أنه مصدر أساسي بعد القرآن الكريم وكونه يحتوي على زبدة تراث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلم وألتمسوا في ذلك الأحاديث الصحيحة، فهرعوا إلى من بقي من الصحابة و من التابعين ومن الأيمة الأعلام رضوان الله عليهم أجمعين يسألونهم عما يسمعون من الأحاديث وهل قالها النبي صلّى الله عليه وسلم أم هي كذب مصنوع.
ففي علم الرواية : نشأ ما يسمى بـ«الرحلات» فقد قطع علماء تونس من الرّواة والمحدّثين الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه، خشية خطإ الراوي أو تعمده في الزيادة. فأتجهوا إلى المشرق العربي (مصر، المدينة، مكة، الشام ...) طالبين الرواية، ملاصقين أهلها متكبدين المشاق للتحصيل على الأحاديث النبوية من رجالها ناقلين ما سمعوا، و ما رووا، وما كتبوا إلى القيروان ثمّ الى المهدية ثمّ الى تونس.
وكان من أوئل الرّحالة « خالد بن أبي عمران التوجيبي « (تـ 125هـ/742مـ) مؤسس المدرسة الحديثية التونسية وناشر العلم بإفريقية . حيث أن بعض الدارسين يطلقون على طريقته العلمية اسم مدرسة ويجعلونها تتميّز برواية الحديث و تتأثّر بمنهج المحدّثين بناءً على أنّ شيوخه من كبار المحدّثين، و أنّ أُصُول رسالته الفقهية التي ألّفها من أجوبة أساتذته من الفقهاء السبعة بالمدينة وغيرهم على أسئلته مستمدّة منْ حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فهي على غرار الموطإ.
وبعث الخليفة الأموي «عمر بن عبد العزيز» (تـ101هـ/719مـ) بعثته المشهورة إلى إفريقية. وهي بعثة مكونة من عشرة علماء ليفقهوا الناس ويعلموهم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلهم ثقات عند المحدثين. فأصلوا بذلك علم الحديث والفقه بتونس منذ القرن الثاني هجري، ونشروا الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن السلف الصالح فكانت مشكاة أنوار لطالب الحديث بالمغرب وأصلت لمدرسة الحديث بتونس كما ذكر ذلك أبو العرب التميمي (تـ333هـ/944مـ)، والملاحظ أن جلّ هؤلاء العشرة من رجال الكتب الستة ،وقد ترجم لهم ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب.
ويعتبر «علي بن الزياد»(تـ183هـ/799مـ) من العلماء الذي بثّ علوم الحديث في المغرب فعمت جميع أقطاره دون استثناء وهو أول من وضع بذرة المدرسة الحديثية المالكية بالمغرب إلى جانب الفقه. بعدّ أن جاب أمصار الشرق فزار مصر والحجاز و العراق و أخذ من عُلّمَائها أمثال سفيان الثوّري (تـ161هـ) واللّيث بن سعد (تـ175هـ)، ومالك بن أنّس
(تـ179هـ)، وما عاد إلى وطنه تُونس إلاّ وقد ألمّ بأهمّ علومهم وطرائقهم . وقد أصّل علي بن زياد المذهب المالكي بتونس فكان أول من فسر لأهل تونس قول مالك في الموطإ، وقد جرى على نسق سلفه في إقامة دعائم المدرسة التونسية على «فقه الموطّإ المؤسس على الدّعائم الصحيحة من الحديث و الأثَّار» .
فكان لعمل هؤلاء الرجال أو قُل الجهابذة الأفذاذ دور كبير في حفظ السنة النبوية المطهرة ونشر ماصّح منها في أقطار المغرب العربي والتصدي لتيار الوضع و مقاومة الأكاذيب المختلقة على كلام خير البشر فجزاهم الله كل خير على جهودهم هذه. والملاحظ أن تونس ولاّدة للعلماء فلم تنبض ولن تنبض من العلماء إن شاء الله فقد واصل تلامذة علي بن زياد ثم من وتلاهم إلى حفظ السنة ومضاعفة النشاط العلمي بتدريس علوم الحديث والسنة في المساجد والتأليف في ذلك وقد تزامن ذلك مع بناء الجامع الأعظم «جامع الزيتونة» على يد عبد الله بن الحبحاب سنة 116هـ منارة العلم في المغرب و الأمة بأسرها .
زيتونة نفـحـاتها قُدسيّـة الله بإسمِهِ قدّ أعَزّ جَنَابهَا
أرسى ابن حبحاب قواعـد مجّدِها فأضَاء مصّبَاح التُقَى محرَابهَا.