الدكتورة ناجية الوريمي في محاضرة عن «الإباضية في تونس»: الفكر الإباضي لـم يستثمر قراءته العقلانية والحداثية للدّين

في رصد لمظاهر التعدد الديني والاختلاف المذهبي بتونس باعتبارها أرض تسامح وتجاور وحوار على مرّ الحضارات والثقافات... كانت

«الإباضية في تونس» محور المحاضرة الرابعة من سلسلة محاضرات مظاهر التديّن في تونس التي ينظمها كل من معهد البحوث في الأديان وجمعية زنوبيا للفنّ والإبداع. وقد ألقت هذه المحاضرة الدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة. وقد اهتمت أستاذة الحضارة العربيّة الإسلاميّة بالجامعة التونسيّة بقراءة التراث والحداثة... فصدر لها من الكتب: في الائتلاف والاختلاف: ثنائيّة السائد والمهمّش في الفكر العربي الإسلاميّ»، «الإسلام الخارجي»، «زعامة المرأة في الإسلام المبكّر: بين الخطاب العالِم والخطاب الشعبي»...

في مستهل محاضرتها أبرزت الدكتورة ناجية الوريمي أن وجود الإباضيّين في تونس يتميز بالأقلّية من الناحية المذهبيّة. وهم موجودون بصفة رسميّة في سلطنة عمان، ثم في الجزائر، وفي ليبيا وفي تونس (جربة بالخصوص) وفي زنجيبار (تنزانيا اليوم). فهل لهذا المذهب خصوصيّة في تونس؟

في أصل التسمية للإباضية
أكدت الدكتورة ناجية الوريمي أنّ «مؤسّسي المذهب الإباضيّ الأوائل يؤكّدون انتماءهم إلى مجموعة الخوارج. فقد استعمل هذا الاسم في الشعر الخارجيّ لتسمية أحد «فقهاء الإباضيّة وأئمّتهم الذين يأخذون عنهم دينهم»وهو أبو بلال مرداس بن أديّة ومن معه من المقاتلين،

كما دافع عبد الله بن إباض – في رسالة وجّهها إلى عبد الملك بن مروان– عن الخوارج ونفى عنهم تهمة الغلوّ في الدين، ثمّ قدّم جملة المواقف السياسيّة والدينيّة التي تميّزهم عن سائر المسلمين، ثمّ يقول: «هذا خير الخوارج شهد الله و الملائكة أنّا لمن عاداهم أعداء ولمن والاهم أولياء بألسنتنا وأيدينا وقلوبنا نعيش على ذلك ما عشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه عند ربّنا».

ويقدّمون أسماء أخرى منها: «أهل الحقّ» و«المسلمون» و«أهل دين الحقّ» و«أهل الدعوة المحقّة» و«أهل الدعوة» و«المحقّون».

مميّزات الفكر الإباضي
بحثت الدكتورة ناجية الوريمي في محاضرتها عن «الإباضية في تونس» في مميّزات الفكر الخارجي والتي تتجلى أساسا في الفكر السياسي والفكر الأصولي (أصول الفقه) والتنظيم الاجتماعي (مكانة المرأة، نظام العزّابة...).

وفي سياق خصوصيات الفكر السياسيّ الخارجيّ ، أشارت الباحثة ناجية الوريمي إلى أن ما ميّزه منذ فترة مبكّرة هو «عمق البعد الاجتماعيّ فيه، الأمر الذي أغرى بعض الدارسين المعاصرين بأن يطلقوا عليه صفات الديمقراطيّة والثوريّة والجمهوريّة... وقد امتاز هذا الفكر السياسي بالوظيفة الاجتماعيّة»العمرانيّة» للإمامة. ويرى الإباضيّة أنّ «الإمامة من الرأي» وليست من التنزيل أو السنّة. «ولا يكون إماما مستقيما إلاّ من يكون الناس عنده كلّهم في الحقّ سواء، القريب والبعيد والشريف والوضيع والذكر والأنثى والصغير والكبير والأحمر والأسود، ولا يتفاضل الناس عنده إلا بتقوى الله».

على مستوى الفكر الأصولي، فقد تميزت الإباضية - حسب المحاضرة ناجية الورغي - بمعان أصوليّة مدارها «العقل» و»المصلحة» ونجاعتهما في مسايرة «الأزمان والأحوال»، كما قال الورجلانيّ. ويصل من ورائهما إلى صياغة مبدإ أنّ «الإجماع ينسخ الكتاب والسنّة» و»ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن».

أشكال الانتظام عند الإباضيّة
في محاضرة» الإباضية في تونس» أوضحت الباحثة ناجية الوريمي أن «من أبرز الخصوصيات الاجتماعية عند الإباضية تحديدهم لأربعة أشكال للانتظام الداخليّ للمجموعة حسب ما تقتضيه الظروف السائدة، وسمّوها مسالك الدين. وهي الكتمان والظهور والدفاع والشراء. ويكون الكتمان «ملازمة الأمر سرّا بلا إمام،» عندما تكون المجموعة خاضعة لسلطة «المخالفين». والظهور هو «إعلان الإمامة المستقلّة.. وتؤسّس على «تولية إمام عدل تسند إليه الأمور.» أمّا الكتمان، فهو «إخفاء الشخص لمعتقداته لتجنّب المنع والقمع ...ويعني الدفاع القيام بواجب الدفاع وذلك حين يتعرّض المسلمون لهجوم أو يحتملونه. ويعني الشراء «التضحية بحياة المرء في سبيل الله لبلوغ الجنّة... وهو النوع الأفضل من الجهاد في غياب إمام الظهور».

وأفادت صاحبة المحاضرة أن «أشهر هذه الأشكال التنظيميّة هو نظام العزّابة. ومصطلح العزّابة أو أهل الحلْقة خاصّ بالفكر الإباضيّ، وهو صيغة جمع لعزّابيّ. «وهذه اللفظة استعملت لقبا لكلّ من لازم الطريق، وطلب العلم، وسير أهل الخير، وحافظ عليها وعمل بها، فإن حسن جميع هذه الصفات سمّي عزّابيّا».

مكانة محترمة للمرأة عسكريا وثقافيا
حظيت المرأة بمكانة محترمة وحتى مرموقة في الفكر الإباضي حيث لم تمنع من القيادة وحتى الإمامة ، وتقول صاحبة «زعامة المرأة في الإسلام المبكر» ناجية الوريمي: « من هنا نفهم الدور الفاعل الذي كانت تقوم به المرأة الخارجيّة في هذا الصدد. وقد وصلت هذه الفاعليّة إلى درجة تولّيها الإمامة في بعض الفرق الخارجيّة. وبالنسبة إلى دورها العسكريّ، سجّلت لنا كتب التاريخ مظاهر مختلفة من مشاركتها بدءا بالانخراط في صفوف المقاتلين الذين ينضوون تحت راية قوّاد معيّنين، وصولا إلى المشاركة الفعليّة في القيادة. وقد صحب هذا الدور العملي البارز للمرأة الخارجيّة، دور ثقافيّ معنويّ تمثّل في الإنتاج الأدبيّ المخلّد لمآثر المجموعة. وقد جمع لنا الناقد إحسان عبّاس قصائد ومقطوعات عديدة لشاعرات خارجيّات».

في مساءلة الفكر الإباضي
بالرغم من مرجعيته العقلية للسلطة واشتراطه العدل في الحكم واحترامه المرأة... ذهبت الدكتورة ناجية الوريمي إلى أن «الفكر الإباضي لم يستثمر مفهوم الاجتهاد غير المقيّد إلّا بالمصلحة وما يراه العقل من ذلك عدم التسليم بمسألة أنّه لا اجتهاد مع وجود النصّ، كما أن وضعيّة المرأة في الأحكام الإباضيّة لا تعكس قيمة الدور الذي قامت به تاريخيّا في إطار المجموعة».

وأشارت صاحبة محاضرة «الإباضية في تونس» إلى وجود دعوة إلى التقارب بين المذهب الإباضيّ والمذهب السنّيّ، بقولها: «نجد اليوم ضربا من الخطابات السنّيّة – ولعلّه الأغلب - يدعو الإسلام الخارجيّ، ممثّلا في ما استمرّ منه وهو الإباضيّة، إلى تجاوز أسباب الاختلاف بينه وبين الإسلام السنّيّ وذلك بتخلّيه عن كلّ المميّزات الفكريّة التي «تبعده» عنه في نظر نايف معروف، وصابر طعيمة... كما نجد ضربا من الخطابات الإباضيّة يحرص على التقارب مع الإسلام السنّيّ بالسكوت عن مواطن الاختلاف الأساسيّة، أو بالتهوين من شأنها مثل علي يحيى معمر ومصطفى بن صالح باجو... وبالنظر في نوعيّة المعاني المؤسّسة لهذه المنطقة الوسطى بين الإسلام السنّيّ والإسلام الخارجيّ، نجد أنّها أقصت مواطن القوّة والطرافة التي يمكن أن تنوّه بها قراءة حداثيّة للتراث الإسلاميّ عموما، والخارجيّ منه خصوصا. ومن هذه المواطن التعامل العقلانيّ والعمليّ مع النصّ المنزّل. غاياته الإنسانيّة السامية، ومنها التعامل النقديّ مع ظاهرة توظيف المقدّس لغايات سلطويّة...».

وفي ختام محاضرتها لم تنف الدكتورة ناجية الوريمي الطابع الانغلاقي الذي يميّز أتباع المذهب الإباضي إلى حد اليوم من ذلك عدم السماح بالدخول إلى المكتبة البارونيّة الإباضيّة في جربة وصعوبة التوصل إلى الاطلاع على مراجعها التي تضمّ ما يزيد عن الألف مخطوط مشيرة إلى ضرورة أن تكون هذه المكتبة تراثا إنسانيا مفتوحا للعلم والبحث ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115