المركب الثقافي علي بن عياد بحمام الأنف: «جدار» لمحسن الأدب «أنا الطفل... أنا صوت الحق ورمز القضية»

«حنظلة، أدر وجهك الى جمهورك من الاطفال فهم ليسوا كالكبار لم يتهاونوا ولا زالوا يؤمنون ان الوطن مقدس، حنظلة لا تتهم الطفولة بالاستسلام لأنهم لازالوا يرمون الحجارة على المستوطن ولازالوا متشوقين لرؤية وجهك، حنظلة الن تدير وجهك للاطفال و تعطيهم بعضا من ثقتك ورباطة جأشك؟

الم تتعب من النظر الى الافق الممتد أمامك واي افق تنظر اليه والجدار العازل فتت الارض وشتت الشعب؟ أم أنك لازالت تقول «داخل الحاجز او خارجه جميعها ارض فلسطين؟» كما جاء في مسرحية «الجدار» لمحسن الادب في عرضها ضمن فعاليات مهرجان الطفل بحمام الانف.

الجدار مسرحية للأطفال وهي تتناول القضية الفلسطينية بعيون الأطفال مسرحية جمعت الاداء والعرائس وابطالها وليد بن عبد السلام وعزالدين مبعوج وهاجر قديد.و بلال الجلاصي وايمان العظيمي.

حين تحلم الطفولة يصبح الرصاص ممحاة تزيل الجراح

«ارضي محتلة» هكذا كتب ببنط عريض على صخرة وضعت اقصى الركح، جدار كبير رسمت عليه بعض الكتابات «ارضي محتلة» و صورة لحنظلة وثالثة لطفلة تسابق البالونات ورابعة لمقاوم ملثم بالكوفية الفلسطينية، ضوء خافت يتوسط الركح ويتحرك ببطء ليظهر الصور لدقائق حتى تبقى راسخة في ذاكرة الأطفال.

أبطال «جدار» محسن الأدب ثلاثة أطفال صغار، اجتمعوا على حب الوطن، اختيار الاسماء لم يكن من باب الفراغ أو الصدفة فكاتبة النص اختارت أن يكون أبطال المسرحية متحدين حول صفات القوة، ثلاثتهم عنوان للشجاعة وبين اسم «رام» اي «الرب» وهو إسم مشتق من كلمة سنسكريتية في ملحمة الرامايانا الهندية والرب عادة ما يرمز به الى القوة والحكمة و«كريم» بمعنى السخيّ، وللاسم مكانة خاصة عند العرب لان صاحبه عادة ما يكون صاحب شخصية قوية، و«خليل» أي الصادق والوفي، تكون الحكاية.

هي حكاية ثلاثة أطفال فلسطينيين وتحديدا مقدسيين وجدوا انفسهم محرومين من زيارة القدس او الدخول اليها بسبب الجدار العازل، ببراءة الاطفال وحنكة الكبار يلبس محسن الادب شخصياته القضية الفلسطينية، «رام « تريد الدخول الى القدس لجلب دميتها، رامي يريد دخول القدس ليرى المدينة التي حدثه عنها والده كثيرا أما خليل فيريد فقط استكشاف مدينة كانت محور حكايات جدّته، تختلف الاسباب ولكن جميعهم يريدون القدس، ولكن كيف لهم ذلك والعسكري الاسرائيلي يمنعهم ويطلب التصريح «وهل يجب ان اقدم التصريح لأدخل بلادي» كما يقول كريم في المسرحية.

«الجدار» قدم فيها محسن الادب صورة مخالفة للطفولة، فالأطفال ليسوا بسذّج، الاطفال ليسوا محايدين حين يتعلق الامر بالقضية رام اكثرهم جرأة وأشدهم اصرارا للدخول الى القدس، اطفال يسكنهم الامل انهم الشعب وان الارض حقهم صغار تقول ذواتهم « انا الشعب ماشي وعارف طريقي، كفاحي سلاحي، وعزمي صديقي، اخوض في الليالي بعيون امالي، احدد مكان الصباح الحقيقي».

يجتمعون ويكتبون شعاراتهم على الحائط حينها يصرح خليل بأمنيته ويقول «اتمنى ان تتحول الاقلام وتصبح قادرة على تفتيت الحجارة وكلما كتبنا زالت الحجارة حتى نصل القدس» فتجيبه رام «أنا أتمنى أن تصبح الحجارة ممحاة كبيرة لامحو من خلالها كل مشاكل الاستيطان في فلسطين والعالم»، كلمة صاحبتها موسيقى جد حزينة وكأنها اهة طفل صغير ذاق مرارة اليتم والتشرد منذ النعومة.

جرأة رام نهايتها كانت قاسية اذ قتلت برصاص الجندي غدرا، موقف وقف له الاطفال في القاعة وصاح اغلبهم «يا قتلها علاش؟» سؤال اكد تفاعل الاطفال مع شخصية رام و ايمان عبد العظيم التي اتحدت مع «العروسة» حد التماهي، ينتهي العمل بالصورة التي انطلق بها طفلة صغيرة مرمية على القاعة وأترابها يحملون المفتاح ففي فلسطين كل حالة وفاة هي ولادة لمناضل جديد.

لعبة الرموز..ذاكرة حية ومتقدة
من قال ان الطفولة لا تفقه في كبرى القضايا؟ من قال ان الطفل غير قادر على معرفة تفاصيل القضية الفلسطينية ولا يعرف بعض جزئياتها الصغيرة؟ خاصة رموزها.
ومن يقول فلسطين سيقول حتما ذاك الطفل الذي ينظر امامه منذ سنين ويابى النظر الى الخلف، هو حنظلة ناجي العلي.

الذي قال عنه « ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء» حنظلة ورمزية الصمود والمقاومة كانت حاضرة في الجدار، بالاضافة الى الحجارة التي ترمز الى الانتفاضات المتكررة لان «الحجارة اداة النضال في فلسطين» كما قال احد الاطفال.

في اطار الرمزية يجتمع الطفلان يرسمان ويغنيان (موال فلسطيني) عرف انه عنوان للمقاومة «يما مواويل الهوى،ضرب الخناجر ولا حكم العدو فيّ»، اغنية لها طقوسها على الركح فالسواد يملأ الركح فقط ضوء يسلط على صورة حنظلة والملثم الى جواره وكأنّ بالمخرج يؤكد ان وحدهم الصادقون يشع عليهم ضوء الحياة.

كما وظّف المخرج ايضا صور الاطفال الراقصين مع البالونات في اشارة الى ارادة الحياة فرغم الخوف والظلمة تبقى الطفولة عنوانا لحلم متجدد وأمل مستمر بالمواصلة.

وفي الرمزية أيضا استعمل المخرج مفارقة الخوف والشجاعة فالأطفال رغم صغر سنهم وكونهم عزّل لا يهابون الجندي وهو المسلح فقط لإيمانهم انهم اصحاب الارض بينما هو «اخضر وطويل»،كبير مسلح ويخافهم لان وجوده هناك وليد الصدفة و الظّلم، والظلمة زائلة لا محالة.

وفي اطار الرمزية ايضا تختتم المسرحية بأغنية «في ذكرى الميلاد العشرين للشيخ امام ومقطع يؤكد ان الارض لأصحابها والثورة مستمرة مادام في الجسد روح «اتحدى، لا يا مستقبل، سأعود بعزم ويقين، وسأمسح عن أمي الدمعة وأعطيها في يدها سكينا، وارد الى خالي روحه وأعلق على كتفه مدفعا ،أهديه الامل الوضاء ، أملي أن نرجع يوما للأرض المحبوبة أرضي للزهر النابت للورد، ماعادت ترهبني القوة، فالقوة يملكها زندي» ..

«الجدار» مسرحية او ملحمة على الركح تميزت باختلاف شخصيات محركي العرائس وهو ما أثر ايجابا على العمل: نص متقن المفردات و موسيقى مميزة وضوء فريد وطريقة تحريك العرائس موظفة ومختلفة مع ديكور بسيط وجد مشبع بالرسائل جميعها مفردات وعوامل قدمت «جدار» محسن الأدب على أنه «جدار الحب والوطن».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115