقة ثلاثة صور لامرأة مضطهدة محشورة في زاوية الجسد... المرأة في الرواية صنفان امرأة فاعلة في الحركة السردية وامرأة غائبة تحضر فقط من خلال الومضة الروائي عبر ذاكرة الشخصيات...
المرأة الأم ... الضحية شلبية الفقيرة الخاضعة والدة مطيع تجاهد من أجل حياة ابنها حياة ذل وخنوع وابتزاز تبيع جسدها امام انظار مطيع لصاحب العمل وتربي مطيع على الذل والخنوع ... المرأة الضحية/العاهرة ... دلالات الاسم الموغل في الشعبية تقاطع مع شخصية نور/شلبية المومس في اللص والكلاب التي تهب نفسها من أجل سعيد مهران...
اما دلال الراقصة في الملهى تعيش الليل وتهب جسدها لتربية ابنتها الوحيدة بعد ان تنصل منها حبيبها والقى بها للخصاصة والجوع. تبيع لحمها بأرخص الاثمان. صاحب مطعم ليالي تونس يستغل الأم وسيغتصب بنت 15 سنة... دلال الجميلة تنتهي في المخدرات وتموت متشردة في الشوارع بسبب جرعة زائدة. العاصمة لا تختلف عن باريس او مكسيكو في ظلمها وبشاعتها.
ربح الجماعي زوجة جار كمال ستنتهي بين احضان كمال تمنحه اللذة المحرمة بعد عجز زوجها الجنسي. كما يقول الجماعي نفسه عنها ... يا عاهرة أتظنين نفسك تخدعيني ... لو شئت لمسكته بين احضانه وهو يضاجعك ...لكنه عاجز بكل المعاني وخوفه من ان يخسر ربح آخر ما تبقى له في الحياة يجعله يقبل الذل والمهانة.
ربح ككل الشخوص النسوية في الرواية ادوات ذكورية لرغبات جنسية بلا أي مشاعر... كمال لا يكن أي حب لربح بل يحتاج لكومة اللحم لإفراغ نزواته الجنسية. تبدو صور المرأة سلبية فقط لوظائفها الجنسية ورغبات الرجل ... فالمرأة لا تساهم في الثورة ولا تؤثر في سياق الاحداث وكأن ذكورية الشرق تمنع عنها أي دور سياسي واجتماعي او فكري...
المرأة الزوجة القوية لارا اللبنانية هي الشخصية الاجنبية الوحيدة في النص. مسيحية جميلة فتنت كمال ثم هجرته وهربت مع بناتها... تزوج بها سنة 1985 في بيروت هي الفارة من جحيم حرب لبنان وقعت في جحيم كمال بين التهريب والاخطار والفقر. اغواها بأسطورة قرطاج وجمال تونس. الحلم الذي تحطم على أرض الواقع وأصبح كابوسا مظلما الى ان رحلت دون عودة لتترك كمال لفقره وصراعاته الدونكيشوتية. هربت لأستراليا لتقطع مع كمال ومشاكله...
لارا ليست الزوجة الوحيدة التي هربت من جحيم الشخصية السردية الذكورية بل زوجة يمام أيضا تركته لإفلاسه المادي والسجن لتهرب بأبنائها وتمنعه من رؤيتهم
• المرأة المغرية...
كارما البطلة في رواية الليلة الصفر مثلت الاستثناء. المرأة الطالبة الراقصة التي تجوب شوارع العاصمة في ديجنز وتبان ابيض في زي البراءة بدت كعصفورة تبحث عن عشها. ينتج الكاتب هنا صور عن المرأة التونسية مغايرة للنمطية في العالم العربي. التونسية في تحررها وخروجها الشوارع عكس بعض نماذج الشرقية المتخفية في المنازل او وراء الاحجبة.
كارما المرأة التي بدأت في اول النص كمتفرجة على احداث الثورة لتجد نفسها طرفا فيها بالقوة. كارما التي اغتصبت في سن الخامسة عشر بدون رضاه سرعان ما استنأنست بالجنس فعلا ميكانيكيا مبتذلا غيبت اشكالية الجسد منظور إليه من الذكورية المكبوتة لتحوله الى طاقة ابداعية عن طريق فن الرقص الذي تدرسه في الجامعة.
عملية تصعيد سيكولوجية لنظرة رجل ذكوري دونية وشبقية مثقلة بالجوع لأي جسد في النص مهما كان حتى جسد شلبية الممتلئة وربح القبيحة تصبحان وليمة جسدية للذكورية المكبوتة. الأولى تهب نفسها لمشغلها والثانية لكمال.
بينما كارما الراقصة التي تشتهيها كل الذئاب الشرقية الجائعة في الرواية فإنها لن تهب نفسها لأحد... تتلاعب بالجميع حتى بمشاعر الإخواني المتطرف وترى في يمام صور الاب المفقود. تتحول في اخر الرواية الى غنيمة الثورة والخمر تتصارعها أيادي الرجال وهي تتلوى كورقة الشجر في جمال خصرها ورقة جسدتها الطري... كارما في مدلول لغوي يقترب من ثلاثية الكرم في اللغة العربية ستكون كريمة مع الجميع ايقونة الثورة والشيء الجميل الوحيد في الليلة الصفر.
كارما شهيدة الليلة الصاخبة يختلط دمها ببقايا رائحة زجاجة الماغون الاحمر... الثورة تئد حلم المرأة وتغتالها الذكورة العنيفة. في مدلول ايحائي تبدو كارما كشخصية رمزية وهي التي تنطلق كالثورة من شوارع بورقيبة لتموت بين صراعات ايديولوجية قبل ان تبدأ...
كارما التي بدت في اول لقائها بيمام ترفع يافطة كتب عليها ارحل سترحل قبل ان يكتمل حلم ثورة لن تكتمل. لتصبح المرأة في الرواية الضحية الأولى لعنف الذكورة الشرقية.
كارما هي الشخصية النسوية الأكثر اكتمالا. يختصها السرد تقريبا بكل الملامح ... شخصية حاضرة في الفعل السردي وشخصية يهتم الوصف بكل تفاصيلها الجسدية والنفسانية اضافة الى الاهتمام بسيرتها الذاتية. قيمة كارما لا تختزلها هذه الاهمية الكمية فقط بل دلالتها كارما المنفردة بين الذئاب الذكورية... بعد ان اكتفى السرد بتقديمها في الفصل الثالث ص 56 يخصص النص فصل الجراح المتوقدة كاملا لها بكل تفاصيلها. 165-172. بدت في الفصل الثالث منظور إليها بعيون يمام لتأخذ تقنية اللاوعي الحر المجال لترسم خلجاتها وملامحها على فراش في منزل كمال تستعيد لحظة اغتصابها بكل تفاصيل ودقة دون اي شعور بالحزن او التأثر. متلازمة ستكوهولم أصابت كارما بعد ان تحولت الى مضاجعة صاحب الملهى الذي اغتصبها طواعية وبرغبة جامحة في مضاجعته على نفس الفراش بين كل تلك الروائح الكريهة. الى ان دخل كل زناة العالم لغرفتها ... تهب جسدها دون ان تفتح روحها لأحد. هي التي ترى الرجال كالكلاب أوالقطط السائبة... كارما الباحثة عن أبيها بين الرجال... فقط يمام يقترب من الابوة المفقودة لما لمست فيه من حنان وصدقا لم تعهده... ص 165. يضعنا النص في طريق البحث عن الاب المفقود... احست بقلبها يخفق لأول مرة فكرت بانها ربما وجدت فيه صورة الاب الضائع. يمام لا يراها ككل الذكورية الشرقية ككومة من اللحم. يمام الذي خيب توقعها هي التي انتظرت ان يرمتي عليها يمزق قمصيها ... لكنه عاملها برقة وحنان شديدين. قبلته على خدها ولدت في نفسها احساس بالأمان والحنان. ص 172. عادت كارما الغانية بصورتها الأولى عندما عبرت قاعة الركح في بيت كمال بلباس شفاف يبرز نهدها وبعض مفاتنها.... وتشرئب الأعناق والعيون. كارما الراقصة على ايقاعات الطبل والمزمار... انقلاب للكهف. ستة كلاب وسابعهم امرأة وخمرة الماغون انثى النار انثى الخمر وانثى الثورة تلهب كل النفوس والاجساد وتلعب برؤوسهم كالخمرة ...كارما سرعان ما تتحول الى فتنة قلبت الهدوء في بيت كمال ملجأ بعيدا عن انفلات الشوارع ليصبح في الأخير مسرحا للعنف واللكمات والصراعات ...تموت كارما وسط ذكورية متسلطة لم تغيرها حتى نوايا يمام الحسنة.... انتصرت الذكورية المتوحشة الغريزية على روح الفن روح الاحساس وتموت تباشير ثورة الحب لتكون الثورة عنفا ودماء...ثورة بلا اب تتنازعها الخصوم...
تموت المرأة بارقة الامل وربما يموت حلم الثورة بين صراعات اليسار والاسلاميين واعوان النظام السابق. اعادة إنتاج للحظة تاريخية بلغة سردية انشائية جعلت الرواية في جزء منها تاريخيا وتوثيقا تتغير معاجم وسجلات اللغة لتصبح تقريرية دون عواطف ولا انفعال تسرد بعض تواريخ البلاد ... هذا السارد المتمكن العليم يجتر تجربة شخصية تخترق سيرة الشخصيات السردية لتختلط السيرة الذاتية المتخفية من خلال التوثيق للثورة ولما سبقها. خطاب يأتي في اغلبه على لسان الشخصيات الاكبر سنا وتجربة تلك التي الشخصيات المخضرمة التي عاشت زمن بورقيبة وازمنة بن علي والثورة والتي يتخفى ورائها السارد/الكاتب.
انتهى
لقاء الليلة الصفر... لمصطفى بن أحمد «منشورات نقوش عربية 2021» صخب الثورة الآتية.. قراءة تحليلية
- بقلم المغرب
- 11:50 25/01/2021
- 1212 عدد المشاهدات
بقلم: د. شهاب دغيم
باحث في الادب الحديث
(الجزء الثاني والأخير)
فصل الرواية المعنون بالجولة الخطيرة يضع كمال امام خوف متواصل فكان يتجنب الخروج باكرا خوفا من العصابات ص 63.