مهرجان روحانيات بنفطة: بين سحر المكان وجمالية النوتة تهيم الروح شوقا

هامت الأرواح الباحثة عن الجمال في الكوفة الصغرى لأربعة ايام، هامت الاجساد بحثا عن حكايا السابقين ورغبة في كشف اسرار المريدين

هامت القلوب في رحلتها بين المناطق التاريخية والدينية في نفطة قبلة العشاق ومحبي الموسيقى الصوفية.
في مهرجان روحانيات بنفطة التقى الجمهور مع باقة من الانماط الموسيقية الصوفية، لقاء النشوة والصدق، هيام بالمكان والاشعار الباحثة عن حقيقة المعشوق.
نفطة مدينة اللقاء
«هيام» هو شعار الدورة الرابعة لمهرجان روحانيات نفطة، هيام بالموسيقى بكل تلويناتها ونوتاتها التي تخترق القلب جمالا وتنتصر للحياة، في نفطة كان اللقاء مع الموسيقى من الحضرة الى الموسيقى الصوفية فالجاز والموسيقى الالكترونية، انماط مختلفة وايقاعات تختصر العالم في نوتات تدافع عل القلوب المحبة والارواح الهائمة فالمهرجان لا يقتصر على نمط موسيقي واحد اردناه متعددا ينفتح على اذواق الشباب والموسيقى المتجددة، فنفطة مدينة مفتوحة على كل الايقاعات وابنائها يتذوقون كل التلوينات الموسيقية، مدينتنا مدينة للعشق هكذا اردنا ان يكون المهرجان حسب تعبير المدير لزهاري نصر.
فتحت المدينة ابوابها وازقتها وشرعت نوافذها التاريخية ليعرف زوارها القليل من اسرارها، فنفطة جوهرة تتوسط الرمال والواحات، درة علم وموسيقى منذ الازل والروحانيات فكرة وتظاهرو تعيد للمدينة بريقها، من دار الوادي وسط المدينة العتيقة تنطلق الجولة الصوفية وتتبع خطى العشاق، ثم المسرح البلدي وتكون نهاية اللقاءات لمع طريق المريدين يوميا في حلقات ذكر تنطلق بعد منتصف الليل ،في اكثر من مقام على غرار مقام ابي علي السني وسيدي مرزوق وسيدي حسن عياد، لقاءات ليلية بعد ان تسكن المدينة ويخلد الجميع الى سباتهم، يبقى القمر ليحرس المريدين في رقصهم وذكرهم وانعتاقهم التدريجي من سلطة الجسد وسطوته، تبدأ الحلقات في الغناء والتخمر مع الكلمة حدّ النشوة»جميع جوراحي سجدت وماء وضوئها شوقي فان اخفيت ما حمّلت من وجد، ومن توق راى اهل المحبة في جبيني غزّة العشق».
يحيى زادة موسيقاه حرية
«هذي الروح تشتاق اليك» قد تكون الجملة المشتركة بين الصوفيين، ومريدي نفطة، فالروح تشتاق للطمأنينة والهدوء، تشتاق الروح لجمال الموسيقى في صخبها وهدوئها، تحتاج الروح جرعة أمل ومساحة من الانعتاق توفرها الموسيقى الصوفية لزوار نفطة.
تختفي كل الحواجز الجغرافية امام صوت الموسيقى، ايقاعات عالمية وتقليدية تعبر عن ثقافات الشعوب هي وسيلة المتلقي لاكتشاف الاخر فالموسيقى صوت الروح وصداها وفي «الروحانيات» تهيم الروح وجدا وشوقا بحثا عن الصفاء والانطلاق الى فضاءات ارحب حيث تنتفي الحدود وتنسى الجغرافيا ويتعرّى الانسان من كل قيوده ومكبلاته وموسيقى الفنان يحى زادة كانت اجمل بلسم للروح المنهكة، موسيقاه لا تحتاج الى جواز سفر، فقط الانصات جيدا للالات الموسيقية وهي تكتب الياذة الحياة والحبّ الابدي.
في المسرح البلدي بنفطة كان اللقاء الساحر الثاني، لقاء موسيقي صوفي ووجداني قدمه ثلاثة عازفين من ايران، جمعتهم الموسيقى واشعار عمر الخيام وقصص العشق الكثيرة فكتبوها في الحان تهيم معها الروح ويطرب لها القلب شوقا ومتعة.
تتماهى الروح مع الموسيقى، تنسجم حركات العازف وملامح وجهه مع ايقاعاته الحزينة، موسيقى موجعة تخرج من قلب «كرنا» تلك الالة الضاربة في القدم وهي تشبه الة الناي كثيرا وتشاركه في موسيقاه الموجعة وشعوره بالغربة، هي غربة الحلاج عن بني بشرته، غربة الشعراء الصوفيين في رحلة البحث عن المعشوق، غربة النفس امام سطوة الجسد وغربة الحالم قبالة المتمسكين بمتع الحياة، تتبع كرنا صوت الحلاج في صراخه بحثا عن الحقيقة، تصحب اضطراب انفاسه فتكون الموسيقى كوجع يخنق النفس قبل تحررها.
موسيقاهم هويتهم، فالموسيقى كانت ولازالت وسيلة لمعرفة الشعوب، الموسيقى جزء من الذاكرة وسبيل لمعرفة ثقافات الاخر والموسيقى لدى يحى زادة و مجموعته جواز سفرهم الى العالم ليقدموا انغامهم التقليدية وحكاياتهم مع شعر التصوّف وشطحات المتصوّفة.
في العرض يستعمل الموسيقيون الآلات التقليدية عنوان التشبث بالهوية ولحمل التاريخ بين جنبات الموسيقى، تتوسط «كرنا» الركح يبدع في عزفها يحى زادة لتكون مطيته الاولى للحلم ولاجبار الروح على ملامسة سماء الصفاء، الى جانبه تتربع سيدة الموسيقى الايرانية «الجنك» او «الباربات» العود الفارسي القديم، موسيقاه تشبه الة الربابة تضع المتفرج في عوالم الف ليلة وليلة ليشدو بالحب وتزهر الروح شوقا وتشرق اطلالات الربيع على الجسد المنهك، موسيقاهم على ايقاع كلمات العشق:
أيُهَّا الفُلَك لا تدر بدوني، ويا هذا القمر لا تسطع إلا بي
أيتها الأرض لا تجوبي بدوني، وأيها الزمن لا تمض إلا بي
فهذا الكون بك أجمل، وذاك الكون بك أبهى
ولا كان هذا الكون إلا بك ولا أمسى بسواك.
أمام جمهور نفطة ينتشي يحيى زادة بموسيقاه يبدع في العزف فيتماهى مع الصورة الكلاسيكية لعازف العود الاسطوري «الفهليز» وهو في بلاط كسرى انشروان يعزف ويهيم مع الة «العود» ليصبح ايقونة للابداع يتداولها عازفي المشرق، وامام جمالية المكان وسحر الروحانيات قدم زادة مجموعة من المقامات الموسيقية الايرانية على غرار «الشور» و»الماهور» و»سيكا» و»نوا» ونغمات مثل «اصفهان، بيات ترك، افشاري» وجميعها كانت ايذانا بالرحيل الى عوالم تنتفي داخلها الحدود.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115