والتي تعيش على وقع اقتتال عنيف منذ سنوات طويلة بين حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج و الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، وذلك بالتزامن مع عجز المجتمع الدولي والمنظمات الأممية عن إرساء هدنة إنسانية في البلاد التي سجلت إلى الآن 10 حالات إصابة بفيروس ''كورونا'' المستجد وتنامي المخاوف من عدم قدرة ليبيا على احتواءه وسط ماتعيشه من صراع داخلي وخيم .
المعارك المستمرة وفيروس كورونا يضاف اليها معضلة السلاح في ليبيا ، كل هذه العوامل من شأنها دق ناقوس الخطر في ليبيا الجارة الشرقية لتونس ، فرغم أن السلطات الليبية أي حكومة الوفاق أعلنت إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية، وفرض حظر التجول، وتعطيل الدراسة، وإلغاء فعاليات عدة، ومنع التجمعات العامة، وإغلاق المساجد والكنائس. إلاّ أن ذلك لم يكن كافيا أمام هذا الطارئ الصحي الذي يتربص العالم ، خاصة وأن الحدود البحرية لليبيا تعد من أكثر الحدود البحرية في العالم نشاطا باعتبارها بلد عبور للمهاجرين غير الشرعيين باتجاه القارة الأوروبية . ورغم أن القارة العجوز اعتمدت اليات عدة للحد من هذه الظاهرة إلاّ ان نتائج العمليات العسكرية البحرية لم تؤتي ثمارا كبيرة خاصة مع استغلال هذه الظاهرة لتهريب البشر والأسلحة وغيرها من الثروات رغم ان ليبيا ترزح منذ عام 2011 ، تحت حظر تسليح شامل .
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
وبعد إجتماع اوروبي امس تم الإعلان عن عملية «إيريني». وكلمة «إيريني» هو كلمة يونانية تعني «السلام».التي قال عنها الأوروبيون أنها «خطوة نحو حل سياسي في ليبيا»، مفي إطار جهود الأمم المتحدة لحل الصراع الدموي في ليبيا.
يشار إلى أن العملية إيريني هي المساهمة الرئيسية للاتحاد الأوروبي في جهود السلام الدولية في ليبيا. وهي تشمل قدرات جوية وأقمار اصطناعية لرصد تدفق الأسلحة الذي ينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.وحرص مسؤولو الاتحاد الأوروبي على الموافقة على المهمة الجديدة قبل مارس، بالتزامن مع انتهاء سريان العملية صوفيا السالفة لها. وتم إيقاف سفن العملية صوفيا قبل عام وسط انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء بشأن عمليات إنقاذ المهاجرين.وأعلن المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أنه سوف يتم عقد مؤتمر لتشكيل القوة في وقت لاحق، مضيفا أن الدوريات البحرية يمكن أن تبدأ في غضون أسبوع أو أسبوعين.
وسوف تتم العملية البحرية في شرق البحر المتوسط بعيدا عن طرق عبور المهاجرين. وسوف يتم إنزال أي شخص يتم إنقاذه، وفقا للقانون الدولي، في الموانئ اليونانية، ومن هناك سيتم إرساله إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وفقا لدبلوماسيي التكتل.ووفقا لبيان الاتحاد الأوروبي، فإن العملية مكلفة أيضا بمهمة مراقبة صادرات النفط غير المشروعة من ليبيا، والمساعدة في تدريب وتطوير خفر السواحل الليبي، والمساهمة في الجهود المبذولة لتعطيل شبكات تهريب البشر والاتجار بهم.
معضلة السلاح في ليبيا
ويرى مراقبون ان إطلاق هذه العملية في وقت تعجز فيه الأمم المتحدة عن فرض هدنة إنسانية في ليبيا لمحاروة «كورونا» هي فرصة للإتحاد لفرض وجوده أمام تشابك التدخلات والمصالح في الملف الليبي التي توشك على تغيير موازين القوى بعد وصول قوات المشير حفتر إلى مشارف العاصمة طرابلس.
وظهرت إلى الواجهة بعد سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا سنة 2011، معضلة تتعلّق بانتشار ملايين قطع السلاح في البلاد، حيث يصعب إلى اليوم إحصاء عددها رغم أنّ التقارير تتحدّث عن أكثر من 20 مليون قطعة سلاح بمختلف أنواعه، وقعت في قبضة ميليشيات مسلّحة وتنظيمات متطرّفة استغلّتها في نشاطاتها الإرهابية وكانت بمثابة «النار» التي ألهبت الحروب في المنطقة.
وتعيش ليبيا منذ 2011 وضعا قاتما وسط تغوّل نفوذ الكتائب المسلّحة خاصّة منها المتشدّدة دينيا ، بالإضافة إلى استشراء النّعرات القبليّة واستفحال الاقتتال الأهلي في ظلّ انقسام سياسي حادّ، لم يستطع الفرقاء اللّيبيون وضع حدّ له بعد سنوات من المباحثات والمحادثات .ويرى مراقبون أنّ ماخلّفته ثورة 17 فيفري 2011 في ليبيا ،من تصنيف للقبائل على أساس قبيلة ثائرة وأخرى موالية للنظام السّابق، ساهم في إذكاء حالة الاقتتال الأهلي في ظلّ غياب الدّولة ومؤسّساتها ،وعلى وجه الخصوص الجيش والشرطة ، علاوة على انتشار التنظيمات المتطرّفة في ليبيا واتخاذها من البلاد موطئ قدم لها مستغلّة في ذلك الصراع بين أبناء البلد الواحد.
ونتيجة فوضى السّلاح العارمة التي خلّفها المشهد المعقّد في ليبيا، فقد تحوّلت المنطقة برمّتها إلى «سوق مشتعلة» يباع فيها السّلاح ويشترى بأبخس الأثمان، وفق ماذكرته تقارير إعلاميّة في الغرض ، بعد أن استطاعت الجماعات الإرهابيّة وعصابات التهريب ، والكتائب المسلّحة أيضا الحصول على مختلف أنواع الأسلحة، في وقت انتشر فيه السلاح لا فقط في الداخل اللّيبي، بل وصل أيضا إلى دول تعاني بدورها حروبا مستعصية،حيث وصلت الأسلحة الليبية لنقاط توتر عديدة في مالي ونيجيريا والسودان وإفريقيا الوسطى وتونس والجزائر وغيرها من دول الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق. وتزداد خطورة هذا التهريب في الوقت الذي تتزايد فيه حدة الاقتتال في ليبيا، بل وتجد ليبيا نفسها أمام أوضاع سياسية وعسكرية وأمنية تمنعها من السيطرة على حدودها وعلى نشاط شبكات التهريب.
بين كورونا والاقتتال
كغيرها من دول العالم سجلت ليبيا الى حدود يوم أمس 10 حالات إصابة بهذال الفيروس المستجد وفق ما أعلنه المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا، جاء ذلك في بيان للمركز (حكومي) نشره عبر صفحته الرسمية ، مساء الأربعاء.
وأكد المركز أن المختبر المرجعي لصحة المجتمع تسلم نتائج تحاليل 11 عينة وكانت نتائج 9 عينات سلبية (غير مصابة) وعينتين موجبة (مصابة).وفي 24 مارس الماضي، سجلت ليبيا أول إصابة بكورونا، ولاحقا تم حظر التنقل بين المدن بشكل تام، لمنع تفشي الجائحة شديدة العدوى.وتتزايد المخاوف داخل ليبيا وخارجها أيضا من تداعيات عدم القدرة على السيطرة على هذا الوباء الذي يتهدد كل الدول على حدّ سواء باختلاف امكانياتها وواقع قطاعها الصحي . مع العلم أن ليبيا تعاني منذ عام 2011 حرب استنزاف لمواردجها ولقطاعات الدولة في غياب جسم سياسي يوحد كافة الاطراف تحت لواء واحد وبالتالي يؤجل البدء في إعادة الإعمار في البلاد .
قلة الإمكانيات في دول الصراع ليست المعضلة الوحيدة التي تعانيها ليبيا ـ بل ايضا تعنت أطراف الإقتتال وعدم التزامهم بالدعوات الدولية والأممية للهدنة وتظافر الجهود لمواجهة الوباء العالمي.