في «الأيام التـراثية الأولـى للتراث الثقافي غير المادي» بتستور: تثمين لذاكرة حية يسردها التاريخ وتحرسها الأجيال

كم من المدن التي تتسع لأكثر من ذاكرة وحضارة؟ وفي حضرة مدينة تستور تصغر الأوصاف وتقصر النعوت في محاولة رسم صورة لمدينة تفوح بعبق الأندلس

وتحتفظ بآثار البربر وتطبخ أطباق اليهود وتعزف المالوف و تغني لحبيبة مسيكة ... ربما يكون علينا ونحن نسير في أزقة تستور أن نتخلى عن النظر إلى ساعاتنا العادية والاحتكام إلى ساعة المدينة الشهيرة في دورانها على عكس عقارب الزمن.
وقد اختارت «وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية» أن تحتضن تستور الدورة التأسيسية لتظاهرة «الأيام التــراثية للتّراث الثّقافي غير المادي» والتي انطلقت يوم 17 أكتوبر الجاري لتتواصل إلى غاية 2 نوفمبر 2022.
تستور تحتفي بعناصر التراث غير المادي من كل الجهات
على نخب احتفال تستور بموسم رمانها الشهير وقرب انطلاق مهرجان الرمان بتستور بعد أيام قليلة، استضافت هذه المدينة «الأيام التــراثية الأولـى للتراث الثقافي غير المادي» لتكون أول تظاهرة تقام بمقهى الأندلس الذي عادت إليه الحياة بعد 20 سنة من الغلق والإهمال.
وقد قامت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بناء على اتفاقية مع بلدية تستور بترميم وتهيئة هذا الصرح المعماري والثقافي وتحويله إلى مركز لتقديم التّراث الثّقافي لمدينة وفضاء لاحتضان التظاهرات الثقافية بقيمة 500 ألف دينار.
وبعد تدشين مقهى الأندلس في حلته الجديدة في شهر جوان 2022، احتضن هذا المقهى الشهير الأيام التــراثية الأولـى للتراث الثقافي غير المادي في استرجاع لمكانته وإشعاعه لدى أهالي تستور وزوارها المتعطشين إلى استنشاق عطر الأندلس في زقاق المدينة التي وثق فيها الموريسكيون لرحلة الشتات والتهجير وفق ما تشير إليه ساعتهم «المقلوبة» التي يرجح أنهم أصروا على جعلها تدور إلى الوراء في حنين إلى زمن مضى وتحسر على ربيع أيامهم في موطنهم، الأندلس.
في افتتاحها لتظاهرة الأيام التــراثية الأولـى للتراث الثقافي غير المادي، أكدت المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية آمال حشانة أنّ تأسيس هذه الأيام التراثية كان دافعه التعريف بالتراث الثقافي غير المادي وتثمينه باعتباره تراثا حيا وهشا لا بد من حمايته من الاندثار من خلال الحرص على تمرير عناصره بين الأجيال ونقل مهاراته ومعارفه حتى تتواصل هذه الحرف والفنون في الزمان والمكان. وأشادت آمال حشانة بدور المرأة في التمسك بالموروث والحفاظ على التراث غير المادي، واصفة النساء بحارسات التاريخ والذاكرة.
على مر التاريخ، كانت تستور أرض الحوار والجوار بين الثقافات والأديان. واليوم باحتضانها الأيام التــراثية الأولـى للتراث الثقافي غير المادي لم تحتكر حدث الاحتفاء بهذا التراث لوحدها بل فسحت المجال للتعريف بعناصر أخرى للتراث غير المادي من كل ربوع الجمهورية التونسية على غرار عنصري الصيد بالشرفية بجزيرة قرقنة والنخلة:المعارف والمهارات والتقاليد» المسجلين في قائمة اليونسكو وصنع «الهريسة» في نابل. وقد قدمت تونس ملف «الهريسة:المعارف والمهارات والممارسات المطبخية والاجتماعية» إلى اليونسكو قصد تسجيله على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.
استعداد للاحتفال بالذكرى 20 لاتفاقية صون التراث غير المادي
على إيقاع غير معتاد، عاشت مدينة تستور ديناميكية وحيوية في شوارعها وأزقتها بفضل احتضانها للأيام التّــراثية الأولى للتراث الثقافي غير المادي بمركز تقديم التراث الثقافي بمدينة تستور(مقهى الأندلس). وبعد الافتتاح الرسمي يوم 17 أكتوبر الجاري تتواصل التظاهرة إلى غاية 2 نوفمبر 2022 من تنظيمم وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث والديوان الوطني للصناعات التقليدية وجمعية تراث تستور وجمعية المحافظة على الساعة الأندلسية بتستور ومهرجان الرمان بتستور وجمعية الأندلسيات للثقافة الاجتماعية بتستور وجمعية صيانة مدينة نابل وجمعية نكهة بلادي ومخبر الآثار والعمارة المغاربية.
وعن دلالة اختيار هذا التاريخ لتنظيم الدورة الأولى للأيام التراثية للتراث غير المادي بتستور، أفادت منسقة التظاهرة ثريا العامري أنّه في إطار الاستعداد للاحتفال بالذكرى 20 لاعتماد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في 17 أكتوبر 2003. وأكدت ثريا العامري أن الاحتفاء بعناصر التراث الثقافي غير المادي من حرف وفنون وأكلات تقليدية وألعاب شعبية من خلال المعارض التوضيحية والأفلام الوثائقية والورشات التطبيقية والمحاضرات العلمية لا يقتصر فقط على التعريف والتثمين بل يبحث في إشكاليات صون عناصر التراث الثقافي غير المادي في كل ربوع الجمهورية حتى تبقى حية ونابضة بموروث تونس الثقافي والحضاري.
وإلى حدود سنة 2018 كانت تونس غائبة تماما عن قائمة التراث العالمي غير المادي، وبفضل فخار سجنان التحقت بلادنا بقائمة اليونسكو، لتفتخر اليوم بتسجيل أربعة عناصر أخرى من هذا التراث الحي. ففي سنة 2019 تم إدراج عنصر نخيل التمر (المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات) في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية. أما في سنة 2020 فقد نجحت تونس في تسجيل عنصرين اثنين في وقت واحد لدى اليونسكو، وهما الصيد بالشرفية بجزر قرقنة (ولاية صفاقس) والكسكسي باعتباره عنصرا تراثيا مشتركا مع المغرب والجزائر وموريتانيا. وأخيرا تم تسجيل الخط العربي ضمن ملف مشترك في قائمة التراث العالمي غير المادي سنة 2021 . ومن المنتظر أن تسجل تونس في قادم الأيام عنصر «الهريسة» في التراث العالمي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115