أزمة التحوير الوزاري تغلق أسبوعها السادس: الدولة مهددة والعيش المشترك في خطر!

لو تجاوزنا عبثية صراع أجنحة السلطة وحروب طواحين الريح والماء وفولكلورها السخيف لنرى كيف أصبح وضع البلاد اليوم لا

من حيث المعطيات الكمية الاقتصادية المخيفة ولكن من جهة تمثل مختلف الفرقاء لهذه الأزمة وللحلول التي يقترحونها لتجاوزها.. عندها سنقف على مشهد جديد بصدد التشكل.. مشهد ينذر بنسف المنجزات الوطنية التي تحققت بجهود مختلف أجيال تاريخنا المعاصر..
في الحقيقة هنالك علاقة جدلية معقدة بين المكسب الأهم لتونس وهذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخنا.. علاقة يمكن لنا أن نعبّر عنها بالسؤال التالي: هل نريد فعلا العيش معا؟ وتحت أي سقف يمكن أن يكون هذا العيش المشترك؟
تونس ليست البلد الوحيد الذي يعيش أزمة متعددة الجوانب وهي ليست كذلك البلد الوحيد الذي يتساءل، في خضم الأزمة، عن عناصر وحدته وعن الحدّ الأدنى المشترك الذي يجمع بين جل بناته وأبنائه.. والأزمة - بهذا المعنى - ليست دوما سلبية لأنها تسمح بمساءلة ما يعتبره جلّنا بديهيات لنعيد ترتيبها بصفة مختلفة ولنجد عناصر القوة الكامنة فينا لمواجهة تحديات المستقبل الجديد..
كان بإمكان هذه العشرية، بنجاحاتها واخفاقاتها خاصة، أن تكون منطلقا لصياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على ثلاثية صلبة في جذورها ومرنة في تمظهراتها وهي الهوية التونسية والنظام الديمقراطي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية الادماجية. وكان بإمكان هذه الثلاثية أن تكون المنطلق لعصر تونسي جديد وأن تتنافس حولها جلّ التيارات الفكرية والسياسية في البلاد ولكن ما حصل هو العكس تماما فقد اختلفنا إلى حدّ التعادي والتخوين المتبادل حول هويتنا الوطنية وحول النظام الديمقراطي وحول السبل الناجعة لتنمية اقتصادية واجتماعية مدمجة لمختلف الفئات والجهات.. بل وصلنا إلى اعتقاد يسود بصفة متفاقمة المشهد السياسي وأجزاء متعاظمة من المواطنات والمواطنين أنه لا سبيل لخلاص البلاد إلا بالقضاء التام والمبرم على خصومنا/ أعدائنا/ أعداء البلاد..
يضاف إلى كل هذا استضعاف الدولة وابتزازها من كل قبائل تونس ورضوخ الغالبية الساحقة ممن تولوا أمر هذه البلاد إلى جميع المطلبيات المعقول منها والمغالي المشط اعتقادا منهم أن هذه هي وحدها الطريق السالكة للبقاء في الحكم..
ولكن النتيجة الحتمية كانت مزيدا من ضعف الدولة وتراجع قدرتها التوزيعية وفقدانها للتخطيط واستشراف المستقبل وعملها على الآني السياسوي واخراجها الآجل الاستراتيجي من دائرة الفكر والعمل في آن.
من هذا المنطلق تكون أزمة التحوير الوزاري العبثية عارضا من عوارض الأزمة وعنصرا معمقا لها في نفس الوقت.
ومن مظاهر هذه الأزمة أن تتحول كل الشعارات النبيلة كمحاربة الفساد أو الدفاع عن الديمقراطية أو التعلق بالوطن إلى ساحات لمعارك داخلية طاحنة تقوم على الفرز بين الخير والشر، بين الوطني والخائن عوض أن تكون مهاما وطنية تلتقي حولها جلّ القوى السياسية والفكرية والاجتماعية..
يحق لنا أن نرفض «التوافق» المغشوش القائم على اقتسام «كعكة» الحكم وتبادل المنافع والمصالح.. ولكن هل يعني هذا أن نرفض الاتفاق الوطني الضروري حول انقاذ البلاد أولا وإصلاحها ثانيا؟ وهل يعني أن البديل الجدّي عن هذا «التوافق» هو الاحتراب والدعوة للفرز؟! وهل يعني هذا أن نعادي ابن البلد وأن نستقوى بالأجنبي ضدّه؟
الدولة ليست فقط وليدة الحداثة والديمقراطية، انها وليدة مسار طويل منذ العصر الحجري الأخير أو الجديد وهي تراكمات القرون للبعض وآلاف السنين للبعض الآخر. وهي تضاهي مسيرة العقل البشري بل هي العقل على حدّ توصيف الفيلسوف الألماني العظيم «هيغل».. ولكن الدولة كائن اجتماعي فيه عناصر الحياة ومعاول الموت أيضا، وعندما تتغلب معاول الهدم على قوة الحياة تضعف الدولة ونحن الآن في تلك المنطقة الفاصلة والجامعة بين ضعف الدولة وتحللها، وطريق الانهيار هذا بطيء في بداياته ثم ما ينفك في التسارع حتى إذا ما بلغ سرعته البرزخية عندها لن تبقى لنا سوى الدموع والآثار..
فهل نريد، جميعا، أن نكون أجيال الاندثار أم الأجيال التي تسعى جاهدة لإيقاف النزيف؟
ذلك هو السؤال...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115