للتعبير عن مطالب أو غضب او مساندة في مشهد سلمي دون شك، لكنه منقسم بحدة انقسام الأمواج البشرية في شارع الثورة، شارع الزعيم الحبيب بورقيبة..
يوم أمس تواجدت مع بعضها دون أن تأتلف مظاهرات ووقفات أربع واحدة تقليدية وهي تجمع النقابيين في ساحة محمد علي واخرتين معارضتين: الأولى بدعوة من عائلة المحامي والقاضي السابق أحمد صواب الموقوف منذ عشرة أيام والتي ساهمت فيها أطياف عدة من مكونات المجتمع المدني والحقوقي والسياسي، وثانيها بدعوة من مناضلي الحزب الدستوري الحر للمطالبة باطلاق سراح زعيمتهم عبير موسي المودعة بالسجن منذ 4 أكتوبر 2023.. هاتان الوقفتان الاحتجاجيتان التقتا دون سابق تنسيق أو رغبة مشتركة أمام مقر المحكمة الإدارية (عائلات واصدقاء أحمد صواب هم أصحاب الدعوة بمطالبة من القاضي الإداري السابق احمد صواب ضمير «الانتقال الديمقراطي» دون منازع). وقد حصلت خصومة سلمية بين الاثنتين ثم توجه الموكبان مختلطين ومقسمين إلى ساحة محمد علي التي امتلأت بهما وبمئات النقابيين الذين جاءوا تلبية لمطلب اتحاد الشغل للاحتفال بغرة ماي كما جرت العادة منذ عقود..
لقد ضاقت ساحة محمد علي بهذا الحضور لكن «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى» ورغم ترحيب الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي في خطابه بكل هذه المكونات واعتبر أن خيمة الاتحاد تجمع الجميع تحت سقفها إلا أن الواقع كان على غير هذه الشاكلة..
ما نقوله لا يعني انه لا توجد رغبة لدى جل مكونات المشهد المعارض للسلطة الحالية في إيجاد الحد الأدنى من التنسيق او على الاقل من التضامن، لكن رغبات البعض هذه لم تجد بعد ترجمتها العملية على الميدان، ثم ورغم التوجه الى ساحة محمد علي وتذكير الأمين العام للمنظمة الشغيلة بكفاح الاتحاد من اجل الحقوق والحريات السياسية والاقتصادية وتضامنه مع الموقوفين والمحاكمين من نقابيين واعلاميين ونشطاء المجتمع المدني، لكن التضامن النقابي لم يطل مباشرة المعتقلين السياسيين رغم التعرض لغياب ظروف المحاكمة العادلة. وبما اننا ازاء خطاب مكتوب، الواضح أن تغييب السياسيين من قائمة التضامن ليس سهوا أو زلة لسان، بل لعله كان الحد الأدنى المطلوب لكي لا تطفو التناقضات التي تشق الصف النقابي إلى السطح..
الحضور في ساحة محمد علي كان غفيرا أو لعله كان في حدود ثلاثة آلاف شخص، لكن سرعان ما بحث عن كل فريق على التمايز مع رغبة واضحة عند مناضلات ومناضلي الحزب الدستوري الحر على التواجد غير المنفصل: اما إشارة إلى رغبة في تقارب ما أو محاولة للاستفادة من الحضور ومن صور عبير موسي في كل مكان لكي يحسب كل هذا لفائدة الحزب..
في شارع الثورة، كانت هنالك وقفة رابعة أمام المسرح البلدي فيها بعض المئات من أنصار «مسار 25 جويلية» جاؤوا للتنديد بما اعتبروه تدخلات اجنبية والانتصار للسيادة الوطنية والرئيس قيس سعيد..
ما يلاحظ، مرة أخرى، عدم قدرة أنصار «المسار» على الحشد الجماهيري رغم وجودهم في السلطة واستفادتهم من إمكانياتها الضخمة.
الواضح أن مختلف مكونات «المسار» لم تنجح إلى حد الآن في حشد الشارع كما فشلت في الظهور القوى فيه. إن أحزاب المعارضة منفردة ليست في أفضل حال حتى وإن تمكنت أحيانا من حشد عدد لابأس به من الأنصار..
في هذا السياق مثلت المسيرة التي دعت إليها عائلة أحمد صواب وجملة من المكونات الشبابية والحقوقية يوم الجمعة الفارط حدثا فارقا كميا ونوعيا، حدث سعى الى التجدد يوم أمس بنجاحات متباينة، اذ غاب عنصر النجاح الأساسي ألا وهو وحدة الشعارات والأهداف: الحرية لأحمد صواب ولكل سجناء الرأي، كما أن شخصية احمد صواب تمكنت لوحدها من تجميع الجزء الأكبر من الطيف الديمقراطي والحقوقي في البلاد كما كان الحضور الشبابي لافتا فيها.. جميع عناصر هذه الوحدة ضعفت يوم أمس رغم كثافة عدد المتظاهرين، لكن سنوات العداوة والاستعداء مازالت تفعل فعلها في الاذهان والأعيان رغم كل الامكانيات الموضوعية للتجاوز..
لسنا امام إشكال تنظيمي وتنسيقي فقط غاب عمدا عن هذه التحركات.. نحن أمام إشكال نفسي وسياسي في البحث عن القواسم المشتركة وارساء حوار سياسي جدي بين مختلف المعارضات اليوم كمدخل أساسي لحوار سياسي وطني لأن أزمات البلاد في تفاقم مستمر ولأن الانفراد بالرأي طريق مسدودة.. مسدودة.