لم تشهد الحياة الفردية الاستقرار «طيلة عهد مديد تواصل من نهاية دولة قرطاج إلى نهاية العهد الروماني» وفقا لمداخلة أستاذ التاريخ القديم عمار المحجوبي، وقد شهد المعيش الخاص على «امتداد هذه القرون المتتالية» تحوّلات عنوانها الديناميكية والنزوع المطرد نحو التجديد . فلم ينف المحاضر «البطء الشديد»، الذي ميّز مسارات التطوّر طيلة الحقب التاريخية القديمة، على الرّغم من المنارات الاستثنائية المتمثّلة في انتشار التعليم وازدهار حركة الترجمة، إذ أشار في هذا السياق إلى «نشأة الأدب اللاتيني»، وعليه ازدهرت عديد الفنون والعلوم، مما أفرز التمدّن وقيم الحياة الفردية، التي تناولها بالتفصيل عمار المحجوبي في كتابه البلاد التونسية في العهد الروماني.
لكن هل يختزل نمط الخواص مفهوم الفرد بالمعنى العميق؟ أي وجاهة للمقاربات التي تعتبر التفرّد قيمة حديثة بالضرورة؟ لماذا ينزّل البعض مقولة الحياة الفردية ضمن أطر سياسية بالضرورة؟ من البديهي أن تتميز جل الحقب التاريخية ببعض مظاهر التفرّد، لكن المواطنة لم تتأسّس حقا إلا مع التشريعات الوضعية الحديثة الضامنة على الأقل نظريا لمفردات الحرية،الاختيار،المسؤولية الكرامة الخ... وفي هذا المجال ركّز أستاذ التاريخ الحديث عبد الحميد هنية على علاقة تلك المفاهيم بالنظم السياسية، والشروط الموضوعية التي بمقتضاها يمكن نشأة المواطن، كي لا يكون مجرّد رعية ذات مهام ضرائبية .واعتبر مسار التحديث المنجب الفعلي للفرد، منطلقا من الراهن التونسي كنموذج، حيث تمثل الحياة الفردية خيارا استراتيجيا لقوى المجتمع المدني والنّخب، لأنّها أساس المواطنة بل هي برأيه عنوان المعركة مع القوى المحافظة، إذ ذكّر بمساوئ بعض المقترحات المتصلة بالعمليات الانتخابية، «كمقترح الرئيس التوافقي والقائمات الجماعية»، فهي برأيه منافية لجوهر الفرد وحرية الاختيار، إذ تجدّد صيغ الوصاية . ومن الطبيعي أن تشترط آليات التفرّد والتميّز الفاعلية والحضور النوعي، فلا معنى للطقوس الشكلية التي تسوّقها منابر الحماسة الانفعالية وشعارات التنويم، لأن الحريات تفتك سيزيفيا ولا توهب.