التلاقيح ضد الكورونا: البحوث الجارية والرهانات

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 30 جانفي 2020 عن تحول وباء كوفيد 19 إلى جائحة عابرة للعالم، وانطلق منذ ذلك الحين التسابق في مستوى العلماء والشركات الصيدلانية

العالمية نحو إيجاد دواء للمرض المستجد، ابتداء من اختبار فعالية عدد من العقاقير المتوفرة في السوق وصولا إلى تطوير عقاقير جديدة. وفي الحقيقة تبقى التلاقيح هي الوسيلة الأنجع للحد من انتشار الفيروس وهو ما دفع الحكومات والمخابر الكبرى إلى تكثيف جهود البحث للفوز بالأسبقية في تطوير لقاح ناجع. وما من شكّ في أن هذا التسابق لا يخلو من دوافع سياسية وخاصة تجارية.

1 - أصناف التلاقيح ضد فيروس كورونا المستجد SARS-CoV-2:
التلقيح هو عقار يستعمل لحماية الإنسان من الأمراض المعدية بإكسابه مناعة ضد الفيروسات أو البكتيريا التي تسببها، وتوجد مقاربات مختلفة لتطوير التلاقيح، يمكن تصنيفها كما يلي [1-11]:

[1] مقاربة تعتمد على تعطيل الفيروس (virus inactivé)

[2] مقاربة تعتمد على الفيروسات الناقلة والمحولة جينيا (vecteurs viraux recombinants)

[3] مقاربة تعتمد على مركبات من الفيروس (sous-unitaires)

[4] مقاربة تعتمد على الحمض الريبو- نووي (ARN)

[5] مقاربة تعتمد على الحمض الديزوكسيريبو- نووي (ADN)

[6] مقاربة تعتمد على إنهاك الفيروس (Vaccins à virus atténué)

نعرض في هذا الجدول محاسن هذه المقاربات وعيوبها.

2 - الأبحاث الجارية لإيجاد تلقيح لفيروس كورونا المستجد:
أجرى العلماء أبحاثا سابقة ضد الفيروسات التاجية المسببة لمرض المتلازمة التنفسية الحادة (SARS) الذي ظهر في 2002 ومرض المتلازمة التنفسية الحادة للشرق الأوسط (MERS) الذي ظهر في 2012، وأثمرت هذه الأبحاث مشاريع تلاقيح ضد تلك الفيروسات المستجدة، تمّت تجربتها حينها على الخلايا المزروعة ثم على الحيوان. لكن هذه التجارب لم تعط نتائج قاطعة حول المناعة التي تكسبها التلاقيح المقترحة للإنسان وحول المضاعفات الجانبية التي قد تتسبب فيها. ومع محدودية انتشار تلك الفيروسات في ذلك الوقت وقع التخلي شيئا فشيئا عن تطوير مشاريع التلاقيح نظرا لقلة المردودية المالية لتلك التلاقيح بعد الانتهاء من تصنيعها [12]. أما اليوم ومع تحول المرض إلى جائحة عالمية تهدد الإنسان والاقتصاد أضحى البحث عن التّلاقيح وتطويرها وتصنيعها همّ السلط الصحية ومختلف الحكومات في العالم [13]

ونجِد إلى حدود تاريخ 2 أكتوبر2020، تاريخ آخر تحيين لمنظّمة الصحّة العالميّة حول الوضع الوبائي في العالم، 42 تلقيحا مقترحا بلغت أطوار التّجارب السريريّة، منها 10 مشاريع تلاقيح بلغت الطور الثالث والأخير. كما نجِد حوالي 151 مشروع تلقيح لا زالت في أطوار الأبحاث والتطوير ما قبل الاختبارات السريريّة [14].
وكانت روسيا في 11 أوت 2020 أول دولة تعلن اعتماد تلقيح ضد فيروس كورونا المستجد. ويعتمد التلقيح على فيروسين ناقلين ومحوّلين جينيّا ينتميان إلى عائلة الفيروسات ذات الحمض الديزوكسيريبو-نووي (adénovirus) مع العلم أنّ عائلة الفيروسات الديزوكسيريبو-نووية هي عائلة تشتمل على مئات الفيروسات التي تتمثل مادتها الوراثية في ذراعين متآلفين ومستقيمين من الأحماض الديزوكسيريبو-نووية، ويوجد منها حوالي 40 فيروس يمكن أن تصيب الإنسان وتسبب له أمراضا تنفسية. وقد طُوِّر هذا اللقاح الروسي في المركز الوطني لعلم الوبائيات والميكروبات في موسكو. و أسال هذا التلقيح المسمى سبوتنيك5 الكثير من الحبر حول نجاعته والأعراض الجانبية التي قد يتسبب فيها منذ أن أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة وأن السلطات الروسية كانت قد أعلنت عن نيتها في تصنيع هذا التلقيح واعتماده حتى قبل ظهور نتائج المرحلة الأخيرة من الاختبارات السريرية [15]. ثم انتهى الروس إلى نشر نتائج الاختبارات السريرية في الطور الأول والثاني في 4 سبتمبر 2020 والتي كانت أجريت على مجموعتين من 38 متطوعا بصحة جيدة وأظهرت وجود استجابة للجهاز المناعي لدى كل المتطوعين. ثم وقع اعتماد 40000 متطوع لإجراء اختبارات الطور الثالث من التجارب السريرية ابتداء من 26 أوت 2020 [16].
وقبل ذلك كانت الصين أعلنت، في 22 جويلية 2020، نيتها إسناد تراخيص استخدام مستعجل لتلاقيح قيد التّطوير، ليحصل المصنع الصّيني للتلاقيح CanSino Biologics Inc على مصادقة الملكية الفكرية لتلقيحه المقترح ضد فيروس كورونا المستجد (Ad5-nCOV) بتاريخ 11 أوت 2020 [17]، ثم لتحصل شركة Sinovac على رخصة استخدام مستعجل لتلقيحها الذي لا يزال قيد التجارب السريرية في 31 أوت 2020. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تنتهي تجارب الطور الثالث من مرحلة التجارب السريرية لمشاريع التلاقيح المعتمدة من منظمة الصحة العالمية بين مارس وأفريل 2021 [14].

• الرّهانات التي تطرحها تلاقيح ضدّ فيروس كورونا المستجدّ:
يجد الباحثون أنفسهم مجبرين على اختصار آجال تطوير اللّقاح مع ارتفاع عدد الحاملين للفيروس (أكثر من 31 مليون) وعدد الوفيّات التي يتسبّب فيها (مليون) [18]، وتحت وطأة الانكماش الاقتصادي المنذر بانهيار كبير. ومن ناحية أخرى يسلط الساسة ضغطا على الفرق البحثية لاستثمار السبق العلمي لتسجيل النقاط، من ذلك اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدارة العقاقير والأغذية في الولايات المتحدة (FDA) بالتخاذل ريبة منه في أن تؤخر اعتماد التلاقيح لما بعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة في نوفمبر 2020، مما أجبر هذه الهيئة الفيديرالية التقنية على إسناد تراخيص استخدام مستعجل لأمصال في معالجة مرضى الكوفيد-19، غير أن هذه الأمصال لم تكن فعالة في العلاج. وما يخشاه الخبراء الآن هو إسناد اعتماد لتلقيح ما من إدارة العقاقير والأغذية قبل استكماله كل مراحل التطوير استجابة لضغوط ترامب وخدمة لأجندته السياسية.
وكانت الصين، قبل روسيا، قد اعتمدت تلقيحا لازالت قيد التطوير واستعملته مع عدد من العسكريين، ثم أعلنت مؤخرا أنها كانت تستعمل تلقيحا آخر لم يستوف كل مراحل التطوير مع عمال منذ شهر جويلية 2020.
هذا ونشير في هذا السياق إلى أن المصطلحات المستعملة لتسمية مشاريع البحث والتطوير المتعلقة باللقاح ضد فيروس كورونا المستجد توحي كلها بالتسابق والتلاحق، من ذلك تسمية التمويل الموجه إلى مشاريع تطوير اللقاح في الولايات المتحدة بـ»عملية سرعة البرق»، وتسمية اللقاح الروسي الأخير بسبوتنيك 5 الذي يذكرنا بمناخ التسابق نحو الفضاء خلال ستينات القرن الماضي في سياق الحرب الباردة، كل ذلك يؤكد الانطباع بانخراط فرق البحث في تسابق وتلاحق نحو التلقيح وذلك باختصار مراحل البحث والتطوير بما يوحي بإهمال مسائل مهمة كالسلامة من الأعراض الجانبية.
وجب التذكير هنا أن مرحلة الاختبارات السريرية للأدوية والتلاقيح مؤطرة بسلسلة من الضوابط الدقيقة، وتنقسم هذه المرحلة إلى أطوار ثلاثة:

• الطور الأول:
تهدف دراسات الطور الأول إلى التعرف على سمومية العقار المقترح، وتجرى التجارب في هذا الطور على متطوعين أصحّاء ومتطوعين مصابين بأمراض مزمنة لمدة بضعة أشهر.

• الطور الثاني:
تهدف دراسات الطور الثاني إلى تحديد نجاعة العقار المقترح وضبط المقادير الفعالة للعقار، وتجرى التجارب في هذا الطور على متطوعين أصحّاء ومتطوعين مصابين بأمراض مزمنة لمدة قد تصل إلى سنتين.

• الطور الثالث:
تهدف دراسات الطور الثالث إلى مقارنة نجاعة العقار المقترح مع عقار معتمد أو مع مركب شاهد (placebo). وتجرى التجارب في هذا الطور على متطوعين أصحّاء ومتطوعين مصابين بأمراض مزمنة لمدة قد تصل إلى أربع سنوات [19].
حاليا، وفي سياق السباق نحو اللقاح ضد الكورونا، يقع اختصار هذه الأطوار من عديد الفرق البحثية في دول مختلفة.
ومع بلوغ 9 مشاريع تلاقيح الطور الثالث من الاختبارات السريرية تبرز على السطح مسألة بالغة الأهمية متعلقة بتوزيع التلاقيح على مستحقيها. وفي هذا السياق فقد قدرت دراسة قام بها تحالف التطوير من أجل الاستعداد للأوبئة (CEPI-Coalition pour l'innovation en matière de préparation aux épidémies) أن العدد الجملي للتلاقيح التي قد تنتجها الصناعات الصيدلانية في العالم خلال 2021 سيبلغ 2 مليار وحدة وهي كمية تعتبر كافية لتلقيح الأشخاص الأكثر هشاشة فقط، مما يعني أن التلقيح لن يكون متاحا للجميع في السنة المقبلة. لكن يبدو أن التلاقيح لن تكون متوفرة حتى لكل مستحقيها من الأشخاص الأكثر هشاشة بما أن دول الاتحاد الأوروبي حجزت حوالي 1,225 مليار وحدة من التلاقيح [20] و الولايات المتحدة حجزت 500 مليون وحدة من التلاقيح [21]، مما يشي بمزيد تعكر الوضعية الصحية خاصة في الدول الأكثر فقرا واستفادة الدول الأكثر ثراء، وبما يؤكد تحول التلاقيح ضد الفيروس المستجد إلى أداة للهيمنة الإمبريالية على الشعوب [21].

• أين تونس من مسألة التلاقيح ضد فيروس كورونا المستجد؟:
أعلن هاشمي الوزير مدير معهد باستور في تونس أنّ فريقا بحثيا في المعهد منكبّ حاليّا على تطوير مشروع لقاح ضد فيروس كورونا المستجدّ متبعا مقاربة التّلاقيح المعتمدة على الحمض الديزوكسيريبو-نووي (ADN). وحسب هاشمي الوزير فإنّ هذا التّلقيح لا زالت قيد التجارب ما قبل الاختبارات السريريّة وأنّه مستند إلى آخر المعطيات العلميّة التي وقع التوصّل إليها حول الفيروس، وأنّ أوّل المقالات العلميّة المتعلقة بهذا التطوير ستصدر ابتداء من شهر نوفمبر. كما أكد مدير معهد باستور أن العمل جاري على أن يكون التلقيح جاهزا للمصادقة والاستعمال مع بداية سنة 2021 [22]. وأوردت جريدة الشروق في عددها الصادر يوم 18 سبتمبر 2020 أن التلقيح التونسي ضد فيروس كورونا المستجد قد

يكون جاهزا مع حلول شهر نوفمبر القادم بالنظر إلى التقدم في أطوار الاختبارات السريرية.

ورغم هذا التفاؤل الذي تحمله هذه المعطيات إلا أنه لا يمكن التغاضي عن العقبات التي تعترض تطوير التلقيح التونسي، وأولها ترسانة القوانين والتراتيب الجاري بها العمل والتي تعسر وتثبط كل مراحل الاختبارات السريرية مما قد يمطط آجال المصادقة والتصنيع. أما ثاني هذه العقبات فهو غياب البنية التحتية اللازمة لتصنيع اللقاح في قطاع الصناعات الصيدلانية التونسية والذي قد يدفع بآجال التصنيع إلى تواريخ بعيدة ويحدّ من الكميات المصنعة، مما حدا بمدير معهد باستور للإعلان أن المعهد يبحث عن شريك صناعي لإنتاج التلقيح على مستوى كبير. وهنا نتساءل لماذا لم يقع التوجه نحو الشركة التونسية للصناعات الصيدلية (SIPHAT) والتي يمكن لها أن تنهض بمهمة التصنيع شريطة الرفع من جاهزيتها عددا وعدة.

المراجع
[1] R.L. Roper, K.E. Rehm, SARS vaccines: where are we? Expert Rev Vaccines 8 (7) (2009) 887–898.
[2] D. Cavanagh, Severe acute respiratory syndrome vaccine development: experiences of vaccination against avian infectious bronchitis coronavirus, Avian Pathol. 32 (6) (2003) 567–582.
[3] K.V. Holmes, SARS coronavirus: a new challenge for prevention and therapy, J. Clin. Investig. 111 (11) (2003) 1605–1609.
[4] S. Navas-Martín, S.R. Weiss, Coronavirus replication and pathogenesis: implications for the recent outbreak of severe acute respiratory syndrome (SARS), and the challenge for vaccine development, J. Neurovirol. 10 (2) (2004) 75–85
[5] C.D. Rocha, B.C. Caetano, A.V. Machado, O. Bruña-Romero, Recombinant viruses as tools to induce protective cellular immunity against infectious diseases, Int. Microbiol. 7 (2004) 83–94.
[6] S.J. Draper, J.L. Heeney, Viruses as vaccine vectors for infectious diseases and cancer, Nat. Rev. Microbiol. 8 (1) (2010) 62–73.
[7] M.S. Rolph, I.A. Ramshaw, Recombinant viruses as vaccines and immunological tools, Curr. Opin. Immunol. 9 (4) (1997) 517–524.
[8] J.-L. Imler, Adenovirus vectors as recombinant viral vaccines, Vaccine 13 (13) (1995) 1143–1151.
[9] Subunit Vaccine, The Vaccine Book (Second Edition), 2016
[10] Plotkin S. Vaccines, vaccination, and vaccinology.J. Infect Dis 2003;187:1347–59.
[11] Ng, W. H., Liu, X., & Mahalingam, S. (2020). Development of vaccines for SARS-CoV-2. F1000Research, 9, F1000 Faculty Rev-991. https://doi.org/10.12688/f1000research.25998.1
[12] C. Bruno, La science ne marche pas dans l’urgence. la tribune des travailleurs. 230 (2020).
[13] H. Cho, J.-L. Excler, J.H. Kim, I.-K. Yoon, Development of Middle East respiratory syndrome coronavirus vaccines–advances and challenges, Human Vacc. Immunother. 14 (2) (2018) 304–313
[14] https://www.who.int/publications/m/item/draft-landscape-of-covid-19-candidate-vaccines
[15] Talha KhanBurkiThe Russian vaccine for COVID-19. Lancet Respir Med 2020 Published Online September 4, 2020. https://doi.org/10.1016/S2213-2600(20)30402-1
[16] Denis Y Loguno et al. Safety and immunogenicity of an rAd26 and rAd5 vector-based heterologous prime-boost COVID-19 vaccine in two formulations: two open, non-randomised phase 1/2 studies from Russia. Lancet. 2020 Sep 4 doi: 10.1016/S0140-6736(20)31866-3
[17] http://www.china.org.cn/china/2020-08/17/content_76608378.html
[18] https://www.worldometers.info/coronavirus/
[19] https://www.fda.gov/patients/drug-development-process/step-3-clinical-research#Clinical_Research_Phase_Studies
[20] https://www.latribune.fr/economie/union-europeenne/covid-19-l-ue-pre-commande-225-millions-de-doses-du-potentiel-vaccin-de-curevac-855236.html
[21] https://investir.lesechos.fr/actions/actualites/coronavirus-les-usa-ont-commande-des-doses-du-potentiel-vaccin-de-moderna-1922666.php
[22] https://www.theguardian.com/society/2020/aug/30/how-the-race-for-a-covid-19-vaccine-got-dirty
[23] https://www.businessnews.com.tn/le-vaccin-contre-le-covid-19-developpe-en-tunisie-est-encore-en-phase-pre-clinique,520,101294,3

خلية البحث العلمي لحزب العمال

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115