ثقة الشارع التونسي في رئيس الحكومة ولكن هذه المعركة لا بدّ أن تتحد فيها السلطة التنفيذية مع نظيرتها القضائية والتشريعية لتحقيق النتائج المرجوة فالقضاء من جهته لا بد أن يلعب الدور الموكول له بفتح ملفات الفساد المنشورة لديه منذ 2011 وخاصة الثقيلة منها أما السلطة التشريعية فمهمّتها أيضا لا تقل أهمية عن سابقاتها باعتبار الترسانة القانونية اللازمة للدخول في هذه الحرب،حلقات مترابطة تجعلنا نطرح السؤال هل أن القوانين المتوفرة اليوم على طاولة القضاء والتي تطبق في جرائم الفساد تتماشى ومتطلبات المرحلة آم أنها أصبحت بالية ولا بد من تعديلها خاصة على المستوى الردعي؟ مسألة تحدثنا فيها مع أهل القطاع.
القطب القضائي الاقتصادي والمالي هو الهيكل المختص في ملفات الفساد التي تعدّ بالآلاف منها المحال من قبل ما عرف بلجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد ومنها ما تمت إحالته من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
إشكال في النصوص
تكونت في الآونة الأخيرة حزمة من القوانين نذكر منها قانون حق النفاذ إلى المعلومة،قانون حماية المبلغين عن الفساد وأخرى في طريقها إلى المصادقة على غرار مشروع قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ى،ترسانة يبدو أنها كانت المحرك الذي ينقص الإرادة السياسية لتشتغل على ملف مكافحة الفساد فهذه «الماكينة» تحركت دون هوادة شعارها تطبيق القانون ضدّ كل من تورط في الفساد والمطلوب تكريس عدم الإفلات من العقاب وتنظيف مؤسسات الدولة خاصة والبلاد عامة من الفساد والمفسدين والخروج بأخف الأضرار.ولكن لئن كانت الترسانة القانونية الجديدة دافعا نحو خطوة ايجابية فإن هناك قوانين أخرى قديمة ولم تعد تتماشى مع ما يحدث اليوم ومع الحرب على الفساد ،بقطع النظر عن مدى تقصير القضاء في التعامل مع ملفات الفساد وبطء الفصل فيها فالقضاة المتعهدون بتلك الملفات يتعاملون معها طبقا لنصوص قانونية تتضمن التهمة والعقوبة الدنيا والقصوى التي تسلط على الفاعل فعلى سبيل الذكر لا الحصر فإن اقصى العقوبات السالبة للحرية في مجلة الديوانة لا تتجاوز 15 يوما وشهرا واحدا فقط وفق ما أشار إلى ذلك فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة التونسيين في تصريح له بمناسبة الجلسة العامة للنقابة هذا أمر يبعث على التساؤل أين الإشكال في القضاء أو في القوانين؟ عماد الغابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية رأى من جهته أن» لمشكل في النصوص وليس في كيفية تطبيقها فجل المجالات القانونية ذات العلاقة بملفات الفساد خاصة بالمعاملات المالية على غرار القوانين الجبائية ومجلة الصرف وحتى قوانين الاستثمار بالإضافة إلى القوانين المتعلقة بإسناد الرخص والإجازات الإدارية دون أن ننسى القوانين الخاصة الصفقات العمومية» مضيفا أن «القضاة يطبقون القانون في هذا المجال .لذلك فالأصلح هو سياسة تشريعية ردعية يتولى وضعها البرلمان»
الكرة في ملعب مجلس النواب
سبق وتحدثنا عن الدور الذي يلعبه مجلس نواب لشعب في الحرب على الفساد وقلنا بأنه يمثل السلطة التشريعية التي تعدّ القاعدة القانونية التي يرتكز عليها القضاء والحكومة في معركتهم وبالتالي فالكرة اليوم ومع وجود إشكال على مستوى النصوص القانونية خاصة في الجانب الردعي لا بد من إعادة النظر فيها وتعديلها بما يتناسب وحجم ملفات الفساد حتى لا تكرّس سياسة الإفلات من العقاب بطريقة أخرى وتوجه أصابع الاتهام إلى القضاء بانه مقصر في مهامه والحال أن هذا الأخير يطبق القوانين المقيّد بها وفق تعبير أهل القطاع الذين طالبوا مجلس النواب بالتفاعل ايجابيا مع مجهود الحكومة في حربها على الفساد ومع مقترحات القضاة خاصة على مستوى التنقيحات الضرورية والمستعجلة لبعض النصوص القانونية من أجل التصدي لظاهرة الفساد التي تنخر الاقتصاد التونسي. وهنا صرّح رئيس نقابة القضاة فيصل البوسليمي فقال «إن التهم الموجهة للقضاة بالتقصير في مكافحة للفساد مردها المنظومة القانونية البالية التي ما تزال سارية المفعول إلى اليوم حيث ما تزال بعض الأوامر الصادرة منذ 1800 ونيف معمولا بها مضيفا أن أقصى العقوبات السالبة للحرية الواردة بمجلة الديوانة لا تتجاوز 15 يوما والشهر الواحد. من جهة أخرى أوضح عماد الغابري قاضي إداري ورئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية «والاهم من ذلك وضع قوانين لتطبيق نظم الحوكمة الرشيدة وتكريس الشفافية في جميع القطاعات العمومية والخاصة.وهو آلية قانونية ناجعة في مقاومة الفساد بمعنى وضع طرق تقلل نظم الشخصنة والتعامل المباشر مع الإدارات العمومية خاصة حتى يقلّ المتاجرة بالمصالح العمومية والمحسوبية والرشوة ففي الغرب الاروبي يقع تعميم نظم الكترونية في التعامل مع مطالب مستعملي المرافق العمومية.حتى تقع المحافظة على الجانب الموضوعي في البت في تلك المطالب.بلغة أخرى أن الأوان لتغيير نظم الإدارة في تونس من الإدارة «المشخصنة» الى الإدارة «المعقلنة».