الصدام الروسي الأمريكي في أوكرانيا ..حرب زعامة العالـم اقتصاديا وسياسيا

تحمل الحرب التي تقودها روسيا في أوكرانيا في طياتها أبعادا وتداعيات كبيرة في علاقة بالأطراف المتضرّرة من الحرب أو الأطراف المؤثرة في مسارها وسيناريوهاتها

المقبلة ويُجمع مراقبون على أنّ مايحصل في أوكرانيا حرب ذات أهداف مزدوجة، في ظاهرها حرب روسية أوكرانية إلا انها صدام غير مباشر بين موسكو وواشنطن بعد سنوات من التوتر والجفاء بين البلدين زادت حدته في الآونة الأخيرة.
تستمرّ الحرب في أوكرانيا -بعد شهر على اندلاعها في 24 فيفري الماضي- في نسق تصاعدي من خلال التصعيد العسكري الميداني وما خلّفه من خسائر مادية وبشرية حادة، كذلك العقوبات الإقتصادية المتزايدة ضدّ روسيا في مسعى غربي لخنق الدولة السوفياتية السابقة وإدخالها في عزلة اقتصادية قد تُنهكها وتقضي على آمالها في السيطرة على أوكرانيا ذات الأهمية الجيوسياسة البالغة لأمن واستقرار موسكو .

وقد أفرزت الحرب الروسية الأوكرانية حالة استقطاب حادة في المشهد الدولي إذ يعتبر مراقبون أنّ الولايات المتحدة دفعت روسيا لغزو أوكرانيا لتوريطها في مستنقع حرب طويلة الأمد وبالتالي استغلال الفرصة لفرض عقوبات شديدة على موسكو وعزلها وإيقاف قطار نموها الاقتصادي ووأد تحالفها المتزايد مع الصين عدوّ واشنطن التقليدي .

في بداية التوتّر بين موسكو وكييف ، شهد الخطاب الأمريكي حدة وتصعيدا كبيرين تجاه موسكو وصل الى حد وصف الرئيس الأمريكي نظيره الروسي بـ«القاتل» وهو مازاد من الجفاء بين البلدين وقد بدأت الصدام المستمر والتوتر في العلاقات بين الجانبين منذ عام 2016 بعد وصول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب آنذاك إلى الحكم وما رافقه من اتهامات بتدخل روسيا في نتائج الإنتخابات وتغييرها لصالح ترامب على حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

ووفق متابعين يعدّ الصراع الروسي الأمريكي بمختلف تمظهراته صراعا تقليديا طويل الأمد يحمل أبعاد عدة على كافة الأصعدة تتعلق بالأساس بحرب زعامة العالم اقتصاديا وسياسيا . ولعلّ الحرب الروسية في أوكرانيا هي آخر تمظهرات صراع النفوذ والزعامة بين واشنطن وموسكو، لكنّها ليست السبب الوحيد في هذا العداء بين البلدين الذي شهد العداء نسقا تصاعديا خلال السنوات الأخيرة ، نظرا لما أنتجته حرب النفوذ من تحالفات كانت وستكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على النظام الدولي.

مطبات سابقة
وتواجه العلاقات بين روسيا وحلفائها وأمريكا ومن خلفها دول الإتحاد الأوروبي مطبّات عدة وحالة من الشد والجذب في عديد الملفات الحيوية التي أرقت العالم ،ضمن ما يعرف بحرب النفوذ التي تجتاح العالم والتي تمخضت عنها سياسات واستراتيجيات وتحالفات جديدة. ولا شكّ أن الدور الروسي المتنامي في مختلف القارات العالم كان مقلقا للعملاق الأمريكي ولدول القارة العجوز على حد سواء خاصة في ظل التقارب بين العملاق الروسي والتنين الصيني .

حرب النفوذ الدائرة لم تقتصر على حرب التسلح والحرب الاقتصادية بل وصلت إلى ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها من المجالات التي تعد نقاط ضغط ناجعة وفي سياق تطورات العلاقة المتشنجة بين موسكو ودول القارة العجوز يعدّ ملف المعارض الروسي أليكسي نافالني المعتقل في روسيا أحد تمظهرات هذا الخلاف نظرا لما خلفه من رفض وإدانة دولية بحكم مواقفه المعارضة للنظام الحاكم في روسيا. هذا التوتر الغربي الروسي وصل الى حد فرض الأوروبيين لعقوبات على عدة مسؤولين روس. وتبادلت موسكو وثلاث دول أوروبية طرد دبلوماسيين بسبب الخلاف حول قضية نافالني.
وبحسب تقارير رسمية تستهدف هذه العقوبات الممولين المقربين من السلطة و«الدائرة المقربة» من فلاديمير بوتين الداعمة له.

قضية نافالني وطرد المسؤولين المتبادل بين موسكو ودول الإتحاد الأوروبي ليست الأسباب الوحيدة ولا الأولى لتوتر العلاقات بين الطرفين ، إذ مثلت قضية القرم عام 2014 منعطفا خطيرا لعلاقات الغرب وموسكو وأمريكا على حد سواء. إذ كان الموقف الأوروبي الأمريكي رافضا لضمّ شبه جزيرة القرم لروسيا بعد استفتاء رفضته اغلب الدول الأوروبية وكان سببا في عزل روسيا اقتصاديا وسياسيا عن دول القارة الأوروبية. كذلك كان الرفض لهذه الحرب الروسية في أوكرانيا ماجعل الحلف الأمريكي الأوروبي يسعى بكل مجهوداته لإغراق موسكو في بحر من العقوبات الإقتصادية.
وربط مراقبون أزمة روسيا وأوكرانيا آنذاك بتدهور العلاقات والصدام المتكرر بين موسكو والغرب، على علاقة بعدة ملفات بدءا بالاتهامات الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية والأزمة بين بريطانيا وروسيا بخصوص قضية محاولة اغتيال جاسوس روسي سابق والتي أخذت منحى أكثر تصعيدا بعد أن اتهمت لندن حكومة موسكو بالوقوف وراء محاولة اغتيال سيرغي سكريبال وابنته . واستمرت الحرب الكلامية بين البلدين لتصل إلى مرحلة اشدّ وقعا حيث خلفت آنذاك حملة اصطفاف كبيرة وراء لندن مقابل توجيه الاتهام إلى موسكو.ومن أهم المواقف الدولية التي دعمت الحكومة البريطانية السابقة بقيادة تيريزا ماي في تحركها مواقف فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وغيرها من الدول الغربية .

ولم تكن العلاقات بين أمريكا وروسيا بعيدة عن التطوّرات وعن الشد والجذب خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خاصة أنه ومنذ توليه للحكم واجه اتهامات حول اعتماده على التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة و إدانة اثنين من معاونيه المقربين بتهم تتعلق بخرق القوانين الانتخابية أثناء حملة ترامب الرئاسية والتي فاز إثرها على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

ولئن توقع مراقبون أن العلاقات بين واشنطن و موسكو قد تشهد تغيرا في عهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، إلاّ أن الصدام كان سيد الموقف مجددا سواء على صعيد حرب التصريحات أو تضارب وجهات النظر في عديد القضايا والتي كان آخرها الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ تقود أمريكا مساعي جدية لحشد دعم دولي غير مسبوق في مواجهة موسكو.

حرب إقتصادية
لم تقتصر حرب النفوذ على الصعيد السياسي بل شملت المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في العالم كما ألقت بظلالها على النظام الدولي برمته وهددت مستقبل تحالفاته التقليدية في ظلّ هذه التحولات وتداعياتها الخطيرة على الصورة النمطية المعتادة لإصطفافات العالم .
ولم تكن هذه الملفات الوحيدة التي عكرت صفو العلاقات بين أمريكا وروسيا، إذ ينضاف إلى ذلك ما يعانيه العالم من تبعات فرض إجراءات مشددة في مواجهة جائحة «كورونا» في أغلب دول العالم والتي كانت من بين أهم أسباب توتر العلاقة بين موسكو ودول الإتحاد الأوروبي وأمريكا.
وخلال الجائحة اتخذت دول أوروبا إجراءات وقيود مشددة لمجابهة انتشار فيروس «كورونا» المستجد. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي بادرت بإغلاق حدودها وتعليق الرحلات الجوية القادمة إليها من كل أنحاء أوروبا وهو ما أثار حفيظة بعض دول القارة العجوز معتبرة أنه قرار «أناني» من واشنطن.

ورافقت هذا الوضع الكارثي في العالم إتهامات صينية أمريكية متبادلة حول هذا الفيروس المستجد إذ بدأت الصين باتهام صريح وجهته للجيش الأمريكي بالوقوف وراء إدخال «كورونا» إلى أراضيها وهو ما نفته إدارة البيت الأبيض التي تستمر في اتهام الصين بإلحاق ضرر كبير بالعالم.
هذا الصدام الصيني الأمريكي ليس بجديد إذ يشهد العالم منذ سنوات حرب زعامة اقتصادية بين البلدين، فأمريكا تحاول الحفاظ على صدارتها للعالم أمام تغول نفوذ المارد الصيني بدعم روسي . ويرى مراقبون أن ما يحصل في العالم اليوم زاد من حدة هذه الحرب فالعالم ما بعد «كورونا» لن يكون كما كان قبلها.
الصين التي تعاملت مع فيروس «كورونا» بانضباط أدهش العالم بدأت في تصدير تجربتها وإجراءاتها التي اتخذتها للحد من انتشار الفيروس إلى كل من إيطاليا وإيران. وهي أكثر الدول التي شهدت الأوضاع فيها تفجرا غير مسبوق ،وذلك في غياب الدور الأمريكي باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية صنفت خلال العقود الفارطة «حامي العالم» . المعونات الصينية التي قدمتها سلطات الصين لكل من إيطاليا وإيران تزامنت مع مساعدات روسية لروما مما يزيد من فرص تعزيز تحالفات روسية صينية جديدة في مرحلة ما بعد وباء «كورونا». واعتبر مراقبون ذلك استباقا روسيا صينيا لمرحلة مابعد هذا الطارئ الصحي الذي سيكون أداة تغيير للعالم وللتحالفات ونظام العولمة أيضا .

هذا التقارب الروسي الصيني ومساعي موسكو لمزيد بسط نفوذها عسكريا واقتصاديا لا يؤرق الجانب الأمريكي فحسب، بل يخيف الجانب الأوروبي الذي يواجه في هذه الآونة ومنذ خروج بريطانيا من صفوف الدول الأوروبية المزلزل نزعة انفصالية زادت حدتها في مختلف أصقاع أوروبا وغذتها متغيرات داخلية على علاقة بسطوع نجم اليمين المتطرف في أغلب الدول الأوروبية وسعيه للهيمنة على مراكز القرار.

الاتحاد الأوروبي يبحث العواقب الإقليمية للعملية العسكرية الروسية

أجرى الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أمس الأربعاء، مكالمة هاتفية مع رئيسة جورجيا سالوميه زورابيشفيلي بحثا خلالها العواقب الإقليمية للعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
وجاء في بيان صحفي نشرته دائرة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي عبر موقعها الرسمي، أن بوريل أكد خلال الاتصال دعم الاتحاد الأوروبي لجورجيا في سياق أزمة أوكرانيا، واستعداده لتكثيف التعاون مع جورجيا لتعزيز قدرتها على الصمود.وأعرب بوريل عن تقديره لموقف الرئيسة زورابيشفيلي الداعم لأوكرانيا، وشدّد على أن «الغزو الروسي لأوكرانيا» تسبب في كارثة إنسانية واسعة النطاق وقوضت بشكل خطير الأمن الأوروبي وانتهاك كامل للمبادئ الدولية والقانون الدولي. وناقشا تداعيات هذه التطورات على الأمن الإقليمي، والتأثير الاقتصادي السلبي الذي أحدثه العدوان الروسي بحسب ما جاء في البيان.وأخيراً، أعاد كبير الدبلوماسيين الأوروبيين التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي الراسخ بوحدة أراضي جورجيا وسيادتها داخل حدودها المعترف بها دوليًا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115