قراره الذي نورد في ما يلي حيثياته المتعلقة بالاختصاص (التحكيم):
«حيث يهدف المطلب إلى الاذن بتوقيف تنفيذ القرار الصادر عن رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم التونسية بمقتضى البلاغ المضمن تحت عدد835 المؤرخ فى16 فيفري2016 والقاضي بالدعوة إلى إجراء جلسة عامة انتخابية للجامعة التونسية لكرة القدم المزمع انعقادها بتاريخ18 مارس 2016 وحيث تنص الفقرة الأولى من الفصل 39 من قانون المحكمة الإدارية على ما يلي لا تعطل دعوى تجاوز السلطة تنفيذ المقرر المطعون فيه غير أنه يجوز للرئيس الأول أن يأذن بتوقيف التنفيذ إلى حين انقضاء آجال القيام بالدعوى الأصلية أو صدور الحكم فيها إذا كان طلب ذلك قائما على أسباب جدية في ظاهرها وكان تنفيذ المقرر المذكور من شأنه أن يتسبب للمدعي في نتائج يصعب تداركها.
وحيث اقتضى الفصل 9 من القانون الاساسي عدد 11 لسنة 1995 المؤرخ في 6 فيفري 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية أن «تسهر على الجامعة الرياضية على تسيير مرفق عام في اطار الصلاحيات التي تمكنها منها الوزارة المكلفة بالرياضة».
وحيث ينص الفصل 12 من ذات القانون على أن تتمتع الجامعة الرياضية في إطار الاختيارات الوطنية بكل الصلاحيات التي تخول لها تنظيم الأنشطة الرياضية الخاصة بها وتطويرها طبقا لترتيبها الداخلية ولنظامها الأساسي.
وحيث في هدي ما سلف بيانه فإن الجامعة التونسية لكرة القدم تسهر على تسيير مرفق عام وتتمتع بصلاحيات تنم عن استعمالها لامتيازات السلطة العامة لذا فإن القرار الصادر عن رئيسها بالدعوة للجلسة العامة الانتخابية بتاريخ 18 مارس 2016 يتنزل في هذا الإطار باعتباره محددا لمن يوكل إليه أمر الإشراف على تسيير هذا المرفق العام الرياضي ويعد بالتالي من فئة القرارات الصادرة في المادة الإدارية على معنى الفصل 3 من قانون المحكمة الإدارية ويرجع النظر فيه لقاضي تجاوز السلطة وتوقيف تنفيذه للرئيس الأول للمحكمة الإدارية طالما أن قضاء توقيف التنفيذ يعتبر فرعا من دعوى تجاوز السلطة.
وحيث ولئن أقر الفصل 14 جديد من المرسوم عدد 66 لسنة 2011 المنقح للقانون عدد 11 لسنة 1995 المذكور أعلاه وأجاز للجامعات الرياضية تحديد أنظمتها الأساسية وتراتيبها الداخلية ومن بينها تحديد القواعد والإجراءات المتعلقة بشروط الترشح وبالاقتراع وطرقه وغير ذلك من المسائل المتعلقة بفرز الأصوات والاعلان عن النتائج.
إلا أن عمل هذه الجامعات في هذه المادة وإن بدا متناغما مع لوائح ومواثيق هياكل رياضية إقليمية ودولية لا تعدو أن تكون مجرد منظمات دولية غير حكومية تتخذ الشكل القانوني للجمعيات وفق تشريعات البلدان المنتصبة بها ولا احتجاج بالنصوص الخاصة بها ولا تأثير لها على القانون الداخلي التونسي من حيث إسناد الاختصاص الحكمي لأعمال الجامعة التونسية لكرة القدم لقضاء الدولة ممثلة في المحكمة الادارية كلما تعلق الأمر بتسيير المرفق العمومي وبالتالي فإن أعمال هذه الجامعات يتحتّم أن تكون متطابقة مع التشريعات الوطنية السارية المفعول.
وحيث لئن مثلت الجامعة التونسية لكرة القدم حسب القانون الأساسي عدد 1 لسنة 1995 هيكلا خاصا وفق فصله الأول يسهر على تسيير مرفق عام رياضي بمقتضى الفصل 9 منه، غايته المصلحة العامة المتمثلة في تكوين الشباب وتأطيره وتنمية قدراته البدنية والفنية والرّقي به إلى أرفع المستويات الرياضيّة والأخلاقية حسب منطوق الفصل 2، كلّ ذلك كيفما سبق بيانه في إطار الاختيارات الوطنيّة بغاية تنظيم الأنشطة الرياضية وتطويرها مثلما ورد بالفصل 12، إلا أنّ هذا الهيكل الخاصّ حسب الفصل الأول من نظامه الأساسي يمثل في نفس الحين جمعيّة خاضعة لقانون للجمعيات عدد 154 لسنة 1959 وكافة تقيحاته الملغى والمعوّض بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بالجمعيات.
وحيث أن الحرية الموكلة للجامعة في تحديد نظامها الأساسي وترتيبها الداخلية بمقتضى الفصل 14 جديد من المرسوم والتي كيفما سبق بيانه لا يمكن أن يكون بمنأى عن رقابة قضاء الدولة وبالتالي ولاية المحكمة الإدارية كيفما يوجبه الدستور والتشريعات السارية المفعول، كما أنها كذلك واجبة الخضوع صلب نظامها الأساسي ومن خلال نشاطها إلى ضوابط الواردة بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011 سالف الذكر والمتمثلة أساسا في احترام مبادئ دولة القانون والديمقراطية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان كيفما ورد بالفصل 3 وتحجير ما من شأنه الدعوة إلى التمييز مثلما أقرّه الفصل 4.
وحيث يكون موكولا للدولة اتخاذ جميع التدابير اللازمة والكفيلة بدفع واجتناب أي تمييز ضارّ فعلا وقانونا أو جراء إجراء تعسفي آخر نتيجة للممارسة المشروعة للحقوق موضوع هذا المرسوم، كما أن حق الانخراط في الجمعيّة بالرغم من حريّة هذه الأخيرة في تحديد شروط العضوية صلبها لا يجب أن يعارض أحكام هذا المرسوم بما ينال من جوهر هذا الحقّ كيفما اقتضاه الفصل 17 من ذات المرسوم».
ويتبين من تعليل هذا القرار أن الرئيس الأول ينطلق من مقولة قديمة لدى جانب من قضاة المحكمة الإدارية، يعتبر أن المحكمة الإدارية تستمد اختصاصها مباشرة من الدستور، الذي يحيل إلى قانون أساسي وهو القانون الأساسي عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في غرة جوان 1972 وفق تعديلاته، ويمنح كتلة اختصاص للمحكمة الإدارية في المادة الإدارية بوجه عام، سواء تعلق الأمر بقضاء الإلغاء أو بغيره من الدعاوى الإدارية (وهو ما كرسه الفصل 116 من الدستور الجديد).
ولهذا السبب لم يشر الرئيس الأول في قراره إلى الفصل 19 من مجلة التحكيم الذي يمنحه اختصاصا واضحا في مجال الإجراءات الوقتية والتحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم، كما لم يشر إلى القانون الأساسي للجنة الأولمبية الوطنية التونسية الذي نص على إحداث الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي ولا إلى قواعد التحكيم المعتمدة من قبل الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي. فهو يعتبر أنه لا يستمد اختصاصه من مجلة التحكيم التي هي قانون عادي (وليست قانونا أساسيا) علاوة على أنها تقر بنقل الاختصاص في ما يتعلق بأصل النزاع إلى هيئة التحكيم، ولا يستمده أيضا من إرادة الأطراف سواء تعلق الأمر بأطراف العقد التأسيسي للجنة الأولمبية الوطنية التونسية أو بأطراف العقود التأسيسية المحدثة للجامعات الرياضية، ولا من إرادة أطراف نزاع بعينه.
وبهذا التوجه، يمحى التحكيم الرياضي كليا. فإذا تقرّر نفس التوجه في الدعوى الأصلية المرفوعة أمام المحكمة الإدارية بتركيبتها الجماعية فإن ذلك يعني أنه لا مجال لتعهد الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي أو محكمة التحكيم الرياضي بلوزان (سويسرا)، كما يصبح من العبثي التفكير في إحداث مؤسسة تحكيم جديدة كهيئة التحكيم في نزاعات كرة القدم CNAF التي تعهد بإحداثها رئيســـا القائمتيــــــــن المرشحــــــتين للانتخابات بدرجات متباينة من الوضوح.
وجدير بالتذكير أن محكمة الاستئناف بتونس كانت قد اعتبرت في قضية حنبعل جغام (2012) أن التحكيم الرياضي له مشروعية ثابتة، غير أن الانتخابات الرياضية تعد من المسائل المتصلة بالنظام العام التي لا يجوز فيها التحكيم، وبالتالي أقصت التحكيم من مجال النزاعات الانتخابية الرياضية، خلافا لمجلس الدولة الفرنسي الذي اعتبر أن تسيير المرفق العام الرياضي يدخل في اختصاص القاضي الإداري في حين أن ما يهم تنظيم هذا المرفق العام كانتخابات الجامعات (التي هي جمعيات على معنى قانون الجمعيات) يدخل في اختصاص القاضي العدلي، وهو ما يعني مبدئيا أنه قابل للتحكيم لأنه يتعلق بالمصالح الخاصة.
لقد ذهب القرار الصادر عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية في 16 مارس 2016 إلى أبعد مما توقعه كلا الطرفين في قضية انتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم، وهو يكسر المركبة بالجميع ويعيدنا إلى نقاشات خلناها انتهت عهد الثورة الفرنسية، حول التقسيم الثلاثي
لسلط الدولة وتأثيره على وجود التحكيم كآلية مزاحمة للسلطة القضائية. واليوم نحن مضطرون إلى إعادة طرحه من جديد على بساط النقاش، بعيدا عن تشنّج النقاسات المصلحية، لأنه إذا محي التحكيم الرياضي، فلنتوقع الأخطر والأسوأ. فالفصل 108 من الدستور بمكن أن يمحو التحكيم تماما بإقراره لمبدإ التقاضي على درجتين. وهذا أمر نبّهنا إليه حين كان الدستور في آخر لمسات إعداده، وذكّرنا به بعد صدور الدستور، ونعود إليه اليوم وغدا لما له من خطورة لم تكن خافية علينا.
نحن في حاجة اليوم إلى حوار معمق وهادئ ورصين حول مستقبل التحكيم في ظل الدستور الجديد، يكون التحكيم الرياضي من أبوابه دون أن يحتكر كامل أضوائه وصخبه.