المجتمع الحديث
لقد بدأت منذ القرن 15 حركة نزول الحضارة العربية الإسلامية والتي انتهت بالخروج من الأندلس وكانت بذلك نهاية العصر الذهبي لهذه الحضارة وفي المقابل انطلقت على مراحل النهضة العارمة في أوروبا (بعد سبات قرون) وبدأت أساسا بحركة فنيّة عميقة في مدينة فلورنس الإيطالية ثم تميّز عن الروميين ومملكة فينقيا ومنها عمّت شيئا أوروبا. هذه الحركة كان أساسها الفكري التجويد في الشكل والمحتوى الذي انطلق من الرسم ثم عم النحت والهندسة المعماريّة.
ونعتمد هذه الحركة بإيفاءات كثيرة في ألمانيا وهولندا وأنحاء شتّى من أوروبا وقد انطلق بذلك نقلها ألمانيا بواسطة فلاسفتها العظام (كانت، شو، نيتشة، هايدقار) وهولندا (سبينوزا) وكانت الاستفاقة الفكرية في فرنسا التي أنتجت فلسفة الأنوار (مونتسكيو،فولتر، ديدرو خاصة المفكر العميق ديكارت الذي أهدى العالم هذا العقد الاجتماعي إلى تطبيقات ذلك الإنتاج البالغ الأهمية لازالت سارية المفعول). وهنا وجب ألاّ ننسى أنّ المفكّر الأندلسي إبن رشد لقي الاهتمام المركّز من الغرب وترجم إلى عديد اللغات واعتبرت فلسفته في أولوية العقل في تناول الأمور ضربا من ضروب التجديد بعد اليونان وأرستو وأفلاطون) في حين أنّ المحليين أحرقوا كتبه وحاكموه. وعزلوه فبات وحيدا حزينا ... لم يفهمه عصره. ويعتبر ديكارت مواصلا ومعمقا لفكر ابن رشد في بعث العلوم التجربيبية والعلم الحديث فكانت الثورة الصناعية وكان البحث العلمي التجريبي الموجّه وكانت الديمقراطية والمواطنة وانطلق الغرب في غزو العالم وتكليس الشروط اعتمادا على المعرفة وسلطة العقل فتراجعت تدريجيا السلطة السياسية للدين حتى فصلا طبيعية بحيث أصبح هجر الحياة يخضع المعرفة والذكاء وانفصل بذلك عبر سريان الاعتقاد والدين وممارسة الطقوس والشعائر تطوّر طبيعي لم يخل من نكسات وصراعات ولكنّ النتيجة النهائيّة كانت انتصارا منطقيّا للعقل والذّكاء في فصل ميادين المعرفة الناطقة من منهج التفكير والتجربة وميدان الإيمان من ناحية أخرى الذي هو الفضيلة والنموّ والعشق لله.
تونس والإسلام اليوم
في تونس ما هو عام لسائر الشعوب العربية والإسلامية وفيها خصوصيات تنفرد بها انطلاقا من تاريخها القديم والجديد ونمط العيش وإسهامات الحضارات ومناخها...
اليوم يشكّل الصّراع المرير في بلادنا بين النمط المحافظ الذي يسعى إلى تكريس وإرساء نظام مرتكز أساسا على القديم إذ يحنّ إلى ما كان سائدا في الدولة الأمويّة أو العباسيّة أو حتّى نظام الدولة في نصر الإسلام. هذا من جهة ومن جهة أخرى ما يسمّى بالحداثة وهو خليط هائل من إيديولوجيّة اتجاهات شتّى تتبلور حول تجربة بورقيبة، بن علي (الدستور الحرّ) وحتى
اليسار بأشكاله (من موالي الاتحاد السوفياتي إلى موالي .... !) واضح هنا أنّ تونس تشكّل طرفا متقدّما بالمقارنة مع العالم العربي الإسلامي حيث وقع إرساء بعض الانتصارات التعليم، الصحّة، حقوق المرأة) ولكن يبدو حاليّا أنّنا نعيش تأخّرا تاريخيا عميقا بالمقارنة مع الدول المعاصرة نمط حياة مجتمعنا يختلف اليوم جوهريّا عن أنماط المعاصرة، الحريّات، المساواة أمام القانون، سلطة الذّكاء والإبداع. البرمجة في كل ميادين الحياة بما فيها المستقبل البعيد، ارتفاع جماعي للمستوى المادي لعموم الناس. نحن بعيدون عن كلّ هذا بل هوينا إلى الأسفل منذ الثورة ولازلنا في انحدار رهيب عل كلّ المستويات في حين أن المجتمع جمع أشكال العنف : الإرهاب، النهب، الفوضى الاجتماعية انهيار الأخلاق، ضعف فادح في الإبداع من أجل تصوّر لمستقبل أفضل. تقلّص المؤمنين بقدرة الفاعلين السياسيين. عزوف عن المشاركة في الانتخابات، يأس جماعي، هجرة واسعة للنخبة والمسعوفين، وفقدان الأمل.
لم يتمكّن المحافظون من تحقيق أي نتائج إيجابية لا على المستوى الجوهري والاقتصاد ولا على مستوى خلق مشروع اجتماعي ولا على مستوى الإقناع بأي مشروع ثقافي الذي يتردّد على الألسن نحو الماضي وحنين إلى الماضي لا يتماشيان مع القرن 21.
وربحا لحبر القلم، أشير إلى أنّني طرحت في مناسبتين على صفحات هذه الجريدة (1) و(2) بعض الملامح الأساسية من أولويّات المرحلة الحالية واستراتيجية البناء من أجل المستقبل البعيد.
إستتباع
إنّ الإسلام بتونس ولغتها العربية يمثلان قاسمين اثنين أساسيين في تركيب الهوية. إضافة إلى ذلك نقول أنّ لكل بلد خصوصياته وتاريخه ونمط عيشه ومناخه المؤثر. فنحن إذا تونسيون وتلك هويّتنا مع كل ما تشمل هذه العبارة من معاني ورموز في القدم متنوعون منفتحون على كل المحيطات.
ولكنّ أي إسلام لبلدنا اليوم وغدا ؟
لا بدّ من أن تعمل العائلة (النواة الأولى) والمدرسة والمجتمع من خلال بعث القيم الفكرية والثقافية والفكرية) على زرع مبادئ الأخوة واحترام الآخر ونظافة اليد والإيمان بالعمل والرأفة بالمعوّق. هذا هو جوهر الإسلام وفضائله.
أمّا من ذلك عن الإرهاب والتسلّط واستغلال للبؤس وجهل الضعفاء والتوظيف والتنوير والتخدير والقسوة والتكبيل أسس الحدود - المواقع والتجريم والتكفير) كل ليس الجوهر بل هي القشور أحيانا وعكس الجوهر أحيانا أخرى. بهذه التدابير البسيطة وعوضا على زرعها وإشعاعها لتخفيف مستويات العنف للانطلاق في الطريق الصحيح. تونسي لا يخجل من الانتماء منخرط في ميادين يعمل ويجدّ مكانه المحترم داخل وطنه بين مواطني الكرة الأرضية. يعمل ويبدع ويحلم.
انتهى