كيف يمكن فهم الوضع الحالي في تونس؟

• أولا: ان كل التغييرات التي حصلت في تونس منذ الاستقلال الى اليوم تمت إثر ضغوطات ناتجة عن الحراك والحركات الاجتماعية وهي المؤثرة في تحديد المشهد السياسي.

• ثانيا: ان كل الثروات ومهما كانت الحقبة الزمنية منذ الاستقلال وإلى اليوم نشأت في ظل وبمساندة السلطة فكل الثروات هي مدينة الى السلطة وتبقى دائما سندا لها مهما تنوع النظام السياسي.
لا توجد ثروات مستقلة عن السلط المركزية والجهوية ولذا فإنها تبقى سجينة السلطة الى حد انها مجبرة على تمويل احزابها ومنظماتها.

• ثالثا: ان الأحزاب السياسية في تونس لم تكن فاعلة وقادرة على أي تغير جذري أو على بناء مشروع سياسي متكامل، بما في ذلك الحزب الحر الدستوري التونسي الذي كان في الحقيقة متكون من المنظمات الوطنية ضمن تحالف سياسي وهو ما يسمى آن ذاك الوحدة الوطنية وفي هذا الإطار قد شاركت فعلا أغلب المنظمات الوطنية في إدارة السلطة وقد كانت لها مناصب وزارية مخصصة لها وممثلين عنها ترأس المؤسسات الاقتصادية.
وعندما أقر الحزب الحر الدستوري التونسي ان يتخلى عن هذه المنظمات والانصهار في منظومة الحزب الواحد فقد فقد شرعيته (وغيّب مفهوم الوحدة الوطنية و»التحالف التاريخي») وقد تحول الحزب الحر الدستوري بعد مؤتمر بنزرت سنة 1964 الى حزب ديكتاتوري رافضا استقلالية المنظمات والنقابات التي شاركت معه في مقاومة الاستعمار بناء الدولة الوطنية.

• رابعا: ان الأحزاب الحالية بما في ذلك حركة النهضة ونداء تونس وكتلة الشاهد لا تتمتع بتمثيلية شعبية واضحة المعالم وقد بينت بعض الدراسات ان الحزب الذي يرتقي الى الشرعية السياسية في تونس يجب ان يضم ما لا يقل على 200 ألف منخرط وكل منخرط يدفع اشتراك سنوي بمقدار 150 دينار وفي غياب هذا الشرط فان كل هذه الأحزاب « تضطّر» الى البحث عن تمويل ومساندة مادية من طرف الثروات التي تأسست في ظل السلطة أو من أطراف أجنبية فتصبح بالتالي مدينة.

• خامسا: في نظام برلماني أو شبه برلماني بدون أحزاب قوية تتمتع بشرعية شعبية حقيقية (الحصول على الأغلبية البرلمانية) وبدون خاصة مشروع سياسي مستقبلي وجريء واضح الأهداف فإن هذا النموذج يبقى مقوقع وبدون فاعلية ونجاعة ويتحول الى معارك متواصلة من أجل البقاء في السلطة.

• سادسا: لا يمكن فصل الدين عن المجتمع ولا يمكن أيضا فصل الحريات عن المجتمع لذا يجب إيحاد فضاء للحوار دون تعصب ديني وتحيل إيديولوجي وعنف لفظي ومادي وتكفيري ومتاجرة بالدين هذا ما لم يفهمه من يعتقد الى اليوم ان الدين أداة تسلط وقمع وإقصاء ....

• سابعا: ان الأزمة السياسية في تونس المتواصلة منذ سنوات تدل على ضعف إيمان الطبقة السياسية بدولة المؤسسات والقانون واعتبار الوصول الى السلطة يمثل فرصة لا تعوض ويجب توظيفها للمصالح الشخصية والحزبية.

• ثامنا: لا توجد حركة أو حزب باسم النهضة فان الواقع يدل على ان هذه الظاهرة تتمحور حول شخص و شخصية السيد راشد الغنوشي و هو الوحيد الذي بيده القرار و يكفي ان نعيد قراءة الوضع السياسي في تونس للسنوات الأخيرة يتبين لنا ان السيد راشد الغنوشي لم يسمح لأي رئيس حكومة ان ( يربي الريش ) كما يقال حتى و ان كان ينتمي الى حركة النهضة و احسن مثال على ذلك يكمن في السيد حمادي الجبالي و السيد علي العريض و حكومتهما التي تخلى عليهما و اعفائهما من مهامهما باسم التوافق , و نلاحظ انه لم يقع أي تضامن مع هؤلاء من راعي النهضة اما بالنسبة لبقية رؤساء الحكومة : المهدي جمعة, الحبيب الصيد «حدث و لا حرج «و أتمنى ان لا يكون السيد يوسف الشاهد مأله نفس المسار باسم مفهوم جديد للتوافق.
ان ما يسمى عند البعض بالاقتصاد الموازي والتجارة الغير قانونية فهي تعتبر عند البعض الأخر والذين ينتمون لمختلف الحركات الفكرية الإسلامية هذا النوع من التجارة هو شرعي ونادى به الإسلام حرية التجارة والالتزام فقط بالزكاة وليس للدولة أي دخل في هذا المجال، فنجد هؤلاء التجار في كل الأسواق عارضين كل أنواع البضائع علنا ’ يشعرون انهم محمين من طرف الإيديولوجية الإسلامية التي تحاول من خلالها هذه الحركات ترسيخ واثبات المشروع الدولة الإسلامية.

• تاسعا : على الجميع ان يفهم ان الحركة النقابية ليست مزاج لشخص او لمنظمة وان ظهور العمل النقابي كرد لاستغلال الفاحش لأصحاب المؤسسات و الشركات الرأسمالية و التي لا تؤمن بالعدالة الاجتماعية ان كل الحركات العمالية في العالم و في الأنظمة الديمقراطية لها تقريبا نفس المطالب الا و هي كرامة الإنسان العدالة الاجتماعية و توزيع عادل للثروة الوطنية فان الدول التي تستجيب لهذه المطالب و ان كان نسبيا كما هو الحال بالبلدان الإسكندنافية فان هذه الحكومات تتفاعل مع المؤسسات النقابية باحترام و ود و تعاون من اجل المصلحة العامة بينما باقي الدول التي لا تحترم هذه المطالب فهي تجد نفسها في قطيعة و صراع مع هذه الحركات النقابية و مع اغلب فئات المجتمع الفقيرة.

• عاشرا وأخيرا: على كل الحركات الفكرية والسياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني التقدمية في تونس ان تقف ضد كل أنواع الديكتاتورية بما ذلك الديكتاتورية الدينية ويجب عليها ان تتحالف من اجل انقاذ الانتقال الديمقراطي من أجل بناء جمهورية ديمقراطية واجتماعية حقيقية وانه ليس من المستحيل تجسيد هذا الهدف في فترة زمنية قصيرة.

بقلم: رضا التليلي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115