مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ( الأحزاب: 4 ). أي أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر في أمرين مختلفين في وقت واحد قلبين ، ذلك أن بؤرة الشعور لا تتسع إلا لفكرة واحدة في الوقت الواحد ، وهذا ينطبق على الرجل والمرأة على السواء ، ولكن الآية راعت ذكر الرجل دون المرأة لكي يشمل معنى القلب كعضو من أعضاء الجسد أيضاً ، حيث أن الله تعالى لم يجعل لأي رجل قلبين في جوفه ، ولكنه جعل ذلك للمرأة ، فعند حمل المرأة يكون قلب جنينها في جوفها إضافة الى قلبها .
من ذلك ندرك أن معنى القلب يذهب الى أبعد من كونه عضواً مجرداً من أعضاء الجسم الى معنى المفاهيم والأفكار المرتبطة بالعواطف والمشاعر والمؤثرة في السلوك .
ثانياً – الفؤاد
أما الفؤاد فبالرغم من كونه يعني في اللغة القلب أيضاً ، إلا أنه استخدم في الآيات القرآنية ليصيب معنى إدراك الأشياء والاقتناع بالأفكار بعيداً عن المشاعر والأحاسيس، وحين نستقرئ الآيات التي ذكرت الفؤاد نجد هذا المعنى واضحاً فيها جميعاً كما يلي :
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء: 36)
نلاحظ أن أغلب العلوم والمعارف التي يتعلمها الإنسان تصل الى إدراكه عن طريق السمع أو البصر ، وتأتي أيضاً عن طريق باقي الحواس الخمس الأخرى ، ولكن الحاستين الأبرز هما السمع والبصر ، ولذلك نجد أن الآيات القرآنية قد قرنت الفؤاد بالسمع والبصر أو بالبصر وحده في عشر آيات من الآيات الست عشرة التي ورد فيها الفؤاد أو الأفئدة . وهذه الآية تحمل الوصية الحادية عشرة من اثنتي عشرة وصية تبدأ من الآية 23 من سورة الإسراء وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وتنتهي بالآية 37 وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا وفيها نهي عن اتباع ما ليس عليه دليل لأنه يؤدي بالإنسان الى قناعات خاطئة سيحاسب عليها ، ولما كان الحساب مشروطاً بما ضل به الإنسان عن سبق إصرار وعن إدراك ومعرفة ، فإن ذكر الفؤاد في الآية مقروناً بالسمع والبصر يشير تماماً الى أن معنى الفؤاد هنا هو إدراك الأشياء والاقتناع بها .