شخصيات: سيدي أبو علي النفطي أو «سلطان الجريد»

أبو علي النفطي أو «سلطان الجريد» سكن سدادة من بلاد الجريد وهو من أهل العلم الموفقين، كما عرّفه ابن الطواح في «سبك المقال» .

وكان أبو علي النفطي واحدا من الجماعة التي تتلمذت لأبي مدين شعيب (ت594هـ/1197م)، وبرزت في الأسرار الصوفية. وقد اختار الاستقرار في بلاد الجريد بمدينة نفطة التي كانت تتسع آنذاك لمذاهب ونزعات فكرية عدة، وهو ما جعل البكري يطلق عليها اسم «الكوفة الصغرى» ويظهر ذلك مما نقله ابن الطواح من ردود فكرية وجدلية بينه وبين يعقوب الطري الذي كان أحد متكلمي الخوارج. ونجد الكثير من النصوص المنقبية التي حفت بسيرة الولي أبي علي النفطي. فبالإضافة إلى مناقب أبي سعيد الباجي التي ورد فيها ذكر بعض مآثره، ومناقب أبي يوسف يعقوب الدهماني التي تثني على درجة هذا الولي وعلوّ منزلته في الولاية، كتب الحسن بن أحمد البجائي مؤلفا في مناقبه لا توجد منه إلاّ بعض المقتطفات الواردة في مجاميع مناقب الأولياء بتونس.

وقد جمع محمد السالم بن أحمد التواتي الفاسي، الذي استقرّ مدّة بالبلاد التونسية، أهمّ ما احتفظت به الذاكرة من مناقب أبي علي النفطي وسيرته، ثم دوّن أهمّ ما أثر عن هذا الولي من أقوال وأوراد وأشعار وحكم في مصنف منقبي كتب أواخر القرن التاسع عشر (1314هـ/1897م). وعرف أبو علي النفطي بعمق تفكيره الصوفي فهو لم يكتف بالتذوّق الوجداني بل ألف في المسائل النظرية الصوفية، مناديا بفهم الدين فهما عرفانيا.

وقد أورد ابن الطواح ردّ أبي علي النفطي على رسالة أبي يعقوب الطري في ما يتّصل بحقيقة المعرفة الصوفية وطريقها، ويؤاخذ عليه الاعتقاد في ذلك، وهذا طبيعي باعتبار أنّ الخوارج من الفرق المغالية في استعمال الأقيسة والرافضة للنزعات الاشراقية والذوقية في قراءة النصوص الدينية. وقد كان أبو علي النفطي نشطا في ردوده على الخوارج ومجادلته لهم، وإنكاره عليهم أقوالهم في عدّة مسائل، حتى لقّبه مؤرّخو الفرق وكتاب المقالات الكلامية بأبي علي السّنّي، غير أنّ النفطي في ردوده هذه لم يصدر فحسب عن مرجعية سنية بل كان ينفتح بالفكر السنّي على آفاق أخرى يتداخل فيها التصوّف بالفلسفة.

وقد رفض أبو علي النفطي تأييد جهود يحيى بن إسحاق بن غانية الميورقي للاستيلاء على مدينة تونس في المدّة الفاصلة بين سنتي 600هـ/1203م و601هـ/1204م لصالح الحكم المرابطي، بعد استبداد بني غانية بإفريقية واتّخاذهم بلاد الجريد معقلا قاعديا لمختلف عملياتهم العسكرية. وكان ذلك عند استقرار أبي علي النفطي بمدينة القيروان بزاوية الولي أبي يوسف الدهماني 621هـ/1224م الذي كانت له مراسلات وصلات متعدّدة بالأمير المرابطي بجامع عقبة بن نافع وهو في أوج انتصاراته العسكرية. ورغم محاولة الأمير استمالة النفطي وكسب مؤازرته فقد اكتفى بالدعاء له بأن «يزرع الجميل حتى يكون للخير محتصدا»، وقد تولّى مؤازرة الحملة التي قادها الخليفة الموحّدي أبو يوسف الناصر سنة 598هـ/1201م لاسترداد مدينة تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115