العلم: مفتاح السؤال المسألة السادسة: التقيّؤ

من عدّة مسائل في الصيام في ضوء المذاهب الأربعة هي مسألة التقيؤ، وقد فرّق الفقهاء بين القيء الذي يخرج من دون قصد من المرء وبين الاستقاءة

وهي إخراج القيء عمدًا، فالفقهاء لم يختلفوا في عدم إفطار من ذرعه القيء سواء كان قليلًا أم كثيرًا ملء الفم؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ ذرعَه القيءُ فليسَ عليهِ قضاءٌ، ومَنْ استقاءَ عمدًا فليقضِ"، أمّا في حال عاد القيء بنفسه إلى الجوف من بغير فعل الصائم فهو لا يفطر على الصحيح من مذهب الحنفية، وأمّا لو أعاده بنفسه ولو كان مقدار حِمَّصَةٍ فإنّه يفطر باتّفاق الحنفيّة، وأمّا المالكيّة فعندهم القيء لو عاد بنفسه أو بجهد من الصائم قليلًا كان أم كثيرًا فإنّه يفطر وإن كان الرجل ساهيًا أو ناسيًا وعليه القضاء، وأمّا الحنابلة فعندهم لو عاد القيء بنفسه فإنّ الصّائم لا يفطر، وأمّا لو أعاده بنفسه فإنّه يفطر، وأمّا الاستقاءة فهي مفطرة موجبة للقضاء عند الجمهور من الحنابلة والشافعيّة والمالكيّة، مع الاختلاف في الكفّارة، وأمّا الحنفيّة فلهم تفصيل في ذلك؛ فإن أخرَجَ الصائم ما في جوفه عمدًا والصائم متذكرٌ لصيامه غير ناسٍ وكان القيء ملء فيه؛ فهو مفطر وعليه القضاء لدلالة الحديث السابق، وأمّا إن كان القيء لم يملأ الفم ففيه وجهين عند الأحناف فمنهم من قال يفطر، ومنهم من قال لا يفطر لعدم الخروج حكمًا، ونصّ الحنفيّة على أنّ هذه الأحكام في حال كان الذي خرج قيئًا معروفًا من الطعام، أمّا إن كان بلغمًا فهو لا يفسد الصوم عند الإمام أبي حنيفة وبعض تلاميذه .

المسألة السابعة: قضاء رمضان.
في مسألة قضاء رمضان؛ فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الذي يفطر أيّامًا من رمضان كالمريض والمسافر فإنّه يقضي أيّامًا بعدد الأيّام التي أفطرها لقوله تعالى في سورة البقرة: "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" وأمّا من أفطر كلّ رمضان فإنّه يصوم شهرًا، وقال بعض المالكيّة إنّه إن أفطر رمضان وكان ثلاثين يومًا فإنّه يصوم شهرًا كاملًا، فإن كان شهر القضاء تسعةً وعشرين يومًا لزمه أن يصوم يومًا آخر، وإن كان رمضان تسعة وعشرين يومًا وكان شهر القضاء ثلاثين فإنّه لا يلزمه صيام اليوم الأخير، وذهب علماء آخرون من المالكيّة إلى أنّه يصوم شهرًا بالهلال؛ فلو كان أفطر رمضان كلّه وكان ثلاثين يومًا وصام شهرًا كاملًا وكان الشهر تسعة وعشرين يومًا فذلك يكفيه، وأمّا أتباع المذهب الحنبلي فقالوا -وهو ظاهر كلام الإمام أحمد- إن قضى شهرًا هلاليًّا فإنّ ذلك يكفيه سواء كان الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يومًا، وأمّا إن قضى بأيام متفرقة فعليه صيام ثلاثين يومًا، ويجوز للصائم أن يقضي يومًا صيفيًّا عن يوم شتائي والعكس كذلك،

وللصائم الحريّة في قضاء رمضان في أيّ وقت، متتابع أم متفرّق، ولكن قيّد الجمهور ذلك بعدم مجيء رمضان؛ لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ" قَالَ يَحْيَى: "الشُّغْلُ مِنَ النبيِّ أوْ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ". فإن أخّره إلى رمضان الآخر فهو آثم عند الجمهور، وعليه الفدية عن كلّ يوم إطعام مسكين وذلك قول عدد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعًا، وأمّا الأحناف فتراخي وقت الصوم على إطلاقه؛ فليس شرطًا أن يصوم الأيّام التي عليه قبل مجيء رمضان، ولو جاء رمضان ولم يقضِ أيّام الصوم الماضية فيقضيها بعد رمضان ولا فدية عليه؛ لإطلاق قوله تعالى: "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"، وعند غير الحنفية فإنّه لا يصحّ صيام التطوّع قبل أداء الفرض، بل إنّ ذلك محرّمًا، حتى لو كان نذرًا فإنّه يصومه بعض قضاء الفرض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115