لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الظلم الصارخ والانحياز الفاضح ضد حقوق الشعوب المظلومة. هذه الصورة ليست مجرد لقطة عابرة، بل هي تجسيد لمعاناة طويلة وإهانة لدولنا وشعوبنا. كيف يمكن أن يُترك الأردن ومصر وحدهما في مواجهة هذا المشروع الاستعماري الجديد، الذي يسعى إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وكأن التاريخ لم يُعلِّمنا شيئًا عن نتائج التخاذل والصمت؟ إن الاستعمار الجديد، الذي يُفرض بقوة الاحتلال، دون اعتبار للقوانين الدولية أو المبادئ الإنسانية، وصمة عار في جبين العالم المتحضر. فهل أصبحت قرارات الأمم المتحدة مجرد حبر على ورق؟ أين القانون الدولي؟ أين حقوق الإنسان؟ بل أين الضمير الإنساني؟ اليوم، على أوروبا والعالم العربي أن يدركا أنهما البديل الحقيقي للولايات المتحدة في هذه المرحلة الحرجة، وأنه لا يمكن أن يبقى مصير المنطقة مرهونًا بمصالح قوى لا تهتم إلا بسياساتها الداخلية وحساباتها الانتخابية. إن دعم مصر والأردن وتقويتهما ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لموازنة القوى في المنطقة ومنع وقوع مزيد من الكوارث الإنسانية. على الدول العربية أن تتحرك بدبلوماسية فاعلة وحازمة، وعلى أوروبا أن تعي أن التخاذل لن يحميها من تداعيات الفوضى التي يُراد فرضها علينا جميعًا. يجب وقف هذا المشروع المجنون، الذي يهدف إلى اقتلاع شعب من أرضه تحت ذرائع واهية. لن نقبل بتهجير الفلسطينيين، ولن نقبل بطمس القضية، ولن نقبل بأن تبقى حقوقنا رهينة للابتزاز السياسي. ما يحدث اليوم هو امتداد لسياسات استعمارية قديمة بثوب جديد، ولكن الشعوب الحرة لن تصمت، والأمم التي تحترم نفسها لن تبقى متفرجة. علينا جميعًا أن نتحرك، أن نصنع توازنًا جديدًا للقوى، وأن نضع حدًا لهذه السياسات الاستعمارية، التي لم تجلب سوى الدمار وعدم الاستقرار. والغريب في كل هذا أننا نعيش في عصر يُقال إنه عصر الذكاء الاصطناعي، في حين أننا نشهد تراجعًا في الذكاء الإنساني، بل بالأحرى نشهد محوه التدريجي. كيف يمكن أن نبرر هذه الازدواجية؟ كيف يمكن أن نتحدث عن تطور تكنولوجي ونحن نعود إلى زمن الظلم والاستعمار؟ إن الذكاء الحقيقي ليس في تطوير الخوارزميات، بل في احترام الإنسان وحقوقه الأساسية. وأين نحن من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النقل القسري للسكان من الأراضي المحتلة؟ وأين نحن من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية؟ وأين نحن من القانون الدولي الإنساني العرفي، الذي يفرض حماية المدنيين وحقوقهم الأساسية في النزاعات المسلحة؟ هل أصبحت هذه القوانين مجرد شعارات تُرفع عند الحاجة، بينما يتم تجاهلها عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب المستضعفة؟ أين نحن يا عرب، كما قال الشيخ درويش؟ بألسنتهم يتغنون بحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، ولكن في أفعالهم يتلاشى كل ذلك. هل وصلنا إلى درجة أصبح فيها الإنسان بلا قيمة، وصار الجاه والمال البوصلة الوحيدة والمقياس الأوحد؟ إن لم تعد القيم والمبادئ هي ما يُرشدنا، فما نفع الشعارات الجوفاء؟ كما قال محمود درويش: "سجِّل، أنا إنسان، أنا أريد الحياة." فلنعد إلى إنسانيتنا، فهي الثروة الحقيقية.