سفينة العدالة الانتقالية تسع سنوات بعد الثورة: «انحرفت عن المسار بسبب الربان،المؤسسات والآليات لـم تحقق الأهداف والمشوار لا ينتهي إلا بكشف الحقيقة...»

عرّف المشرّع التونسي العدالة الانتقالية على أنها «مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي

انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان». اليوم وبعد تسع سنوات من الثورة هل نجح هذا المسار وهل وصلت سفينة العدالة الانتقالية إلى المرفأ الخاص بها أو على الأقل هل هي تسير في الاتجاه الصحيح باعتبار أن هناك من يقول أن المشوار لا يزال طويلا؟.

آلاف الضحايا خرجوا عن صمتهم ليصدحوا بما يخالجهم من معاناة ويروون مشاهد التعذيب والانتهاكات الجسيمة التي تعرّضوا لها في دهاليز وزارة الداخلية منذ عقود ،وقد تم تخصيص سفينة أطلق عليها اسم هيئة الحقيقة والكرامة من اجل تحقيق أهداف العدالة الانتقالية.

«استعمل المسار للقيام بتسويات سياسية»
«مع الأسف استعمل مسار العدالة الانتقالية للقيام بتسويات سياسية مع بعض رجال أعمال لتبييضهم وتمكينهم من أملاكهم المصادرة في إطار اتفاقيات مجحفة في حق الدولة التونسية أما الضحايا فبعض حقوقهم بقيت حبرا على ورق» هكذا قيّمت ابتهال عبد اللطيف عضو بهيئة الحقيقة والكرامة سابقا وكانت ضمن لجنة التحكيم والمصالحة،هذا وقالت عبد اللطيف في شهادتها على المسار بأن «هناك فشل في مقاومة الفساد ومحاسبة الفاسدين الذي كان من المفروض أن يكون أولوية هيئة الحقيقة والكرامة حيث أحلنا 3 ملفات تخص الفساد المالي إلى الدوائر المتخصصة فقط من ضمن 69 ملف إحالة». وأفضل مكسب وفق رؤيتها هو ذاكرة الضحايا عبر جلساتهم السرية لأن سفينة العدالة الانتقالية انحرفت عن مسارها بسبب الربان وبما أن المسار لا يزال طويلا فلابد من تصحيحه بالعودة إلى مبادئ العدالة الانتقالية حتى يتواصل في اتجاه سليم اذ لا بد من تقييم عمل الهيئة قبل كل شيء ثم تكوين هيكل خاص مستقل عن السلطة التنفيذية من يصحح المسار لا بد أن يكون وطنيا صادقا تهمه مصلحة البلاد قبل أي شيء آخر»

«الدوائر المتخصّصة تواصل المشوار»
القضاء يعتبر حلقة مهمّة من حلقات مسار العدالة الانتقالية من خلال كشف الحقيقة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات وهي مسؤولية كبيرة على عاتق الدوائر القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية والتي تم إنشاؤها للغرض منذ سنوات وهي اليوم متعهّدة بعديد الملفات ،في هذا السياق اعتبر يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء أن « مسار العدالة هو مسار دستوري التزمت به الدولة طبقا لنص الدستور والمجلس الأعلى للقضاء تحمل مسؤوليته في تحيين تركيبة الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية وتكوين أعضائها طبقا القانون واعتقادي أن هذا المسار هو مصلحة وطنية لا ينبغي الاختلاف عليها لأن الأمر يتعلق عموما بمعالجة انحرافات نظام الاستبداد والفساد لضمان عدم تكرار الانتهاكات وعدم الإفلات من العقاب ولذلك ينبغي أن تنخرط جميع السلطة في إنجاح المسار خصوصاً السلطة التنفيذية التي عليها معاضدة مجهود القضاء في ذلك باعتبار المصلحة المرجوة منه ويجب ألا نلتفت إلى التجارب التي اختارت القفز على هذا المسار فما جنت غير تقسيم المجتمع وأوغلت في طائفية لا تزال تغذي مشاعر الحقد بين أفراد المجتمع الواحد» واضاف محدثنا «لا يزال مبكرا الحكم على المسار لتعدد روافده ولكن من المؤكد انه ليس من مصلحة أحد فشله، فخمسة أعوام مرت على انطلاق المسار وعمل هيئة الحقيقة والكرامة هو جزئية فيه والمشوار لا يزال مستمرا أمام الدوائر القضائية ولا يستكمل إلاّ بكشف الحقيقة والمحاسبة ثم المصالحة».

«الدور الرقابي للقضاء الإداري»
القضاء الإداري أيضا له علاقة كبيرة بمؤسسات و أنظمة العدالة الانتقالية الذي يعتبر جزءا منها ولكن كيف يقيّم المسار بعد تسع سنوات من الثورة على جميع المستويات؟سؤال أجابنا عنه عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية فقال « إن المؤسسات و الآليات التي تم إنشاؤها لرد المظالم عن المواطنات والمواطنين في إطار العدالة الانتقالية في تونس لم تتوصل لبلوغ الأهداف المرجوة ،هذا المعطى نستمده من مؤشر التقاضي في قرارات الهيئات المعنية لدى القاضي الإداري،فسواء قرارات هيئة الحقيقة والكرامة المتعلقة بتصنيف ضحايا الانتهاكات والتعويض لهم أو قرارات الهيئة العليا لحقوق الإنسان المتعلقة بإدراج شهداء الثورة وجرحاها في القائمة النهائية ، كلها قرارات مثلت قضايا عديدة فاقت الألف منشورة لدى المحكمة.وهو ما يعكس على الأقل عدم رضا من المتظلمين من أداء هذه الآليات».هذا وقال الغابري أيضا «يبدو أن هنالك إشكال في تواصل هذه الهيئات مع الجهات الحكومية الرسمية سواء على مستوى توفير الآليات المادية لتنفيذ القرارات الإدارية التي انتهت إليها بخصوص ملفات الضحايا المعنيين أو على مستوى إضفاء الشكل الرسمي على القائمة النهائية للشهداء والجرحى بنشرها بالرائد الرسمي،وقد وصل هذا العطل في التواصل إلى حد نشر قضية أمام المحكمة الإدارية ،فبين هذا وذاك يقف القاضي الإداري في إطار دوره الرقابي والتــــعديلي الضامن والمكمل لنواقص المنظومة التي تم إرساؤها لتحقيق بعض من أهداف هذه العدالة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115