أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودعا خلالها إلى «إبقاء العرب السّنة والتركمان حصراً في الموصل بعد تحريرها».هذا التصعيد بين أنقرة وبغداد يأتي بالتزامن مع قرب تحرير «الموصل» من تنظيم «داعش» الإرهابي في وقت تشهد فيه المنطقة العربية متغيّرات عميقة تدلّ على قرب حدوث اختراق في ملفات حيوية تحتاج تسوية عاجلة منذ سنوات.
تصريحات أردوغان استفزّت السلطات العراقية ما حدا برئيس الحكومة حيدر العبادي إلى التأكيد، أن تركيا ليس لها أي دور في العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في العراق، فيما أبدى عدم رغبته بحدوث تصادم مع القوات التركية المتواجدة في شمال البلاد. وشدد العبادي على أنّ وجود القوات التركية غير مرحب به، مضيفا أنها عرقلت الجهود العراقية في محاربة تنظيم «داعش»الارهابي.
وتزايد الخلاف ليصل إلى بوادر أزمة دبلوماسية بعد ان قامت انقرة باستدعاء السّفير العراقي لديها هشام علي أكبر إبراهيم العلاوي معتبرة انّ قرار مجلس النواب العراقي «حمل اتّهاماتٍ باطلة لتركيا»، و كردّ على الخطوة التركية استدعى العراق أيضا السفير التركي لديه لمناقشة تصريحات أنقرة «الاستفزازية» بشأن إبقاء قوّاتها في العراق قائلا أنّ «إبقاء تركيا جيشها في شمال البلاد قد يؤدّي إلى «حرب إقليمية».أمّا الحكومة التركية فقد اعتبرت أنّ «الوجود العسكري التّركي في العراق يهدف الى تحقيق الاستقرار، بناءً على طلب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وذلك لتدريب القوّات المحلية».
يشار إلى انّ القوّات التركية موجودة في معسكر بعشيقة في محافظة نينوى العراقية، إذ يتم فيه تدريب القوات التركية إضافة إلى عناصر تركمانية وعربية وكردية، فضلًا عن تولي بعضها حماية المنطقة التي يتم فيها التدريب ، ويضم المعسكر عسكريين أتراكا من أجل تدريب قوات من «البيشمركة» وعناصر محلية بناء على طلب سابق من الرئيس بارزاني وفق تصريحات تركية. وقد عاد المعسكر إلى الواجهة بعد نقل جنود أتراك إليه في ديسمبر 2015، إذ استبدلت الوحدات التركية الموجودة في بعشيقة قواتها، وتم إرسال 150 جندياً إضافياً برفقة 25 دبابة إلى المنطقة، إلا أن الحكومة العراقية أصرت على سحب تلك الوحدات معتبرة انها انتهاك للحقوق السيادية للبلاد.
حروب بالوكالة
وفي ما يتعلق بالدور التركي وتصريحات العبادي الأخيرة قال المحلّل والكاتب العراقي د. نصيف جاسم حسين لـ«المغرب» أنّ الحكومة التركية انتهجت نهجا جديدا في العلاقات الدولية من شأنه تهديد الاستقرار العالمي وليس استقرار المنطقة فقط ، مضيفا أنّ استنادها إلى طلب مقدم من شخص مطلوب للقضاء ( أثيل النجيفي) «كان» يشغل منصب محافظ نينوى في دخول قوّاتها إلى عمق الأراضي العراقيّة رغم رفض الحكومة الاتحاديّة ذلك يصبّ في هذا الاتجاه.
وأضاف جاسم حسين أنّ «الحكومة التركية تدعي إنّها حصلت على موافقة « السّلطات المحليّة في الموصل» لتواجدها هناك ، انها حجة ضعيفة وغير مقبولة في العلاقات الدولية، فـ»أثيل النجيفي» لم يعد محسوبا على السلطات المحلية في الموصل، فضلا عن انه مطلوب قضائيا، وحتى لو كان لايزال يشغل منصب محافظ نينوى فهذا لا يعطيه الحق في طلب دخول قوات أجنبية إلى أراضي الدولة التي يشغل فيها منصبا رسميا فهذا يعد خيانة عظمى توجب المساءلة القضائية، وغير مقبولة وفق القانون الدولي، وإلا سيكون من حق الحكومة العراقية الدخول إلى الأراضي التركية حين يطلب منها شخص ما في تركيا التدخل العسكري في أية منطقة تريدها». وأشار محدّثنا إلى انّ تصريحات العبادي جاءت ردا على تدخلات أردوغان في الشأن العراقي وتجاوزه الأطر الدبلوماسية في علاقات تركيا مع العراق ، مضيفا أنها كانت تستدعي ردا أقوى وأعنف لكن الحكومة العراقية دائماً ما تفترض وجود فرصة لتصحيح الأمور بعد إمعان التفكير فيها.
وعن العلاقات التركية - العراقية قال الباحث العراقي انها خضعت لنتائج الاستقطاب الطائفي الذي ساد المنطقة بعد سقوط نظام صدام واستلام أحزاب الإسلام السياسي الطائفية الحكم في العراق، ولجوء كل منها إلى الخارج « الشيعية منها إلى إيران» و»السنية منها الى تركيا والسعودية»، كل هذا ادخل المنطقة في أتون حرب طائفية غير معلنة يدفع الشعبان العراقي والسوري ثمنها وفق تعبيره.
وأضاف محدثنا أنّ ما يدور من صراعات دموية في هذين البلدين ،هي حروب بالوكالة بين أنظمة سياسية تمتطي الدين والمذهب لتحقيق غايات سياسية ولم يكن القادة العراقيون يعون حجم الكارثة حين ضخموا الخنادق الطائفية بين مجموعاتهم المجتمعيّة، فنتج عن ذلك «داعش» الإرهابي وربما سينتج ماهو أدهى وأمر بعد نهاية «داعش» المحتومة.
سياسة تركيا المزدوجة
وأشار محدّثنا إلى انّ السياسة التركية تعتمد الازدواجية في المعايير قائلا انّ «أردوغان غيّر تركيا العلمانية إلى تركيا أردوغان إسلامية مذهبيّة تعرض نفسها مدافعة عن «السنة»، وهي بهذا تخرج من إطار الدولة إلى إطار أوسع يمتد ليشمل تقريبا كل بلدان العالم الإسلامي».
واكّد محدّثنا أن الدين والمذهب عقائد عابرة للحدود، ومن يتبن أحدهما لابد أن يصدم مع مصالح دول وشعوب وعلاقات أخرى ، معتبرا ان «تركيا العلمانية» لم تكن تشكل خطرا على أحد ولم تنتهج اي من حكوماتها نهجا توسعيا ضد دول الجوار، و»ما تفتقده تركيا الآن هو ما تفتقده المنطقة كلها «العلمانية»، وسيادة لغة المصالح بديلا عن لغة العقائد».
وشدّد حسين على أن «أردوغان الآن بحاجة إلى علاقات طيبة مع دول الجوار، وليس بحاجة إلى إثارة حروب معها، وقضيته مع الأكراد هي نفسها قضية بقية دول المنطقة معهم الأتراك الآن بحاجة إلى من يأخذ بيدهم ليدلهم على الطريق فيما يتعلق بحربهم مع الأكراد؟ ، عليهم أن يجدوا جوابا عن السؤال التالي: ما الذي ستجنيه تركيا من معاداة العراق وسوريا، وما الذي ستربحه من إقامة علاقات حسن جوار معهما؟ لم تجن تركيا خلال حرب سوريا غير اتهامات على مستوى العالم بدعمها للإرهاب الذي يمر - حسب تأكيدات تقارير دولية- عبرها ثلاثة أرباع مقاتلي «داعش».