انطلق الأستاذ وحيد السعفي من هذه الأسئلة في محاضرة عنوانها «في أنّ القرآن يقصّ ما لا شاهد عليه»، نظّمها مؤخّرا قسم العلوم الإسلامية بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة»، ويتنزّل اللقاء الفكري ضمن اهتمام القسم بالدراسات المختلفة للشأن القرآني كما ورد في كلمة رئيس القسم، الأستاذ مقداد عرفة منسية، في سياق تحديده لمفهوم «يقصّ ما لا شاهد عليه» ميّز المحاضر بين المعرفة التجريدية بما هي عملية إدراك لنسق تجريدي - رمزي، والمعرفة الإمبيريقة القائمة على التجربة، التي تستمدّ مشروعيتها من مرورها بالحواس، ومراحل التجريب، وتحليل البيانات، منتهيا إلى أنّ «قصّة القرآن قصّة اعتقاد لا تتنزّل إلاّ ضمن الإيمان «، إنّه الحدس غير الملزم بالشواهد والدعائم الممتدة، فالقرآن برأيه فعل إيماني يقصّ ما نستكنهه عقليا، لذا «لا يحتاج إلى دليل من خارجه»، لنستنج مما تقدّم استيعاب الأستاذ وحيد السعفي لماهية الخطاب الديني كبنية إيمانية غير مرتهنة بالبرهنة على نفسها عبر الشواهد.
من الطبيعي أن تتعدّد القراءات القرآنية حسب المحاضر لأنّ النص الخالد « لا يفرض القراءة الواحدة على القرّاء الكثر»، بل يمكن أن تتعدّد القراءات لدى القارئ الواحد نظرا لتجدّد المناهج، فالحقائق ديناميكية تناغما مع صيرورة التاريخ، ولا تكون ثابتة إلاّ لدى الكائنات اللاتاريخية، ولعل هذا ما قاد الأستاذ السعفي إلى التمييز بين الاختلاف «في ظل التسامح» والتناقض «في ظل التكفير» حيث يقود الأوّل إلى إثراء المعنى، ويحكم الثاني على العقل بالستاتيكية، تلك هي الفوارق بين قراءات التحديثيين وأطروحات التقليديين .
وأشار في هذا الإطار إلى عديد الباحثين الذين أثروا الدراسات القرآنية مثل يوسف الصديق وهشام جعيط، مركّزا على «مدرستي المفكرين عبد المجيد الشرفي ومحمد أركون» إذ يقول «أعرف المدرستين وأسّس كل واحد منهما مدرسة»، فالقاسم المشترك بينهما وفقا لمحاضرته رفض مقولات الاجترار، وأدلجة الدين، والتسطيح، حيث ذكّرببعض نصوصهما الداعية إلى اعتماد المناهج التحديثية من أجل تحرير القراءات الدينية من الوعي الماضوي، وسطحية مضامين قراءات المتهافتين والموظفين للنص الديني عن جهل أو لأغراض إيديولوجية . وقد أفضت المداخلة إلى نقاشات ثرية حول جدوى التحديث ومظاهر الكهنوت، إذ يسلّم البعض بعدم وجاهة الحديث عن الكهنوت في الإسلام، وأكّدت أطروحات أخرى على الكهنوت السني والشيعي في الإرث الإسلامي، لذلك تتنزّل المقاربات التحديثية المستفيدة من جديد الميتودولوجيات العلمية كضرورة قصوى ، أليست مقولات «أهل الحل والعقد» بوّابة الاستيلاء على الحكم؟ فإلى أي مدى يمكن اعتبار الحركات السلفية منتجة للكهنوت الإسلامي عبر السعي إلى التحكّم في الشأن العام؟ ألا تسعى تلك الحركات وبعض الحلفاء، المعلنين والمتسترين إلى إعادة سلطة الوسيط الذي يحكم وفقا للحق الإلهي المقدّس؟