إذ لا يزال جزء منها يعيش على وقع المؤقت،نتحدث هنا عن المحكمة الدستورية التي لم يتم تركيزها بعد بالرغم من المصادقة على القانون الأساسي عدد 50 المنظم لها منذ سنة 2015، مرّ اليوم أكثر من سنتين على هذا القانون الذي بقي حبرا على ورق في ظل التجاذبات السياسية التي تحيط بالملف خاصة بعد فشل مجلس نواب الشعب للمرة الثالثة على التوالي في انتخاب أربعة أعضاء من بين 12 عضوا وهي التركيبة الجملية للمحكمة الدستورية،أسئلة عديدة تطرح حول مدى استقلالية هذه الهيئة القضائية في خضم هذه الحسابات السياسية الضيقة والحلول والأبواب الممكنة للخروج من هذه الأزمة.
أعضاء المحكمة الدستورية الاثنا عشر يتم انتخابهم بالتساوي من طرف كل من مجلس نواب الشعب ،المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية أي لكل جهة الحق في انتخاب أربعة أعضاء طبقا للشروط التي نصّ عليها القانون عدد 50 المؤرخ في 2015 والمتعلق بالمحكمة الدستورية.
حسابات، فشل وتعطيل
في الوقت الذي كان ينتظر فيه أن تحسم الأمور منذ الجلسة العامة الأولى ويتم انتخاب الأعضاء الأربعة للمحكمة الدستورية خاصة بعد الوقت الذي استغرقته الكتل النيابية لبناء ما تسميه بالتوافقات ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن السياسيين اذ عصفت بتلك التوافقات منذ اللحظات الأولى للجلسة لتكشف الستار عن حقيقة الخلافات والحسابات الضيقة التي كانت سببا رئيسيا في فشل مجلس نواب الشعب في المهمة المنوطة بعهدته وذلك في ثلاث مناسبات،هنا يطرح السؤال كيف لهيئة قضائية ينصّ قانونها على أنها مستقلة وبصريح العبارة أن يتم إدماجها في مثل هذه التجاذبات السياسية وإتباع سياسية «أعطيني نعطيك»؟وكيف لهيئة تغلغلت فيها السياسة أن تكون مستقلة في أعمالها وقراراتها مستقبلا ؟فما يمكن أن نستنتجه من هذا الوضع هو أن الإشكال في القانون في حدّ ذاته فمن جهة ينصّ على أن الهيئة مستقلة ومن جهة أخرى يأتي الفصل 11 ويقول «يعين مجلس نواب الشعب أربعة أعضاء طبقا لما يلي:لكل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب، أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابية يساوي عددهم أو يفوق الحد الأدنى اللازم لتشكيل كتلة نيابية، الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون.ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه».
مرحلة أخرى من الصراع
عاد ملف المحكمة الدستورية مجدّدا إلى قائمة الانتظار في ظل انشغال مجلس نواب الشعب في مشروع مجلة الجماعات المحلية الخاصة بالانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في شهر ماي المقبل،ولكن من المنتظر أن يعاد وضعه على طاولة النقاش من أجل إيجاد حلّ ومخرج من هذه الأزمة التي أصبحت لا تطاق،الفقرة الثانية في الفصل 11 من القانون الأساسي عدد 50 المتعلق بالمحكمة الدستورية ينصّ على انه في صورة « لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه». ولكم من جهة أخرى هناك أصوات تنادي بالتدخل التشريعي أي تنقيح القانون بما يستجيب لمتطلبات الوضع،مقترح تباينت حوله المواقف بين مؤيّد له وبين رافض رفضا قطعيا على غرار جمعية القضاة التونسيين التي اعتبرت أن المبادرة التشريعية من شانها المس من استقلالية القضاء. ولكن الغريب في الأمر هنا هو سياسة الصمت المريب الذي يتبعها المجلس الاعلى للقضاء تجاه ما يحدث من تجاذبات سياسية حول هيئة دستورية من المفترض ان تكون مستقلة كلّ الاستقلال عن هذه الدوامة. فإلى متى هذا التأخير في تركيز المحكمة الدستورية ؟وكيف السبيل إلى الخروج من هذا النفق المظلم؟