وهكذا قضى المسرحي حسن المؤذن حوالي 35 سنة من محاورة الخشبة واقتناص الومضة العابرة من الهواجس والأحلام، الآلام والآمال ... وأخيرا جاءت مسرحية «في العاصفة ...» لتضرب بين الرجل ومسرح العرائس موعدا جديدا ومتجددا مع الإبداع في حضرة أب الفنون.
• هذا المساء سيكون لك لقاء مع عشاق الفن الرابع على نخب مسرحيتك الجديدة «في العاصفة...»، حدثنا عن هذا العمل؟
«في العاصفة ...» هي مسرحية عرائسية عن نص «الملك لير» لوليام شكسبير نستعد لتقديم عرضها الأول اليوم على الساعة السادسة مساء بالمركز الوطني لفن العرائس بالعاصمة.
احتفالا بمرور 25 سنة على تأسيسه، أنتج المركز الوطني لفنّ العرائس مسرحية «في العاصفة...» لتكون أول عمل موّجه للكهول أو الكبار في تاريخ المركز. وهي مسرحية مقتبسة عن واحد من أهم نصوص شكسبير ألا وهو نصّ «الملك لير». وإن أقوم
بدراماتوجيا وإخراج هذا العمل المسرحي انطلاقا من المدونة الشكسبيرية الخالدة والصالحة لكل العصور فهذا لا ينفي توفر صياغة درامية جديدة ورؤية مختلفة تنزاح عن التناول المسرحي المعتاد لنص «الملك لير». وأعتقد أنه من النادر إخراج مثل هذا النص في مسرح العرائس على الأقل في تونس.
• لماذا هذه العودة دائما وأبدا إلى مدونة شكسبير، هل مرّد ذلك فقر وضعف في النصوص الجديدة أم استسهال النص الجاهز والناجح مسبقا؟
إن المسرحي في كل العالم يتغذى من المدونة المسرحية العالمية ولا يخضع للحدود الجغرافية والفواصل الزمانية والمكانية... وكما هو من المهم الاشتغال على نص مبتكر وجديد فإن الاشتغال على المدونة العالمية الكلاسيكية والمعاصرة يبقى عنصرا حيا في المسرح. وفي عملنا الجديد «في العاصفة...» قمنا بشبه إعادة كتابة لنص شكسبير وفقا لسياقات الآن وهنا ...
• إن كان مسرح العرائس متجذرا في الماضي البعيد ومنخرطا في مسار الموروث الفني الشعبي... فهل يحتل مسرح الدمى المكانة التي يستحق في تونس؟
منذ نهاية السبعينات انطلقت تجربة مسرح العرائس في تونس وكانت ثمرتها انجازات مهمة ونجاحات قيّمة ...مما أسس قاعدة محترمة من الجمهور العريض. وإن كان المسرح العرائسي الموجه للأطفال يجد المتابعة والاهتمام ... فللأسف فإن مسرح العرائس الموجه للكبار بقي حلقة مفقودة في مسار هذا الفن المهم والممتع. وأعتقد أن سدّ هذا الفراغ هو من مسؤولية المؤسسات المختصة وأيضا من واجب المبدع المسرحي تطوير واقع وخطاب مسرح الدمى.
• بعد أن كان التميز حليف المسرح التونسي في السنوات الأخيرة، كان الإخفاق قدره على ركح أيام قرطاج المسرحية وكذلك مهرجان المسرح العربي بتونس... لماذا فشل مسرحنا في الصعود على منصة التتويج؟
أعتقد أن مدى نجاح المسرح التونسي لا يقاس بتقييم لجان الانتقاء أو التحكيم .. .وكل مسار مسرحي في بلد ما يمرّ بفترات من الانعراجات والمنعطفات كمـــا يشهد محطات مضيئة ومزدهرة. وحسب رأيي فإن المسرح التونسي بما سجله من تراكمات منحته التميز في فترة ما بحاجة إلى مسافة من البعد بينه وبين زخم الأحداث التي نعيشها اليوم حتى تكون الرؤية واضحة وصادقة وثابتة. وفي سياق الجوائز والتتويجات، لابد من التأكيد على أن الأسماء الاعتبارية والمهمة في مسرحنا التونسي كثيرا ما تعرض أعمالها خارج المنافسة والمسابقة. في المقابل نجد موجة من الشباب تسعى إلى افتكاك المكانة والصدارة ولكن هذه التجارب بحاجة إلى مزيد من النضج حتى تكون في مستوى اللحظة.
• إلى أي مدى تصح مقولة القطيعة بين المسرحيين الميدانيين والمنظرين في المسرح من الجامعيين والأكاديميين... ؟
المسرح لا يبدعه إلا المبدعون. إن المسرح في حاجة إلى ما يسمى بالنقد الحي الذي لا يخضع إلى معايير الدراسات الأكاديمية التي نقرأها في الكتب عن المسرح. ومقابل انحسار النقد المسرحي في تونس بسبب غياب الأقلام المعروفة والمختصة في النقد نجد صعود موجة الأكادميين ليس فقط على مستوى المداخلات في الندوات الفكرية عن الفن الرابع بل أيضا على مستوى إدارة التظاهرات وعضوية اللجان المسرحية... ولكن تبقى مقارباتهم ميتة لأن المسرح كيان حي وفي حاجة إلى النقد الحي.
• هل كان مشروع قانون الفنان والمهن الفنية في مستوى الانتظارات أم جاء مخيّبا للآمال؟
اطلعت على مسار مشروع قانون الفنان والمهن الفنية منذ بدايته وفي توارث ملفه من وزير إلى آخر ما بعد الثورة. وإن كان مشروع هـذا القــانون عموما بادرة محمودة تعكس الاستفاقة المتأخرة بضرورة إيلاء الفنان المكانة التي يستحق في مجتمعه وبلده... فللأسف كانت نسخته المقدمة إلى مصالح مجلس النواب محل جدل كبير باعتبار أن الساحة الفنية غير متجانسة وتشقها حسابات ومصالح متضاربة ولكن وهو الأهم احتواء هذا المشروع على عديد الثغرات والنقائص التي هي بحاجة أكيدة للتعديل حتى لا تبقى مفاهيمه هلامية وفصوله ضبابية...
• وأنت كاتب عام النقابة الوطنية لمحترفي الفنون الدرامية، هل من أثر وصدى للنقابات المسرحية؟
لابد من الإقرار بأن واقع النقابات غير متجانس كما هو الحال في القطاع السينمائي الأفضل تنظيما سواء على المستوى الجمعياتي أو على مستوى المنظمات المهنية ... وكثيرا ما تعيق ظروف داخلية وأخرى خارجية عمل النقابات المسرحية على غرار اتحاد الممثلين الذي لا يفعل شيئا بسبب الخلافات الشخصية داخله والصراعات خارجه... وإن تشترط النقابة الوطنية لمحترفي الفنون الدرامية التفرغ للمهنة فإن عدد المتفرغين في السنوات الأخيرة أصبح لا يتجاوز ربع المشتغلين في القطاع والحال أن الوزارة تسند بطاقات الاحتراف ولا تسحبها إذا التحق أصحابها بمهن أخرى ! وعموما تشكو النقابات المسرحية في علاقتها فيما بينها من تشابك الاختصاصات وتقاطع المصالح...
• وقد اشتغلت مستشارا فنيا لمؤسسة المسرح الوطني طيلة عقود ومع أكثر من مدير، كيف تقيّم مردود هذه المؤسسة اليوم تحت إدارة المسرحي فاضل الجعايبي؟
جمعتني علاقة العمل مع مؤسسة المسرح الوطني قبل الثورة في عهد المدير محمد إدريس وأتاحت لي هذه الفرصة معرفة المسرح الوطني من الداخل ... وبعدها انقطعت العلاقة نسبيا لتعود مع المدير فاضل الجعايبي. وللأمانة أقول إن الجعايبي من أفضل المدراء الذي تداولوا على إدارة المسرح الوطني. وحين تسلم المخرج فاضل الجعايبي دواليب الإدارة لم ينجح فقط في تسديد ديون المؤسسة بل حقق الرهان في الرفع من الدخل المالي الذاتي للمؤسسة من 25 %إلى 35% في سابقة من نوعها في مؤسسة المسرح الوطني. ويرى فاضل الجعايبي ضرورة أن يتم تعيين مدير المسرح الوطني على أساس تقديم الترشحات القائمة على مشروع فني . وأن تكون مدة هذا التعيين ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة لضمان التداول على تسيير المؤسسات المسرحية العمومية.
• ولكن تعيين المخرج فاضل الجعايبي على رأس المسرح الوطني كان مخالفا للصيغة التي ذكرت وجاء بقرار من الوزير مراد الصكلي؟
لم يأت هذا التعيين من فراغ بل كان نتيجة لمشروع فني اقترحه الجعايبي واشترط توفر مقومات نجاحه... وأعتقد أن الفاضل الجعايبي باشتغاله وفق عقد أهداف واضح المعالم نجح في استقطاب الكفاءات والمراهنة على التكوين ببعث مدرسة الممثل والتعاون مع مسارح مهمة على مستوى دولي غلى غرار بلجيكيا والمانيا وفرنسا...
• ما بين المسرح وتونس، هل من إرهاصات، من ارتسامات...؟
المسرح التونسي في علاقته بالمجتمع والسلطة محكوم بثنائية الشدّ والجذب، التناغم والتنافر ... ولأن المسرح هو الكلمة الحية فإن قوته تتأتى من علاقته العضوية بقضايا المجتمع. وكما البلاد في مرحلة البناء الديمقراطي مما يفترض التعدد والتعايش فإن الوضعية نفسها مطروحة على مستوى الخطاب الفكري الذي يتطلب التنوع والاختلاف والابتعاد عن سلطة النموذج. فمن الضروري أن يكون لكل فنان صوته الخاص به وحده ومن المهم ألا يتغذى المسرح من لحمه حتى لا ينتهي وذلك بالانفتاح على الفنون الأخرى من شعر ورسم ورواية... ويبقى المسرح عنوان الجمال والحب... والحياة.