منبــــر: المرأة تحرّر العقود وشهادتها غالبا كشهادة الرجل ..

الثابت لدينا أنّ عقد الزواج المكتوب و الذي يعدّ عقدا مدنيّا هو عقد شرعي كذلك وقد تمّ ضبط الفصول المتعلّقة بعقود الزواج وترسيمها

في القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في أوّل أوت 1957 والمتعلّق بتنظيم الحالة المدنية وذلك من خلال ما ورد في الباب عدد 3 في عقود الزواج وفي ترسيمها حسب الفصل 31 ونصّه "يبرم عقد الزواج بالبلاد التونسية أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من أهل الثقة. ويبرم عقد زواج التونسيين بالخارج أمام الأعوان الديبلوماسيين أو القنصليين التونسيين أو يبرم العقد طبق قوانين البلاد التي يتمّ فيها.." فهذا الفصل لم يحدّد جنس ضابط الحالة المدنيّة ولا جنس العدلين ولا جنس أعوان مؤسسات الدولة بالخارج ومعنى ذلك أن ضابط الحالة المدنيّة يمكن قانونا أن يكون إمرأة وكذلك العدلين يمكن أن يكونا إمرأتين أو رجلين أو رجلا وإمرأة.
وقد عبّر البعض من المتشدّدين عن رفضهم أن تكون محرّرة عقد الزواج في البلدية إمرأة أو تكون من بين عدلي الإشهاد إمراة أيضا بدعوى أن هذا يتعارض مع تعاليم الدين ..
وهذا لبس خطأ كبيرا وخطأ جسيما بل أن ذلك وليد عقليّة ذكوريّة باليّة تتعارض مع القانون المدني فمحرّرة العقود هنا هي موظفّة في البلديّة لها صلاحيات التحرير والتوثيق لعقود الزواج ولعدّة وثائق أخرى منها:
• ترسيم الولادات
• إبرام عقود الزواج
• ترسيم الوفيات
• تسليم رخص الدفن
• استخراج مضامين الولادات .
• استخراج عقود الزواج .
• استخراج شهائد الزواج .
• استخراج مضامين الوفاة .
• التعريف بإمضاء الخواص
• مطابقة النسخ لأصولها
وكذلك بالنسبة للمرأة فتسمّى عدل إشهاد ولها نفس حقوق وواجبات الرجل فمنذ 1994 تاريخ صدور القانون الأساسي الذي نظّم مهنة عدول الاشهاد اقتحمت المرأة هذا الميدان وتغيّر المسمّى من "عدول" إلى عدل إشهاد. وقد ناهز اليوم عدد عدول الإشهاد في تونس أكثر من ألف شخص ثلثهم من النساء دون اعتبار المتخرّجات سنويّا من المعهد الأعلى للقضاء وللمرأة هنا مجالها الواسع من ذلك تحرير عقود الزواج وعقود البيوع وقسمة التركات وغير ذلك من الصلاحيات القانونيّة والمدنيّة .. وممّا لا شك فيه صحة كتابة عقود الزواج على يد إمرأة من الناحية الشرعية فكتابة عقود الزواج أو غيرها من العقود على يد إمرأة صحيحة شرعا، ولا حرج في ذلك ولا مانع شرعا وعقلا.
وما تقوم به المرأة هو توثيق لذلك العقد سواء في البلديات باعتبارها ضابط الحالة المدنية، أو شاهد عدل. ولا فرق في ذلك بينها وبين الذكر مادامت رشيدة ومن أهل الثقة..
فما الداعي لهذا الرفض ؟
إذا كان سببه متعلّق بشهادة المرأة ..هذه القضيّة التي تفرض حسب المتداول عدم الإعتماد على شهادة المرأة مطلقا أو على شهادة أكثر من إمرأة فهذا مبحث آخر له زاويّة نظر دينية يختلف عن وظيفة تحرير العقود بمختلف أنواعها ..
السؤال هنا هل من حقّ المرأة أن تشهد على عقود الزواج والطلاق وغير ذلك ؟
قانونا يحقّ للمرأة الواحدة بمفردها أن تكون شاهدة على عقد الزواج مع رجل أو مع إمرأة أخرى لكن نادرا ما طبّق هذا القانون نتيجة العرف الرافض لهذه الشهادة لذلك يوجب ضابط الحالة المدنية أو عدل الإشهاد تجنّبا للرفض أو للحرج وجود رجل وإمرأتين رغم صراحة نصّ القانون " بمحضر شاهدين من أهل الثقة" فحضور الشاهدين لم يتمّ خلاله تحديد جنسه بل ضبط العدد فقط .
شرعا يحتاج موضوع شهادة المرأة إلى توضيح ..
أوّل ما يجب توضيحه هو الفرق بين الشهادة والإشهاد فالآية التي ذكرت تنصيف شهادة المرأة "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" سورة البقرة: 282.
هي آية خاصة بشهادة المرأة في المعاملات الماديّة فقط لأنّها تتحدَّث عن الإشهاد، والإشهاد غير الشهادة؛ لأنّ الشهادة لا تَتَّخِذُ من الذُّكُورة والأنوثة معيارًا لها؛ بل تعتمد على البَيِّنَة، أما الإشهاد الذي تقصده الآية فهو خاصٌّ بالمعاملات الماديَّة كالْمُدَاينات والمعاوضات، وهو أمر يحتاج من الشاهد أن يكون مختلطا بالمجتمع، والمرأة في الغالب ليست لها علاقة بمثل هذه المعاملات؛ لذلك فهي مُعرَّضة إلى النسيان لعدم انشغال ذهنها بها، وانصراف اهتمامها إلى تدبير شؤون بيتها، فإذا ما اضطرَّت الأمور إلى شهادة المرأة في هذه المعاملات مع رجل واحد فقط، فلتكن معها امرأة أخرى.
وبالتالي لا يفهم من تنصيف شهادة المرأة في الإسلام، نقصانا في عقلها أو نيلا من كرامتها، ولكن له أسبابا وجيهة ومنطقية ومقبولة، فالشريعة الإسلامية اتَّجَهت إلى تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر، إلى جانب الرجل الأوّل، حتى لا تكون الشهادة عُرْضَة للاتهام. ولم يعتبر أحدٌ تنصيف شهادة الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر أمرا ماسًّا بكرامته ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس.
فقضيّة أداء الشهادة ليس فيها تفضيل للرجل على المرأة؛ لأنّ تحمُّل الشهادة فيه عبء وعناء ومشقَّة، وليس فيه مَزِيَّة حتى يُتَزَاحم عليه، وجعل شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة رجل واحد في بعض القضايا، من باب التخفيف على المرأة لا من باب الانتقاص من قدرها.
بدليل أنّه ثمّة من القضايا ما لا يُسْمَع فيها إلا لشهادة النساء، وهي الأمور الخاصة بالنساء مثل الرضاع، والولادة، والحيض، والعدّة، وما أشبهها.والتي لا يطَّلِع عليها غيرهن، وقد تُقْبَل في بعضها شهادة إمرأة واحدة منفردة، ولا تُقْبَل فيها شهادة الرجال، فهل يُعَدُّ هذا انتقاصا للرجل؟!
ولتبرئة القرآن الكريم من تهمة تنصيف شهادة المرأة والتعلّل بـ"تضلّ" ليس يعني نقصان عقلها؛ فقد قال تعالى: "أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" سورة البقرة: 282، والضلال هنا بمعنى النسيان، فهذه حيطة من الشرع من تحريف الشهادة وهي خشية الاشتباه والنسيانِ؛ لأنّ المرأة أضعف من الرجل بأصل الجبلّة بحسب الغالب.
أمّا الشهادات التي لا يخاف فيه الضلال عادة لتعلّقها بعالمها فلم تكن فيه المرأة على النصف من الرجل، بل تقبل فيه شهادتها منفردة؛ لأنها أشياء تراها بعينها أو تلمسها بيدها أو تسمعها بأذنها كالولادة والرضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى إعمال العقل.
يقول الشيخ بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" واشتُرط العددُ في الشاهد ولم يكتف بشهادة عدل واحد لأنّ الشهادة لما تعلّقت بحق معيّن لمعيّن اتّهم الشاهد باحتمال أن يتوسّل إليه الظالم الطالب لحق مزعوم فيحمله على تحريف الشهادة، فاحتيج إلى حيطة تدفع التهمة فاشترط فيه الإسلام وكفى به وازعاً، والعدالة لأنّها تزع من حيث الدين والمروءة، وزِيد انضمام ثانٍ إليه لاستبعاد أن يتواطأ كلا الشاهدين على الزور. فثبت بهذه الآية أنّ التعدّد شرط في الشهادة من حيث هي،..".
وأضاف الشيخ بن عاشور " من أن يقال فإن لم يكنْ رجلان لئلاّ يتوهم منه أنّ شهادة المرأتين لا تقبل إلاّ عند تعذّر الرجلين كما توهّمه قوم، وهو خلاف قول الجمهور لأنّ مقصود الشارع التوسعة على المتعاملين. وفيه مرمى آخر وهو تعويدهم بإدخال المرأة في شؤون الحياة إذ كانت في الجاهلية لا تشترك في هذه الشؤون، فجعل الله المرأتين مقام الرجل الواحد وعلّل ذلك بقوله " أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " ، وهذه حيطة أخرى من تحريف الشهادة وهي خشية الاشتباه والنسيانِ لأنّ المرأة أضعف من الرجل بأصل الجبلّة بحسب الغالب، والضلال هنا بمعنى النسيان".
فالواضح أنّ للمرأة أحقيّة كتابة العقود وأنّ شهادتها منفردة متاحة في كلّ الأمور ما عدا بعض المعاملات المادية المعقّدة في ظرفية لم تكن المرأة تشارك الرجل في كثير من المشاغل أمّا اليوم فالحال تغيّر والأحكام الافتائية تتحوّل بتحوّل العلل والمقاصد.. كما تقول القاعدة الأصولية "الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا"
وهذه القاعدة هي: إحدى قواعد القياس، وقد قررها أغلب الأصوليين، وبنى عليها الفقهاء كثيرًا من الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية، قال العطار في حاشيته: المعلول يدور مع علته وجودًا وعدمًا. وفي شرح تنقيح الفصول للقرافي: انتفاء الحكم بعد ثبوته في الصورة المعينة، يقتضي أنه لم يبق معه ما يقتضيه في تلك الصورة، وإلا لثبت فيها.. ومعنى ذلك: "دوران الحكم مع علته وجودًا وعدمًا".

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115