فقط بل وأساسا لأنه شهر العائلة والفرح والانتشاء بالحياة سواء أصام البعض أو أفطر وسواء أصام من صام عن عادة أم عن عبادة كما كان يقال..
رمضان الاحتفال العائلي الفرجوي كان – من حيث لم نكن ندري – عنصرا من عناصر العيش المشترك ومن الهوية الثقافية المعيشة لعموم التونسيات والتونسيين .
ويمكن أن نقول اليوم أن الخطيئة الكبرى لكل حركات وتيارات الإسلام السياسي هي اختطاف هذا التدين الثقافي المشترك،عنصر الوحدة والتآلف والتقارب، وتحويله إلى عنصر فرز وفرقة بل وفي حالات عدة إلى عنصر فتنة دينية بين المسلم «الصحيح» وذلك «الجاهلي» الذي لا يحمل من سمات الإسلام غير الظاهر ..
عندما أدلج الإسلام السياسي الدين أصبح التدين السلفي بطقوسه الغريبة عنصر تمايز ينغص أفراح العائلة بل وأحيانا يكفر طقوسها وعاداتها وتقاليدها ويصمها بالشرك والكفر والردّة ..
أول علاقة للتونسيين بالبواكير الأولى من شباب الإسلام السياسي في سبعينات القرن الماضي كانت مع أشخاص لا يصومون كما يصوم الناس ولا يصلون كما يصلي الناس ولا يحتفلون بالأعياد كما يحتفل الناس. أناس يبشرون بما يشبه الدين الجديد ،دين غير متوارث وغير مجسد في السلوكيات الثقافية لعموم التونسيات والتونسيين ..
ولقد سعت بعض جماعات الإسلام السياسي إلى السطو من جديد على الموروث المشترك بعد الثورة،اعتقادا من افرادها بأن الثورة إنما تعني انتصارا لهم ولأفكارهم فحاولوا فرض سلوكياتهم الخاصة في الملبس والتعبد والمأكل بكل الوسائل بما في ذلك بالقوة، ولكن هذه المرة لم تتصدّ لهم الدولة،اذ الحكم كان في جانبهم آنذاك، ورفضت جلّ النخب وعموم الشعب التونسي بصفة فطرية أن يفتك منه موروثه الديني والثقافي تحت مسميات غريبة ومستهجنة ..
وتمكّن المجتمع،بمحافظيه وحداثييه،من صدّ هذا السطو وانقلبت الدوائر على دعاة الفتنة والتطرف وتنكر لهم – في الظاهر على الأقل – الحزب الذي كانوا يعتقدون أنهم يعملون لصالحه وأنهم يتقاسمون معه نفس «حلم «البدايات : أسلمة الفرد والمجتمع والدولة بالدعوة أو بالقوة إذا لزم الأمر ..
لقد خطونا خطوات هامة خلال هذه السنين الأخيرة في التخلص من هذا التعصب السلفي وإن كنا لم نتخلص بعد من مظاهره «المخففة» كذلك التعامل الأمني والقضائي غير المفهوم مع المفطرين في رمضان واعتبارهم يخلون بالأمن العام ويسجنون كما كان يعزّز «العاصي» في العصور الغابرة ..
ولكن نخطئ لو نعتقد أن التعصب له مصدر واحد..التعصب أنواع وأجناس والخيط الرابط بينها كلها هو رفض المغاير والمختلف وتجريمه وتخوينه وتكفيره.. هو في الاعتقاد الساذج بأن المجتمع يتأسس على التماهي لا على الاختلاف والاختلاف الحادّ أحيانا ..التعصب هو إنكار وجود حقوق وحريات للفرد بصفته ذات لها إرادة مستقلة لا تخضع ضرورة لقيم وأخلاق الجموع ..
في تونس يأتينا رمضان للسنة الثانية على التوالي ونحن نعاني من هذه الجائحة التي ألمت بنا وحدّت كثيرا من لقاءات الفرح بين الأقارب والأصدقاء وزادها حزنا تردي الاوضاع العامة في البلاد والشعور المتعاظم بانسداد الأفق على كل الصعيد .
ويبقى طريقنا للخلاص الواحد : التسامح مع بعضنا البعض والقبول بالمغاير والمختلف وتأسيس عيش مشترك يقوم على الحق المطلق للفرد في معتقده وأفكاره وحرياته حرمة جسده، أما لو عاد التعصب ولو من أبواب جديدة فستحل معه الفرقة والحقد وينفصم الرابط الوطني وتذهب ريحنا جميعا ونتيه في التاريخ والجغرافيا ..
مازال في البلاد أمل ..
رمضان زمن الكوفيد وتنامي التعصب
- بقلم زياد كريشان
- 09:11 14/04/2021
- 1556 عدد المشاهدات
منذ عقود خلت كانت الغالبية الساحقة من التونسيين تبتهج وتحفل بقدوم شهر رمضان لا باعتباره شهر الصيام والعبادة