يكشف الباروميتر السياسي لشهر فيفري الجاري الذي تعده مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» المستوى المرتفع للغاية للتشاؤم عند التونسيين (%90) وكذلك خوفهم من المستقبل القريب ومن الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية على البلاد عامة وعلى عائلاتهم خاصة..كما نرى التراجع المطرد للرضا عن أداء رئيس البرلمان ورئيس الحكومة مقابل تزايد الرضا على أداء رئيس الجمهورية .
ويبقى قيس سعيد الشخصية السياسية التي تحظى بأعلى نسبة من الثقة متبوعا بعبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق مقابل تصدر رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مرة أخرى لمؤشر الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية.
هنالك شبه إجماع بأن البلاد تسير في الطريق الخطإ إذ وللمرّة الخامسة على التوالي تتجاوز نسبة التشاؤم %80 لتستقر في هذا الشهر في مستوى %89.8.
ثم عندما نسأل التونسيين عن تقييمهم للطريقة التي تسير بها الأمور بالبلاد نجد أن نسبة عدم الرضا تصل إلى %91.2 منها %75.2 من غير الراضين بالمرّة مقابل رضا كبير لـ %1.5 من العينة المستجوبة فقط.
وهذا التشاؤم العام لا يتعلق فقط بالسير العام للبلاد ولكن أيضا بالوضعية الشخصية والعائلية لعموم التونسيين إذ يعتبر حوالي ثلاثة أرباعهم (%70.9) أن الوضع المالي الحالي لأسرهم أسوأ من ذلك الذي كان عليه في السنة الفارطة،أي مباشرة قبيل جائحة كورونا والجديد هنا هو غياب التفاؤل الشخصي بالنسبة للسنة القادمة إذ ستكون أسوأ عند أغلبية نسبية (%41.2) مقابل %34.7) أي وأن أفق التخلص من الجائحة لا يعني بالنسبة لجزء هام من التونسيين تحسنا ماديا لوضعية أسرهم ..ويزداد هذا التشاؤم قوة إذ يعتبر ثلثا المستجوبين (%64.8) أن وضع الأجيال القادمة سيكون أسوأ من وضعنا الحالي،أي نحن أمام نظرة انحدارية ممتدة في الزمن .
• تنامي الإحساس بانعدام الأمن:
منذ سنوات عديدة عندما يدعى التونسي إلى تقييم الأوضاع العامة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية نجد نظرة إيجابية بوضوح بالنسبة للوضع الأمني مقابل تقييم سلبي للوضعين الاقتصادي والاجتماعي .
في هذه المرة نجد أن الوضع الأمني مازال ايجابيا بالنسبة لـ%64.9 من التونسيين،ولكن يتراجع بأربعة نقاط عن الشهر الماضي ..ثم لو وسّعنا النظر نجد أن التراجع قد بلغ حوالي 10 نقاط في سنة واحدة ويصل إلى 20 نقطة لو قارناه بالتقييم السائد منذ سنتين ..وهذا يعني بوضوح تسرب شعور إضافي بانعدام نسبي للأمن لا نتيجة العمليات الإرهابية بل للشعور بانعدام الأمن في المدن والقرى،وهذا يؤشر على أن طلب الأمن هو طلب جوهري عند عموم التونسيين .
• مخاوف التونسيين:
عندما نسأل التونسيين عن أولويات الحكومة حسب نظرهم نجد أن جلّ الإجابات التلقائية تتعلق بالمخاطر المحيطة بالأفراد والأسر :
- %49 النهوض بالقطاع الصحي
- %41 النهوض بالتعليم
- %40 مكافحة البطالة
- %38 : تحسين الحالة الاقتصادية
- %33 : تحسين القدرة الشرائية والحدّ من الفقر
قلّ وندر أن نجد جلّ الاهتمامات محصورة في الأوضاع المعيشية المباشرة للتونسيين ولكن الأزمة/الأزمات مرّت من هنا خاصة وأن جلّ مخاوف الناس لم تجد الإجابات الضرورية لها .
• الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية:
قيس سعيّد يستعيد الصدارة
في مؤشر الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية فقد قيس سعيد المرتبة الأولى في الشهر الفارط لفائدة عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق والقيادي المعروف في حركة النهضة بـ%37.3 للمكي مقابل %33.8 لسعيد ويعود ذلك إلى عدم الرضا عن إدارة الأزمة الصحية واعتقاد جزء هام من التونسيين بأن الوضع كان فعلا تحت السيطرة أيام وزارة عبد اللطيف المكي ..ولكن في هذا الشهر يتقدم قيس سعيد من جديد ويفتك المرتبة الأولى بفارق واضح عن منافسه(%39 لسعيد مقابل %33 للمكي ).
الصافي سعيد سيستقر في المرتبة الثالثة بـ%28 ثم يكمل هذا الخماسي عبير موسي بـ%24 والمنصف المرزوقي بـ%20.
• الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية: الغنوشي في الطليعة دون منازع
نلاحظ في البداية أن نسب الانعدام الكلي للثقة في السياسيين هي أرفع بكثير من نسب الثقة الكبيرة وهذا يدل على الارتياب العام من السياسيين.
في مؤشر الانعدام الكلي للثقة يحلّق راشد الغنوشي – مرّة أخرى – عاليا بـ%77 ،أي أن أكثر من ثلاثة أرباع التونسيين لا يثقون بالمرّة في رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان بما يعطينا الوجه الأخر للازمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد .
بعد الغنوشي نجد خماسيا تجاوز منسوب انعدام الثقة الكلية فيهم %60 وهم على التوالي : علي العريض (%64) ويوسف الشاهد (%63) ونبيل القروي (%62) وحمة الهمامي (%61) وسيف الدين مخلوف (%61) وهذا الخماسي الذي يمثل طيفا سياسيا واسعا يعبّر كذلك عن مدى رفض التونسيين لجزء هام من العرض السياسي والحزبي ورفض أيضا لنوعية من الممارسة السياسية التي يرونها بعيدة عنهم وعن اهتماماتهم ..
وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر ضرورة بأحزاب بعينها بل بثقافة سياسية تخترق الأحزاب والكتل بدليل أن %37 يرغبون بقوة في أن يلعب عبد اللطيف المكي النهضاوي دورا هاما في مستقبل البلاد بينما يرغب بقوة كذلك %81 من التونسيين بألا يلعب راشد الغنوشي،زعيم النهضة،أي دور سياسي في المستقبل .
• الرضا على أداء «الرؤساء» الثلاثة:
التونسيون عامة ليسوا راضين على أداء السلطة السياسية ولكنهم يميّزون بقوة بين مختلف مكوناتها وأجنحتها فانعدام الرضا شبه كلي على رئيس البرلمان بـ%85.8 منهم %77.2 غير راضين تماما مقابل %4.6 فق من الراضين تماما .
أما رئيس الحكومة هشام المشيشي فقد خسر في شهر واحد 16 نقطة مقابل ربح رئيس الجمهورية قيس سعيد لـ8 نقاط وكأننا هنا أمام حكم الشعب على الخلاف الحاد بين رأسي السلطة التنفيذية فيما يتعلق بالتحوير الوزاري الأخير .
نسبة عدم الرضا على رئيس الحكومة قد تجاوزت النصف هذه المرة بـ%57.5 منهم %42.6 من غير الراضين تماما مقابل نسبة رضا محتشمة بـ%38.5 منها %8.5 من الراضين تماما وهذه من اضعف النسب على الإطلاق بالنسبة لرؤساء الحكومات منذ بعث هذا الباروميتر في جانفي 2015.
في المقابل نسبة الرضا عن رئيس الجمهورية ايجابية بـ%57 مقابل %42.6 ولكن غير الراضين تماما يفوقون الراضين تماما بـ%25.6 مقابل%17.3 أي أن الثقة النسبية في قيس سعيد أضحت الآن ثقة هشة إلى حدّ ما ،أو لنقل ثقة تنتظر التدعيم بالمنجزات الفعلية وأن هذه الثقة غير دائمة لانها تتعلق عند الجزء الأهم من مكوناتها بالأفعال لا بالأقوال فقط.
• الثقة في المؤسسات والهياكل:
يبدو أن التونسيين قد قسموا مختلف مؤسسات الدولة وهياكل المجتمع إلى خمس مجموعات كبيرة .
1 - ثقة شبه أجماعية في الجيش الوطني بـ%99 منها %93 من الثقة الكبيرة
2 - ثقة هامة في رجال الأمن (%87 منها %61 ثقة كبيرة ) ورئاسة الجمهورية (%76 منها %39 ثقة كبيرة .
3 - ثقة نسبية ايجابية في جمعيات المجتمع المدني (%68) والأئمة ورجال الدين (%60) والإدارة (%54) والإعلام (%54) والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (%52).
4 - ثقة سلبية نسبية : النقابات (%42) والحكومة (%39)
5 - ثقة منعدمة : الأحزاب السياسية (%21 منها %3 ثقة كبيرة فقط ) ومجلس النواب (%18 منها %6 ثقة كبيرة ).
وهذا التوزيع للثقة بين مختلف مؤسسات وهياكل الدولة والمجتمع يعطينا صورة أخرى عن مدى فشل منظومة الأحزاب في التصالح مع الرأي العام الذي لا يجد ثوابته الأساسية إلا في المؤسستين العسكرية والأمنية وبدرجة أقل في رئاسة الجمهورية ،أما البقية فما بين الارتياب النسبي إلى الارتياب شبه الكلي ..
والأكيد أن العيب ليس في الديمقراطية أو في شكلها التمثيلي بل في من يدعي الحديث باسمها اليوم .
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 758 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %3.5
• تاريخ الدراسة: من 9 إلى 10 فيفري 2021
خاص: الباروميتر السياسي لشهر فيفري 2021 التشاؤم في أعلى مستوياته
- بقلم زياد كريشان
- 11:17 12/02/2021
- 3436 عدد المشاهدات
89،8 ٪ تونس تسير في الطريق الخطإ
70،9 ٪ الوضع المالي الحالي للأسرة أسوأ من السنة الفارطة