• المادة السادسة: نظام الصيام ليس للتعذيب، بل للتدريب والتهذيب، فهو نظام لصالح العباد صحياً ونفسياً وإيمانياً (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (البقرة:184) وهذه خاتمة لبيان سبب عام لتشريع الصيام، وعند أحمد عن أبي أمامة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه سلم، فقلت: مرني بعمل يدخلني الجنة، قال: (عليك بالصوم، فإنه لا عِدْل له)، و{خير} في الآية ليس للتفضيل، بل للاستبداد، بمعنى أن الصوم يحمل كل خيرٍ لكم، وتركه، أو التلاعب به بعدم تأديته على ما أمر الله يذهب بهذه الخيرية.
ثانياً: النظام التفصيلي للصيام: تكون من عشر مواد:
• المادة الأولى: وقت الصيام المفروض: (شهر رمضان) (البقرة:185).
• المناسبة والاتصال:
1) بعد أن ذكر الله تعالى أن الصيام (أياما معدودات) أراد أن يبين موعده، وهو شهر رمضان، والحكمة في تخصيص هذا الشهر بهذه العبادة هي أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
2) قال ربنا عز وجل أولاً: (كتب عليكم الصيام) (البقرة:183) وهذا محتملٌ ليوم ويومين وأيام، ثم بينه بقوله تعالى: (أياما معدودات) فزال بعض الاحتمال، ثم بينه بقوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) (البقرة:185) فعلى هذا الترتيب يمكن جعل الأيام المعدودات بعينها شهر رمضان، والحكمة في ذكر (الأيام) مبهمة أولاً، وتعيينها بعد ذلك: أن ذلك الإبهام الذي يشعر بالقلة يخفف وقع التكليف بالصيام الشاق على النفوس.
• المادة الثانية: سبب تخصيص رمضان بالصيام: القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة:185) فالصيام والقرآن هما الشفيعان القرينان، والقرآن نزل في شهر رمضان، فأمر الله بصيامه، فعن عبد الله بن عمرو -فيما رواه أحمد والطبراني- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان له).
ولشدة الحفاوة بالقرآن في شهر الصيام، وصف الله القرآن هنا بثلاث صفات:
• الصفة الأولى: (هدى للناس) رَشاداً للناس إلى سبيل الحقّ والسعادة في الحياة.
• الصفة الثانية: (وبينات من الهدى) واضحات من البيان الدالّ على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.
• الصفة الثالثة: (والفرقان) والفصل بين الحق والباطل.
وسبب الاستطراد بذكر صفات القرآن قبل الأمر بصوم الشهر؛ أن الله تعالى ابتدأ هنا بذكر شهر رمضان وإنزال القرآن فيه، ووصف القرآن بما وصفه به، حتى كأنه يحكي عنه لذاته بعد الانتهاء من حكم الصوم، ثم ثنى بالأمر بالصيام، فلم يفاجئ النفوس به مع ذلك التمهيد له حتى قَدم العلةَ على المعلول.
• المادة الثالثة: صوم رمضان فرض لمن شهد الشهر: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (البقرة:185).
• المادة الرابعة: يقضيه أصحاب الأعذار وفق ما سبق: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة:185).
• وأعاد ذكرهم:
1) لأن ما سبق كان كلاماً عن الأسس العامة للصيام، وهنا كلام عن رمضان وأهميته.
2) قيل: لما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصةً، أعاد الرخصة للمريض والمسافر، لئلا يُتوهم أن الرخصة أيضاً منسوخة، أو أنها لا تحمد فيه "ولولا ذلك ما أتاها متق لله في صيامه".
يتبع