منذ العهدة الانتخابية السابقة وأن تعثرات الانتقال الديمقراطي ستتفاقم بحكم الانفصال الذي أحدثته النخب الحاكمة – والمعارضة أيضا – بين الزمنين السياسي والاجتماعي ..بين زمن الساسة ومعاركهم وزمن الناس ومشاكلهم ..
ولكن لا أحد كان يعتقد بأن تسارع مسيرة الأزمة سيحصل بهذا الشكل التراجيكوميدي وبأن البلد سيصل إلى حافة الهاوية ونحن نتناقش حول إمكانية قيام حوار بين أهم أطراف الحكم والإنتاج من عدمه وأن نغرق في عبثية البحث عن حوار بطرق «غير معهودة» وبمنهجية «جديدة» فاستعضنا عن الفعل المباشر بشقشقات لفظية كان بإمكانها أن تكون مسلية لولا تراجيدية أوضاعنا الصحية والمالية والاقتصادية والاجتماعية ..
لقد انتظرنا ستة أشهر ونصف بعد تلقي رئيس الدولة لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار وطني ليجمع قيس سعيد حوله رئيس الحكومة وبعض رؤساء الحكومات السابقين ليقول لهم ولنا بأن الحوار الوطني السابق ،أي ذلك الحوار الذي أنقذ البلاد من حرب أهلية والانتقال الديمقراطي من الانتكاسة النهائية،لم يكن حوارا ولم يكن وطنيا ليقطع بصفة شبه نهائية حبل الود بينه وبين اتحاد الشغل ثم اتحاد الصناعة والتجارة والذي لم يربطه برئيس الدولة يوما لا حبل ولا ود. ولا ريب أن بقية مكونات الرباعي الراعي للحوار الوطني،رابطة حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين ،سيعربان بدورهما وبطريقتهما عن استغرابها من هذا التوصيف الرئاسي والذي سرعان ما أردف بتوضيح غريب مفاده أن الرئيس لم يقصد أي طرف وكأنما الحوار عملية مفصولة عن المتحاورين ولاسيما عمن احتضنه ورعاه !!
لقد أضاع رئيس الدولة فرصة لم يعد بإمكانه استعادتها وهي قيادته لحوار جدي يخرج البلاد من أزماتها المتفاقمة مقابل تشبثه بمشروع هلامي قد يدخل البلاد في نفق بلا رجعة ..
وفي المقابل لا يبدو لنا أن حوارا من خارج مؤسسات الحكم الأساسية له قدرة كافية على فرض نتائج ملموسة على المنظومة الحالية خاصة وأن الزخم الذي كانت تتمتع به المنظمات الاجتماعية وكبريات الجمعيات الحقوقية قد تراجع بدوره ولم يعد هذا الرباعي قادرا اليوم لوحده على إجبار السياسيين على تعديل جذري لبوصلتهم كما فعل ذلك بكل اقتدار في 2013..
ونتيجة لكل هذا ستسير البلاد في نهج سيعمق الأزمة في بعديها :
• البعد الموضوعي المتمثل في الجائحة الصحية التي لم نتمكن بعد من السيطرة عليها والأزمة المالية الخانقة وحاجتنا الملحّة إلى برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي وعدم القدرة على توفير كل مكونات النجاح لاقتصادنا ولمؤسساتنا على تحقيق انتعاشة ولو نسبية والغضب الصاعد والمتعاظم من عدة فئات اجتماعية.
• البعد المعنوي وهو الأخطر هنا إذ تراجع منسوب الثقة بين كل مكونات المشهد السياسي والاجتماعي كما فقدت السلطة السياسية ذلك الحدّ الأدنى من ثقة الناس بما يجعلها اليوم عاجزة عن إدارة جدية للبلاد ..
ما العمل إذن وفق العبارة الشهيرة لقائد الثورة البلشفية ؟ رجّة نفسية هائلة تعيد الرشد الى مختلف مكونات السلطة ؟ ضغط مواطني وشعبي لفرض إنقاذ البلاد على الحكام؟ انتفاضة شعبية لا تبقي ولا تذر؟
اليوم الأفق الأقرب هو هذا الاحتمال الأخير والذي تدفع إليه قوى عديدة فاعلة في المشهد بوعي منها أو دون وعي ..ولكن يخطئ من يعتقد انه بإمكانه الاستفادة من هذا الانفجار الاجتماعي وانه يستطيع توظيفه لهزم خصومه وللاستفراد بالسلطة والحكم .
الانفجاريات الاجتماعية من صنفين .صنف ظرفي محدود في الزمان تتمكن السلطة السياسية من امتصاصه إما بتنازلات أو بالقمع أو بالاثنين معا وصنف ثان عارم يحتل الزمان والمكان ولا يهدا إلا بعد تقويض كلي لمنظومة الحكم وحينها ليس أكيدا أن يفرز هذا مرحلة انتقالية ايجابية بل الأرجح حينها أن تعمّ الفوضى وتنهار الدولة أو أن تمسك بالبلد طغمة ما وبقبضة حديدية تباركها جموع غفيرة ..
لقد ابتليت تونس بإسوإ وأردإ طبقة سياسية في تاريخها المعاصر وهي بصدد الدفع بنا جميع نحو الهاوية.
تــــونس: أزمة في طريقها إلى .. الانفجار !
- بقلم زياد كريشان
- 11:30 21/06/2021
- 1395 عدد المشاهدات
لقد كان من الواضح منذ البداية أن مخرجات الصندوق في خريف 2019 ستفضي إلى استفحال الأزمة التي ألمت بالبلاد