مما يجعل المرحلة المقبلة حساسة ومقلقة. واكّد البديوي أن أمريكا تجد نفسها ملزمة اليوم بتقديم الدعم للعراق لتفادي أخطاء سياستها وضعف إستراتيجيتها سنة 2011 عقب سحب قواتها من العراق.
• لو تقدمون لنا واقع الحرب العراقية ضدّ الإرهاب والى أين وصلت نتائجها ؟
مع تقدم القوات العراقية في المناطق المحررة وتضييق الخناق على «داعش» في الموصل المعقل الأخير للتنظيم ، أصبحت الأمور تتعقد سياسيا وظهرت مطالب من عدة أطراف في محاولة تقسيم مناطق النزاع في الموصل إرادة وطنية وأخرى تركية وإرادة كردية أيضا محلية وهناك مطالبات للحكومة العراقية بإشراك كافة أنواع القوى المقاتلة في المعركة .
لكن المتوقع أن يتعقد الوضع أكثر بعد تحرير الموصل (الذي من المتوقع أن يكون في وقت قرب وفق مراقبين) خصوصا في ظلّ وجود مساع أخرى تسعى الى تمزيق الصف الوطني في مدينة الموصل . مقابل وجود محاولات لتقريب وجهات النظر والخروج برؤية واضحة. هذه الوساطات تظهر بوادرها نتيجة التقارب التركي الإيراني الأخير ما من شانه أن يقرب وجهات النظر ويجعل أيضا من المرحلة التي تلي تنظيم داعش» مرحلة مكتملة الملامح وشبيهة بمرحلة مابعد اجتياح المدينة .
• ماتقييمكم للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق؟
أمريكا وجدت نفسها ملزمة بتقديم دور ايجابي في العراق نتيجة نقطتين أولا نتيجة الضغط الذي تولّده انتقادات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وداخل أروقة البيت الأبيض والكونغرس وغيرها من المؤسسات الحكومية ، فالانتقادات طالت إدارة أوباما بالانسحاب المتسرع من العراق سنة 2011 وهناك أيضا من يحمل إدارة البيت الأبيض مسؤولية هذا القرار وماتبع ذلك من فراغ ساهم في صنع «داعش» الارهابي وانتعاشه في مناطق مهمة من العراق.
النقطة الثانية الأخرى التي تتحمل نتائجها أمريكا مايعرف بالاتفاق الإستراتيجي مع العراق والذي وضع أمريكا في موقف المسؤول عن دعم الملف الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق بعد تعرض بغداد لاجتياح «داعش» الإرهابي وسيطرته على عدد كبير من الأراضي العراقية اثر 2011. إدارة اوباما واجهت أيضا بعد 2014 تغلغل «داعش» ورافقتها ضغوط حول كيفية التصدي ، وتفاجأت بالانهيار السريع للقوات العسكرية والإستراتيجية التي كانت قد قضت كثيرا من الوقت في بنائها فبدأت خطة جديدة عبر إشراك العالم في هذه الحرب من خلال إنشاء الحلف الدولي ، الاّ أن الاقتصار على التدخل الجوي لم يكن كافيا للقضاء على تنظيم «داعش» بعد أن نجح هذا التنظيم الإرهابي في الدخول إلى مرحلة التهديد الفعلي لأوروبا في عقر دارها .
الجانب الأخر هو جانب أنساني العالم ملزم بتقديم مساعدات إنسانية أمام اكبر موجة نزوح يشهدها العالم لحماية الأسر من العمليات العسكرية ، العراق لا يستطيع في ظل الإمكانيات المحدودة تقديم الخدمات الأساسية لهذه العائلات النازحة من إغاثة وغيرها .العراق أولا والمنطقة العربية ثانيا تعانيان من تبعات تغيرات عميقة رافقت ثورات أو تغيرات 2011 ولاتزال تبعاتها متواصلة.
• كيف ترون خارطة المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط مابعد 2011 ؟
بغض النظر عن كل ماقيل ويقال في نظرية المؤامرة فإنه يمكن أن نعتبر ماحصل في الشرق الأوسط زلزالا لكل الجيوسياسية العربية في المنطقة ، فقد حدث تغيير الكثير من الوجوه والاستراتيجيات والأولويات .هناك تقسيم جغرافي وسياسي جديد وهناك قوى صعدت على حساب قوى أخرى وأسدل الستار عن المشروع القومي العربي الذي كان الصوت العالي في المشهد السياسي العربي إبان منتصف القرن المنصرم، وأسدل الستار أيضا على نهاية مأسوية لهذا المشروع ونهاية تأثيره على شعوب المنطقة، هناك بوادر كثيرة لان يتعقّد المشهد أكثر وان يدخل منعطفات ومنحدرات وربما حروبا كبيرة على مستوى دول العالم الكبرى وأيضا ستكون هناك صيغ سياسية جديدة للمنطقة عموما .
بالتالي هو زلزال كبير غير معالم الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية في هذه المنطقة وعندما نتحدث عن هذه التغيرات لا يعني أنها تغيرات مفاجئة وغير متوقعة، بل المنطقة بشكل عام لم تعرف الاستقرار منذ الـ300 سنة الماضية وحدثت تغيرات سيما بعد انهيار الدولة العثمانية وتحول المنطقة إلى منطقة نفوذ ومنطقة اثنيات ومنطقة عرقيات وقوميات
لكن لنبدأ الحديث منذ خمسينيات القرن الماضي لابد من ذكر القوى الصاعدة آنذاك متأثرة بما وصلت إليه الحضارة الغربية إبان القرن 19 وصعود القوميات لتكون في مقدمة القوى السياسية تأثرا بألمانيا وفرنسا وحتى أمريكا ، لذلك نشأ حزب البعث ونشأت أحزاب أخرى وأصبحت في المقدمة، و بعد سلسلة تغييرات وثورات وانقلابات لكنها لم تبق كثيرا في الحكم أنهت من حقبة الملكيات وكان هناك وعد علماني نوعا ما بعلمنة المنطقة وتغير من الوضعية السابقة التي كانت الإمبراطورية العثمانية تتعكز عليها وهي نظرية الخلافة. هذا الانعطاف لم يكن مفاجئا أو غير متوقع لكن لم يكن معروفا ومجهولا كيف سيقع وماهي وسائله ومن سيكون المسبب الحقيقي لهذا الزلزال الجيوسياسي في المنطقة .
كل الظروف التاريخية كانت مهيأة لهذا التغير حيث حانت ساعة التغيير والمولود الجديد بدأ يعبر عن نفسه ،وربما بدأ التغير من العراق تحديدا بعد سقوط النظام البعثي اذ بدأ جرس التغيير يرن في المنطقة لتكون بذلك ولادة التغيير ولادة قيصرية أتت بفعل خارجي نظرا لعدم تمكن الأدوات الاعتيادية على فعل ذلك ، مثلا لم يتمكن المجتمع العراقي من تحرير نفسه بنفسه ، لذلك فقد بدأ فعل تغيير النظام السياسي في العراق مع دخول الأمريكان إلى العراق سنة 2003.
• كيف اثر بروز الإسلام السياسي في الدول العربية- بعد اندلاع ثورات الربيع - على قضايا المنطقة ؟
من الطبيعي بعد إهمال الأنظمة القومية والشمولية التي أفرزتها مرحلة منتصف القرن الماضي للمواطن ودور المواطن ان يلتجئ الأخير بصفته المحروم من حقه في العيش ومن الحرية والتعبير ومن كل وسائل المواطنة ومن المبادئ العامة لحقوق الإنسان ، إلى التأثر بأنظمة متعلقة بالإسلام السياسي وبدأ تأثير الملالي والمشايخ وبتشجيع من دول أخرى واضحا ، هذه الدول تحمل عقائد سلفية وعقائد الإخوان المسلمين . وبشكل عام موجة الإسلام السياسي الذي شهد انتشارا واسعا في صفوف الشبان غير المؤهلين علميا وفكريا لذلك فقد تغلغل في الأذهان الهشة .يمكننا القول أن الإسلام السياسي استفاد من انهيار هذه الطروحات علميا وصعد الى هذه المرحلة على حساب انهيار الأنظمة التي كانت في قسم كثير منها تضطهده تحت مسميات عدة .
• برأيكم هل ساهمت المتغيرات السياسية التي طرأت على عدة دول عربية في المغرب العربي والشرق الأوسط في تغوّل نفوذ التنظيمات المتطرفة ؟
الأنظمة السابقة فشلت في تحقيق الإصلاح لو فكرت جديا في إصلاح البنية الحكومية والفكرية لكان بالإمكان معالجة عديد المعضلات ، بغياب إصلاح أخذت الثورات تعبر عن نفسها وأصبح التغيير حتميا بالوسائل المباشرة أي عبر الوسائل التقليدية (الجماهير تسقط النظام) فتوالى تساقط الأنظمة بدءا بتونس التي مثلت الضربة القاصمة لهذه الأنظمة ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم سوريا هذه التغيرات كانت في بدايتها تلقائية شعبية حقيقية ، لكن المعلوم هو أن المجتمعات لا تمتلك كل آليات التغيير ولاتمتلك القوة والسيطرة لإكمال المسار على المدى البعيد ، وهذا فتح الباب أمام العامل الخارجي حسب أجندات دول العالم ودول الجوار المستفيدة من هذا الوضع .
العديد من الدول التي لا تمتلك أنظمة ديمقراطية وتمتلك نظاما ملكيا ونظاميا يتبنى أفكارا رجعية، كانت من بين أكثر الأصوات ضجيجا للمطالبة بالديمقراطيّة في دول أخرى نجد الكثير من دول الخليج -الذي لايعرف الكثير عن الديمقراطية - نجده من بين الدول الداعمة للثوار في هذه الدول . هذا التدخل وعدم تركها المجال للسعي لتقرير مصيره أسهم في خلخلة المشهد وإرباكه . كما أن تدخلها وضخها مليارات الدولارات في هذه الدول أسهمت في خلق فراغ استطاعت القوى الإرهابية والمتطرفة استغلالها لخلق لحظة انتعاش لها و بدأت لحظة تغوّل نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي بالخصوص .
في النهاية كل ذلك مثل تتويجا نهائيا لوحشية القوى المتطرفة التي بدأت منذ 2003 بالتجمع واستغلال الاحتلال الأمريكي للسيطرة على أدمغة المناوئين لهذا التدخل الأمريكي واستخدامها بشكل يخدم أجنداتها، خلايا نائمة في داخل المجتمعات قبل سقوط تلك الأنظمة الديكتاتورية هذه الخلايا انتعشت عندما تم تكريس الفراغ الذي اقره التغيير العربي وثورات التغيير في الدول العربية. و استفادت من ذلك أيضا عبر حصولها على الكثير من التمويلات من دول الخليج (مؤسسات رسمية وغير رسمية (خيرية) . وهنا استطاع الإرهاب ولاسيما السلفية الجهادية السيطرة على الشارع واختطاف إرادة الشعوب لصالح معتقداتها وأجنداتها.