في عصر واحد من أئمة مذهب مالك، والثلاثة هم: محمد بن سحنون، وهو قيرواني مثله، ومحمد بن عبدالحكم، ومحمد بن المواز، وكلاهما مصري، وعن محمد بن عبدون أخذ جماعةٌ لا يُحصَون من أبناء إفريقية والأندلس، وألَّف كُتُبًا كثيرة؛ منها كتاب التفاسير فَسَّرَ فيه أصول الفقه وشرح مسائل، والمدونة وغيرها، وتوفّي سنة 260 هـ».
فهؤلاء وغيرهم هم الذين ادَّخرهم الإمام سحنون وتركهم لخدمة المذهب من بعده.
• رابعًا: الإمام سحنون وخدمته للمذهب من خلال القضاء:
لَمَّا تولَّى الإمام سحنون القضاءَ عمِل على ترسيخِ المذهب المالكي داخل إفريقية، وذلك بوضع أُسُس للأسرة والأسواق والمعاملات وغيرها، وَفْق المذهب المالكي، وقام أيضًا بالقضاء على باقي الفِرَق التي تضيق الخناق على مذهب مالك، واهتم بالتدريس ونشر الفقه المالكي بنفسه، لم يشغله القضاء عن ذلك، قال الدكتور حسين التونسي الصمادحي: «وصارت حلقة تدريسه أكبر حلقةٍ عُرفت لأستاذ، قيل: إنه كان يجلس فيها أربعمائة طالب علم، ولِمَا ناله سحنون من الشهرة والصيت البعيدِ أولاه الأمير الأغلبي قضاءَ إفريقية سنة 234 هـ، فأظهر مقدرة منقطعة النظير في تنظيم مهمة القضاء، بل إنه وضع الكثيرَ مِن أصول المؤسسات الشرعية في إفريقية؛ مثل دستور أحكام السوق، وهي وظيفة الحِسبة، ونظام قضاة الآفاق، وكشف الشهود، وسنن التعليم الابتدائي، وتعيين أئمة المساجد، إلى غير ذلك من الأوضاع التي جرى بها العمل مئات السنين، وما زال بعضها سُنَّة متَّبعة إلى يوم الناس هذا، وفي مدة قضائه اجتهد سحنون في تعطيل الدروس التي كان يُلقيها أصحاب الأهواء والنِّحل الخارجة عن السُّنة في الجامع الكبير، مسجد عقبة بالقيروان؛ مثل: الصُّفْرِيَّةِ، وَالمُرْجِئَةِ، وَالمُشَبِّهَةِ، وَالمُعْتَزِلَةِ، وغيرهم، حتى ألزمهم إخلاء الجامع من حِلَقهم، ولم تَعُدْ إليه بعد».
وعليه؛ فيكون الإمام سحون قد رسَّخ المذهب المالكي ونشَره وخدَمه خدْمة جليلة من خلال التدريس والإفتاء والقضاء والتدوين.
• خلاصة:
وهكذا فقد نشأ الإمام سحنون نشأةً علمية استطاع من خلالها بلوغَ درجة المجتهدين، حتى فاق علماء زمانه، وذلك جعله يعملُ مِن أجل خدمة المذهب المالكي، ونظرًا لعلمه الغزير، فقد استطاع الذبَّ عن المذهب، وخدمته خدمة جليلة من خلال التدريس والتأليف والقضاء، وبذلك نشر المذهب المالكي في إفريقية (تونس) وفي كثير من البلدان الإسلامية.