وتأتي الزيارة في وقت تشهد فيه الجهود الدولية لحلحلة أزمة الطاقة العالمية نسقا تصاعديا نتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد العقوبات الغربية المفروضة على موسكو في مساع للضغط عليها . وسيلتقي لافروف بوزراء خارجية السعودية والإمارات وعمان والكويت والبحرين وقطر في مقر مجلس التعاون الخليجي بالرياض.
يرى مراقبون أن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي هي إحدى البدائل الهامة التي يسعى الغرب لضمان دعمها في مواجهة أزمة الطاقة التي يعيشها العالم. ووفق تقارير سيجتمع لافروف بوزراء خارجية دول الخليج العربي الذين سيعقدون أيضا اجتماعا عبر الإنترنت مع وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في وقت لاحق اليوم الأربعاء.
واعتبر البعض زيارة لافروف متوقعة في ظل التطورات المتسارعة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية على علاقة بالنفط والطاقة ، ومحاولات الغرب البحث عن بدائل لسد النقص الذي سيعانيه العالم في ظل مخاوف من سيناريو توقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا .
وتأتي زيارة لافروف قبل يوم واحد من اجتماع أوبك في فيينا المقرر يوم غد الخميس، حيث من المتوقع أن «تلتزم المجموعة باتفاق إنتاج النفط الذي تم التوصل إليه العام الماضي، وترفع أهداف الإنتاج في جويلية بمقدار 432 ألف برميل يوميا».وتعرضت السعودية وغيرها من أعضاء أوبك لضغوط شديدة من الغرب لزيادة إنتاج النفط وتهدئة الأسعار في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا.ووفق مصادر رسمية ترفض المملكة العربية السعودية حتى الآن مثل هذه الضغوط، وتقول «إن ارتفاع أسعار النفط ناتج عن عوامل جيوسياسية، وصعوبات تتعلق بقدرات التكرير، والضرائب المرتفعة في العالم الغربي وليس بسبب المخاوف المتعلقة بالإمدادات».ووفق تقارير رسمية أمريكية يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تنسيق زيارة إلى الرياض في محاولة لتقريب وجهات النظر بين البلدين وذلك في وقت تعاني فيه العلاقات بين موسكو والرياض حالة من الجفاء والفتور .
وتأتي القمة في سياق مباحثات زيارة بايدن إلى السعودية بعد أن زار اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين وهما بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، ومبعوث وزارة الخارجية لشؤون الطاقة إموس هوكستين، السعودية. ورغم نفي البيت الأبيض أن المسؤولين قد ناقشا زيادة صادرات النفط السعودية ، يؤكد مراقبون أن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة لضمان دعم سعودي في مواجهة الضبابية التي تعانيها أسواق الطاقة العالمية.
سيناريوهات بديلة
وفي حين يبقى سيناريو حظر النفط الروسي فرضية صعبة ولكنها وفق مراقبين واردة بشدّة أمام التعنت الروسي، فقد بدأ العالم في البحث عن البدائل متجها بذلك نحو عدة فرضيات أخرى .ووفق مختصين دوليين في الشأن الإقتصادي فإنّ البدائل عن الغاز والنفط الروسيين موجودة لكن سرعة تغيير المزود أو الدولة المزودة ستحمل تأثيرات وخسائر فادحة على الدول الاوروبية ، إذ يؤكد مراقبون أن روسيا ليست أكبر مصدري النفط إلى الاتحاد الأوروبي رغم أن جزءا كبيرا من إمدادات النفط يأتي منها.وتطالب الولايات المتّحدة السعودية برفع إنتاجها من النفط إلاّ أنّ هذا المقترح غير مضمون حاليّا بالنّظر إلى الجفاء الذي يُخيّم على العلاقات بين واشنطن والرياض نتيجة تغيّر سياسة بايدن في منطقة الشرق الأوسط خصوصا في الملف اليمني . لذلك يرى مراقبون أن التوجه نحو السوق السعودي يستوجب تقديم تنازلات وتحقيق توافقات صعبة من الجانبين بهدف رفع الإنتاج من أجل خفض الأسعار.ومن المعروف أن السعودية هي أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، التي تنتج الدول الأعضاء فيها نحو 60 في المائة من النفط الخام المتداول في الأسواق العالمية. ولذا فلأوبك دور محوري في تحديد أسعار النفط عالميا.
ويربط متابعون مواقف الدول العربية والموقف الخليجي بصفة خاصة من الحرب الروسية الأوكرانية بالمتغيرات الراهنة التي تشهدها مصالح وعلاقات هذه الدول بالولايات المتحدة وروسيا ، والتي تعكس رغبة الدول العربية الكبرى في تنويع علاقاتها الدولية وتطويرها في السنوات الأخيرة مع كل من موسكو وبكين ، بما في ذلك في المجال العسكري والإقتصادي والأمني في وقت تعيش فيه المنطقة العربية حربا ضدّ الإرهاب وتجابه تداعيات الربيع العربي وجائحة كورونا .
ويؤكد متابعون للشأن الدولي أنّ الدول الخليجية تقع بين ضرورات وتجاذبات حادة تجعل مواقفها رهينة لمصالحها القريبة والبعيدة .
جفاء سعودي أمريكي
ومنذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية حذّرت الرياض - بصفتها أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم- من مخاطر خفض إنتاجها النفطي في ظل الهجمات المتكرّرة للحوثيين بواسطة صواريخ وطائرات مسيّرة تستهدف أراضيها ومنشآت حيوية تابعة للمملكة ، في خطوة تحذيرية اعتبرها مراقبون محاولة للضغط على المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
فرغم أنّ الموقف الأمريكي أدان هجمات الحوثيين على المنشآت المدنية في السعودية ، إلاّ أنّ التوتر ساد العلاقات بين البلدين منذ تولي الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحكم . ويرى مراقبون أن الحرب في اليمن كانت بمثابة أولوية في أجندة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي تعهد منذ بداية حملته الانتخابية
بإعادة إحياء المفاوضات الدبلوماسية حول الملف اليمني المعقد .
وفي أول خطاب له عن السياسة الخارجية كرئيس، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن عن وضع حد لـ’’الدعم’’ولـ’’مبيعات الأسلحة’’ المقدمة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، متعهدا بإنهاء الحرب في اليمن وهو ما اعتبره مراقبون خطوة هامة ومنعرجا خطيرا في المنطقة العربية .
وفي أول خطاب شامل له بعد فوزه على الرئيس السابق دونالد ترامب، تطرق بايدن إلى نقطة أثارت جدلا في أمريكا وهي إعادة بناء التحالفات الأمريكية واستعادة الولايات المتحدة لدورها «القيادي في العالم» ، وذلك من خلال القطع مع عدد من الاستراتيجيات والعودة عن قرارات سابقة اتخذها الرئيس السابق المثير للجدل دونالد ترامب.وأشار إلى أن إدارته ستدعم مبادرة بقيادة الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار في اليمن واستئناف محادثات السلام.
في إشارة إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية قال بايدن: «يجب أن تنتهي هذه الحرب، ولتأكيد التزامنا، سننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب الدائرة في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». في المقابل تعهد بمواصلة الدعم الأمريكي للسعودية و’’مساعدتها في الدفاع عن سيادتها وأراضيها»، دون أن يقدم تفاصيل أكثر.
ويمثل هذا القرار، وهو أحد الوعود الانتخابية لبايدن، إعادة نظر شاملة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، سواء حول اليمن أو بخصوص الدور الإيراني في المنطقة والذي أدى إلى خلاف كبير بين الإدارة الأمريكية السابقة وحلفائها من جهة وطهران وأذرعها في المنطقة العربية من جهة أخرى .
ومن بين القرارات التي بدأت بها إدارة بايدن بخصوص اليمن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن إلغاء قرار تصنيف حركة أنصار الله أو ما تعرف بجماعة الحوثي باليمن «منظمة إرهابية أجنبية عالمية» مع بقاء قادتها في لائحة العقوبات.يشار إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أدرجت يوم 30 ديسمبر 2020 الحوثيين على لائحة الإرهاب، واعتبرتها منظمة إرهابية.وقالت الخارجية الأمريكية، في بيانها ، إن إلغاء التصنيف سيسري تطبيقه اعتبارا من 16 فيفري الفارط.
وقد بدأت تأثيرات هذا التوتر في العلاقات الخليجية الأمريكية يلوح في أفق الأزمة الروسية، فمنذ بدء الأزمة في أوكرانيا دعت الدول الغربية منظمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك» بقيادة السعودية إلى زيادة إنتاجها. لكن المملكة لم تلب هذا المطلب وقرّرت المضي قدما في تنفيذ تعهّدات قطعتها لمجموعة ‘’أوبك بلاس’’ التي تضم روسيا، ثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم. ويرى مراقبون أن أسباب عدم تلبية الرياض لهذا الطلب تعود إلى عدة أسباب أهمها الجفاء السعودي تجاه أمريكا نتيجة موقف البيت الأبيض من حرب اليمن.
متغيرات كبرى
ووفق مراقبين ترتبط المتغيرات الجيوسياسيّة الكبرى التي يعيشها العالم على وقع الحرب الروسية الأوكرانية بالمتغيرات في أساسيات السوق العالمية ، إذ يكثر الحديث في هذه الآونة عن بديل الغاز والنفط الروسيين في حال ما إذا تم فرض حظر شامل على صادرات النفط الروسية.. فوفق مراقبين تتجه بوصلة الغرب إلى دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط لضرورة حثها على تغيير مواقفها بشأن زيادة إنتاج النفط . إلاّ أن الجفاء بين الإمارات والسعودية وواشنطن من شأنه عرقلة مثل هذه الخطوة .
ويبدو من الصعب إقناع دول الخليج بتعريض مصالحها للخطر وتغيير سياسة أوبك ‘’طويلة الأمد’’ للتماشي مع الخطط الغربية الأمريكية دون الحصول على ضمانات تجاه عدد من الملفات الحساسة لعلّ أهمها الحرب في اليمن كذلك مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة .