هذه التي ستدفع بالأفراد والمجموعات إلى التضحية بحريتهم مقابل أمنهم وأمن ممتلكاتهم ،وهي التي ستدفع بالبشر إلى مرحلة الدولة المستبدة مقابل حالة الطبيعة الحرّة ولكنها الخطرة في نفس الوقت ..
يبدو أننا في تونس بصدد التطبيق العكسي لفلسفة هوبز وذلك بالانتقال من مرحلة الدولة (أو ما بقي منها ) إلى مرحلة تشبه حالة الطبيعة ولكن دون أن تكون هنالك رغبة لأهم مكونات المشهد في إيقاف نزيه لـ«حرب الكل ضدّ الكلّ».
اليوم اختلطت كل الأوراق وأصبحت تحالفات الأمس القريب غير ذات جدوى.
لقد فجّرت فكرة الحوار الوطني كل التناقضات والأوهام المخفية طيلة هذه الأشهر الأخيرة..لقد اكتشفنا نهاية أن رئيس الجمهورية لا يتحاور إلا مع نفسه ومع من يتطابق معه وهو يريد أن يدفع البلاد إلى مغامرة لا نعلم مستقرها،وقد تبيّن الآن انه لا يؤمن بمؤسسات ودستور البلاد ولكن لا ندري ما هو بديله سوى أننا الآن على شبه يقين بأنه يرنو إلى حكم رئاسوي قوي يستند على نفس دستور 1959 الذي لم يضع مؤسسات قادرة على لجم النزوع نحو الحكم الفردي ..
ولدينا أغلبية برلمانية ملتفة حول حركة النهضة همّها الوحيد المحافظة على مكاسبها ومواقعها والحماية المتبادلة بين مختلف مكوناتها في انتظار أوقات أكثر ملاءمة لبسط نفوذها الكامل على البلاد .
أما الحكومة فإننا نجدها تائهة في تصرف ضعيف في اليومي وفشلها الذريع في إدارة الأزمة الصحية يكشف عن ضعفها الفادح وعدم قدرتها على إدارة أزمة معقدة ومتفاقمة كتلك التي تشهدها تونس اليوم..
وعندما ندير رؤوسنا إلى المعارضة نجد أن جلّها واقف على الربوة دون أدنى قدرة تأثير أو تأطير باستثناء الحزب الدستوري الحرّ الحاضر بقوة في الميدان والمتصدر لكل عمليات سبر الآراء والذي يعمل جاهدا على استنزاف المنظومة الحالية وجعلها تشارف على الهلاك قبل أن ينقضّ على السلطة بواسطة صناديق الاقتراع ،ولكن في المحصلة اليوم فإنّ الثابت هو الدفع إلى مزيد التعفّن دون أن نكون متأكدين من قدرة احدهم على مسك فعلي للبلاد في ما بعد خاصة وان إستراتيجية هذا الحزب تقوم على إطلاق النار على الجميع : أحزابا وجمعيات ونقابات ورئاسة وحكومة وبرلمانا .
لقد كانت – ومازالت – المنظمات الاجتماعية الكبرى صمّام أمان البلاد وللانتقال الديمقراطي وقد أنقذت البلاد في سنة 2013 من حرب أهلية وشيكة، وهي تريد أن تلعب نفس الدور اليوم ولكن لا مناص من الاعتراف بأن ألق هذه المنظمات قد تراجع وان بعضها مقدم على مشاكل داخلية قد تضعف من الأدوار الوطنية التي يمكن لها أن تقوم بها في هذا الظرف العصيب ..
«حرب الكل ضدّ الكل» ليست دوما اختيارا إراديا لكل مكونات المشهد هذا بل هي تكتيكات اضطرارية أحيانا حتى لا يحسب طرف ما على أعداء أصدقائه بالأمس القريب.
يبدو أننا بصدد الوصول إلى قناعة جماعية مفادها أن المنظومة التي أفرزتها الصناديق في 2019 لا تصلُح ولا تُصلح على حدّ العبارة الشهيرة للمنصف المرزوقي وأن الحلّ في الحلّ وفي إرجاع الكلمة للشعب ..ولكن حتى هذا الحلّ ليس في متناولنا الآن لأنه يفترض اتفاقا أدنى بين كل مكونات السلطة والمعارضة وهذا ما يعمل جلّهم على تدميره الآن ..
اليوم بلادنا بين المطرقة القادمة للاملاءات الأجنبية الفعلية وسندان الاحتجاجات الاجتماعية .
وفي الأثناء يتواصل هدر الأنفس والوقت والإمكانيات..
نهاية منظومة 2019 بكل مكوناتها: حـــرب الكــــل ضدّ الكلّ !
- بقلم زياد كريشان
- 10:30 22/06/2021
- 2063 عدد المشاهدات
«حرب الكل ضدّ الكل» هو الوصف الذي أطلقه الفيلسوف الانقليزي الشهير توماس هوبز في القرن السابع عشر ليعرّف به ما يسمى بحالة الطبيعة وحرب الكل ضدّ الكل