العَميق. هذه العبارة عِبارتي الشّخصيّة كنْتُ قد كَتبتها ونشرتها في شهر أفريل سنة 1985 ضدّ أيْقونات وأقَانيم «المثقفين» من حملة «القلم» الموالين للوزير الراحل محمد مزالي والذين عبر أحد الشعراء الموالين له رأسا مع صَرْعُوفَة أخرى من «شعراء وزارة الداخلية» كما كنت أسميهم عبر عن كراهيته لي شخصيا وللشاعر المقيم في كتاب الأبدية صاحب «الوصيّة» ومن أقصد غير محمد الصغير أولاد أحمد فكتب حرفيا هذا المشْعور له «الدولة لي... ولكم الخراب». أي نَعَم كانتْ «الدّوْلة» له وكان لنَا الخراب ... يا للذاكرة الماكرة...ويا للتاريخ المنصف.. كتبتُ ضمن ما كنْت قد كتبت:
« لنفترض أن هناك من المثقفين من يعترض علينا - وهو ما حدث فعلا - بقوله:
_انك متشائم، دَعْ عنْك النّظرة السّوداويّة للعالم تَفاءل قليلا يا أخي ..
فليكن - هكذا كتبتُ - أنا أُطالب هذا «المواطن»التونسي صاحب «الوعي السعيد».. صاحب «النّظرة النّورانية» للعالم: من أي مواقع تبثّ خطابك ؟ من موقع المستفيد من السلطة ؟ أم موقع «الوصاية الإخوانية» ؟ أم من موقع التفاؤل الثوري ؟ أم من موقع الحياد الموضوعي ؟
ان تفاؤل بعض المثقفين التونسيين بعصر «الإنفتاح» والتفتّح وحتى التّفاح والديمقراطية ووصول الفلسفة الى الحكم .. يمكن المقايسة بين هذا التفاؤل السّاذج وبين مفعول المسكنات والمنومات من حيث المفعول ذلك أن المنومات تقود الى تراخي الوعي والتجاوز الوهمي للألم وشلّ حركة الفكر النقدي والذي يقود الى الغيبوبة ..
بعض المثقفين التونسيين كل يدعو على طريقته بوعي أو دون وعي إلى الاستقالة، استقالة العقل .. استقالة القلم..استقالة الكلام المرير وحفظ اللسان وتعطيل الأيدي ؟ وباختصار يدعو هؤلاء إلى ما يمكن لي تسميته «التقاعد الالزامي للعقل». تقاعد الزامي ليس فقط لدى المثقف التونسي وانما لدي عموم المواطنين كذلك .نحن نسأل والأجابة تهمنا كثيرا : ما هي الاسْتتباعات المنطقية لدعوة هذا « المثقف « التونسي أو ذاك في زمن التفتّح والإنفتاح الى غياب الحدود بين اليمين واليسار . بين الحاكم والمحكوم .بين الرأسمالية والإشتراكية بين القومية والعِرقية ... بين الشيوعية والإسلام؟
مادام التونسي يعيش عصر التّرحال الإيديولوجي.... يعني أن هناك عَطبا .نعم هناك عَطب في جهة ما ..في قطاع ما في أدمغتنا .طالما بقيت المعالم غير واضحة بين هذه الايديولوجيا وتلك بين هذا المشروع وذاك يظل « العقل العربي « الذي نملك مجرد مادة هامدة لم نفلح بعدُ في تحويلها الى طاقة.ان هذه المسألة في نظرنا تُعتبر قطب الرحى ومن هنا يجب أن نُعيرها كل اهتمامنا ..(...) اذا لم تَظْهر في هذه المرحلة بالذات كتلة من « المثقفين العضويين « لتدافع عن استقلال العقل وليس عن استقالته في هذا الظرف بالذات الذي يسير فيه المجتمع نحو كارثة لا يمكن تحديد معالمها ... فان الموت سيوزع «بالعدل» بين المغضوب عليهم سلطانيا / «أميريا». ذلك ماكنت قد كتبتُ ودوّنْتُ في شأن «الثقافة» التونسية قبل «الحدث النوفمبري» كما كنت أسميه . وحدث الحدث النوفمبري واستعادت الذاكرة أوجاعها القديمة والمستجدة وتمت محاصرة الكثير من أشقائي في الحبر الحر ... ومثلت شخصيا أمام القضاء في 1989 بتهمة «النيل من الأخلاق الحميدة» وبمناسبة تقديم شهادتي على الأوضاع الثقافية في تونس كتبتُ ورقة بعنوان «كيف أعاودك وهذه آثار فأسك أيتها السّلطة الجميلة» مدافعا عن «حرية التفكير ضد التكفير» و«حرية الإبداع ضد الإتباع» كتبت حرفيا:
عن طريق من تمارس الدولة الرقابة وقطع رقاب الأقلام وتكميم أفواه الشعراء والكتاب وتحتجز الكاميرا ..؟ هل أنها تحتكم إلى تقارير الإسكافيين والفلاحين والعمال والمومِسات ومن على شاكلة الشطار والعيارين من طوابير البطالين ..؟ أم أن «المثقف الموظف» والمتخلّف عن مثيله القروسطي هو الذي تسْوَدّ وتـَبْــهَــمُّ وتَظْلَـــمُّ في أعينه الأعمال والنصوص الجميلة والرائعة التي يجْترحها أصدقائي من خلاياهم ويصوغونها من دماء عروقهم فتكلفهم ما تكلفهم من سنيّ حيواتهم: «عباس يفقد الصواب» (حسن بن عثمان) و«نشيد الأيام السته» ( أولاد أحمد ) و«أغنية النقابي الفصيح» ( آدم فتحي) ودع وطني يستيثظ ( منصف المرزوقي ) و«الجنس في الاسلام» ( زياد كريشان ) و«صحائف من ذهب» ( نوري بوزيد ) ... والقائمة... يفَظْلم أفُق السّلْطة فتَحْتَجز هذا الكتاب مدّة أربع سنوات وتُنكد على كاتبه حياته وتُفسد عليه حتى لذّة أحلامه أيام عرسه ..وتشرد الآخر وتتدخل في حياته العاطفية/ العائلية ... وتقود الآخر من المطار إلى قصر العدالة ( هشام جعيط ) بعد أن شرف الوطن في جامعات معترف بها عالميا. ان اعمال وأفْعال أيادى «عنقاء الرّماد» البيضاء طبّقت الآفاق فكيف أُعاودك وهذه آثار فأسك أيتها السلطة الجميلة ..؟
يا للذاكرة الوقاّدة ... في زمن «الرقّادَة في الخَطّ».. فمن من هؤلاء الخلق الحبري التونسي الأصيل وقف الى جانبي حين تفردت بي «السلطة النوفمبرية» ... وجرتني وأجاعتني؟ من منهم لم يعنها عليّ وكل بطريقته ودواعيه وأسبابه اُلإنتهازية..؟ سلامي يذْهب فقط للسيد الشاعر آدم فتحي الذي كان يرْعاني زمن الأوجاع والجوع ..
يبدو أني عِشتُ ما يكفي في السّاح الثقافي نعم الساح الثقافي لأحكم على تَدابير الماسِكين والماسكات بِقُناجٍ الثقافة التونسية منذ زمنها البعيد : فَعلةُ عِصَابات حُكومات الدولة التونسية المتعاقبة ،،،لم تعمل خلال تاريخها الطويل بما فيها هذه الحكومة الهزبرية للسيد الحبيب هزبر الاسد التونسي احيانا وفق عبارتي طبعا غير اعانة الموتى أصلا على الموت ...من أجل تضخيم وتفخيم «العناية الموصولة» بالكتاب والشعراء...
( العظام تصفّر لبَعضها ) دلّوني على كاتب واحد أو شاعر واحد من ابناء جيلي لم يدجنه النظام النوفمبري بطريقة أو بأخرى بالأموال العيْنية وحتى بعض رجالات ونساءات الاتحاد العام التونسي للشغل... تم تَدْجينهم على مُستوى الرأس . الرّشوة والجوائز الرّشَاواتية... والخدمات اللليلة للحرائر... خدّامة
لقد ارد النظام النوفمبري أن يمحو التاريخ المعارض للثقافة التونسية السائدة... وسرعان ما تَدارك أمْره وأدَار خَمره مع بعض الخلق الحبري من «ذوي العناصر الواهية « والخميرة الفاسدة وفق عبارة رشيقة لمولانا جلال الدين الرومي ... فنهج سياسة التطميع والتجويع ... فطمع جل مثقفي تونس وخاصة ( الشعراء والكثير من تراكتورات الجامعة المعتودة / العتيدة ) شعراء التصوف المكذوب مثلا ادركهم «برد اليقين» في قبة التجمع!!! اهلا وسهلا... ومن استعصوا عليه مثلي / واقولها بالفم المليان / اراد ان يعزله ليتركه لوحده... وذلك ما كان بأن مارس سياسة فرق تسد «فاستعمل» رجالات الثقافة « من اجل تفتيت تلك» الكتلة التاريخية « الصلبة ثقافيا ما قبل الانقلاب النوفمبري ،،،بان ...سلك مسلك الترغيب والترهيب ،،،،فطاح ،،، نعم طاح أغلب شعراء وكتاب تونس للرّشوة واكتشفوا ان
أسهل طريق للظّفر بالمال والوجَاهة انما هو الهجاء العلني للسّطة ذاتها ويا للمفارقة ويتبني بعض الهؤلاء موقف السلطة القهري من بعض رفاق الطريق بالأمس القريب « ان البدو اذا وسع لهم أسرفوا « ،، وفق عبارة منارة من المعجم الخلدوني وهل ثمة اسراف اكثر من اسراف الساسة في السياسة سياسة التعاسة... والتقحّب اللغوي ، فتلوح لهم جميعهم ببعض الاموال و الامسيات الشعرية وتُدمجهم كمخبرين في القطاع الثقافي... وتحرّش بين المثقفين لتَتم القطيعة بين ابناء الجيل الواحد كما حصل بيني وبين اكثر من شخص حبري من
ابناء جيلي من ناحية وخلق تناحر بين الاجيال ...من ذلك ان بعض الخلق الثقافي اخد يتحدث عن الجيل التسعيني في الادب باعتباره يكتب الادب الحقيقي في مقابل الادب الايديولوجي... ما قبل النوفمبري كان محمد يسخر منهم بان سماهم «الكاترفنديسيون» ... وشرعوا يؤرخون لزمن «الحذاء العسكري»: شعراء وشواعر التغيير... «نقاد التغيير»، «فلاسفة التغيير»... فما كان منهم الا أن كتبوا سيرهم المجيدة، تلك مقترنة بمشارق أنوار التغيير النوفمبري ويوم ذكرى «ختانهم» أي نعم ... مُقترنة من جهة أُخْرى وأَخْرى بالاهتمام الجامعي الذي لديهم بمسألة « الاوسمة الثقافية في العهد النوفمبري» أو أي شئ كهذا أي والله تحيا مَغْــنَـمَةُ / خُبَيزَة «الحقيقة والكرامة» أيها المخبرون التّفه وأكلة خبز الجَرحى والموتي واليتامي واليتيمات... ويحيا «كتاب جبل الغنز» للحبيب السالمي اليس كذلك يا
«عَندلون» وأنت غفْطة «العنز النقدي»...! لكم السّحت الذي يريدون لكن ما السُّحْتُ؟ افتحوا القواميس بي رغبة للمزاح... فليكن... أول مرة رأيت الكتاب السرّي لإمراة جَريت نحو خَالتي وقلبي يدق دقا أسمعه وقلت لها خالتي ... خالتي أن تلك المرأة اصطادت «قبرة» / قَوبعة وهي تُخفيها تحت مِلحفتها \ ثيابها ...هل هيّ تَنصب المناديف/ الشراك في المنْدرة مثلي وأنا لم أرها تفعل ذلك أبدا فاخذتْ خالتي في الضحك طويلا... ولم أفهم لماذا ألحّت عليّ أن لا أقول لأيّ كان بــكوني رأيت «قُبرة» تلك المرأة... التي اسمها خالتي قمرة... طبعا لم أقل ذلك لأحد، الآن... وقد خُنت وصيّة خالتي «فجرا» ... سامحيني!
لكن إلى متى سوف أسْكت عن منْ رأيتُ من كتاب تونس يدْخل ويخرج و ينام عند «قبرات» الحكومات المتعاقبة ... اذ لكلّ حكومة «قبرتها» ... لونا وشكلا ورائحة...؟
حين كان للرجال واقية ذكر مصنوعة من القماش الخاص أو الجلد المخْصوص ... لم أكن أعلم سر ذلك الأمر... وكنت طفلا أتصوّر أنّ كل رَجل يخفي أرنبا صغيرا تحت سرواله الفَضْفاص أو قطاّ صغيرا... !! فماذا تخفي الأيام القادمة للخلق والخلائق في هذه المحيطات العاطفية ..؟ القليل من الموسيقى..إني أخْــتــنق... من سياسة التّجْويع والتّطْميع... وحيّل الملهوف الثقافي الذي لا يسْتَـمْسِك... فيزيّف التّاريخ الثقافي للبلاد فيَشْرع في «تقْبيح الحسن وتحْسين القبيح»...