يوم «عيد الحُبّ» (2017) فاجَأتني أغْرق في القَلَقِ والْحُزْن والقَرَفِ مِنَ اُلْدنيا وأهْلها ومن قَذائف الأخْبار المُوجْعَة وزادت على ما بيّ من دَواعي النّكَد كَبْسولات الإشْهار المُقرِفَة كالتي تُشيدُ بفضائل «المَزابِل» مُسْتحضِرة «المُعْجم الديني الوَرَعي» في واحدَةٍ من اُلْقَنوات اُلْخاصّة التونسية اُلْمُحْتَرَمَة... فلا اسْتِحمَامي اُلْمطَوّل أطْرد سُحُبَ وِحْشَتي ولا مُهارشتي قَطَطي أزالتْ توتّري ولا تأمّل السيدة الوردة الجميلة الراقصة في الحديقة رهّفَ عَواطفي ولا الموسيقى أخَذَتْنِي منّي إليْها... ولم أفْهم سّبب هذا الشّعور «المَالينخولي» الذي ما انفك يهزّني روحا وينفضني جسدا بعيدا عني عند قُطْعان الغُيومِ الشّوارِد ...
ربما لتَشابك الأسباب البَعيَدة والقَريبة. وقلت لي: الإنْسَان ابن أَمْسِه وغدِه وإنْ هو يَتيم حَاضِرِه . حَياتُه أرْشيفُ عُمْره فليَكْتُب ما اسْتطاع أن يَخُطّ في هذا الأرشيف بعض فقرات تُشيد بِاُلْفَرَحِ ضدّ النّكد الوطني المَحَلّي والكَوْني وإنْ هو الفَرَحُ مثل الحُبّ هشّ كما أجْنِحَة اُلْفراش... بسيط كما الحُروف ومُتشابِكَةٌ أطرافه كما المُتَرادفات في اللّغة العَربيّة الرائعة اُلْعَذْبَةُ والمُعَذِّبَة. لا حيلة لي أنا «الكائن اللغوي» الذي استبدل الصّداقات المَكْذوبة بالهُروب «الإرادي» إلى «مُتون اللغة والمعاجم» فتتحت علىّ وعلَى صَديقاتي وأصْدقائي ((مُعْجم المَعَاني في مُفردات الفرح)). مُفردات سقَطت سهوا ربما أو تكاد من نسيجنا الحياتي اليومي فتراجعت أمام أخْبار المَقابِر والقَتْل وعِطر الموتى والأنْكَاد المَكْرورة. «ان كَانَ موتٌ لا أمُوت بغصتي... «قال السيد الشاعر وان هوّ الفرح كما التّفارح الحكومي «ليس مهني» على رأي «البدوي الأحمر» الرائع محمد الماغوط. نعم فتحت عليّ وعلى صديقاتي وأصدقائي ((مُعْجم المَعَاني في مُفردات الفرح)).
إِبْتِهاج «إِرْتِيَاح , إِسْتِبْشار , إِغْتِبَاط , إِنْشِراح, بَشَاشَة. بَهْجَة , بِشْر , تَهَلُّل , تَهْنِئَة , جَذَل , حُبُور , سَعَادَة, سُرُور , طَرَب غِبْطَة , مَرَح , مَسَرَّة , نَشْوَة , نِعْمَة , هَنَاء, هَنَاءَة ،اِبْتِهاش ، اِبْتِهاج ، , اِجْتِذال ،, إِجْذال, اِسْتِبْشَار، اِهْتِشَاش ، اِشْتِهَاء, , جَذْل , حُبُور غِبْطَة ، بَهْجَة ، بَهِيج, جَذِل, جَذْلان , سَعِيد , طَرُوب , فَرْحان , مَحْبُور, مَرِح, مَسْرُور, مُبْتَهِج , مُتَهَلِّل الوجه مُسْتَبْشِر, مُغْتَبِط مُنْبَسِط الأَسارير, مُنْشَرِح, نَشْوان...».
الْحَقّ في الفَرَحِ والغْبطة والانشراح والسّرور...فَضيلةٌ شعْرية منَ الواجب الجَمالي الدّفاع عنْها بكُلّ أدَواتِ اُلْخَيالِ اُلْخلاّق لِخلق فُرَصِ لقاء الواحد مِنَ البَشر بذاتِه قبل اللّقاء بشبيهه وصِنْوه وغيره وسواه ....
ليس اُكتشافًا لقَارّة جَديدةٍ أو لِمجّرة شارة خَارِج النّظام الشّمسي القول بأنّ «الأنا» سلسلة «النّحْنُ» لا تَتَحَدّدُ لها «هوية كِيانٍ» إلاّ حينَ تَسْتَحْضِرُ «الأنْت» الشبيه والصنو والمغاير المختلف أو «اُلْهُوّ» أوْ «اُلْهُم». المسألة بالأساس في هذا الحدّ والتحديد العلائقي بين «الذوات» مسألة «لُغَة». علاقة الذات بذاتها مسألة «لِسَانٍ». واللّسان يُحيل على اُلْوَصْلِ واُلْفَصْل في آن. اللسان يُحيلُ على «السيف» والحُسَام لذلك ربّما تتَوَزّع عَلاقتنا المُشْتَبِكَة بذاتنا بين تلك «العَلاقة الإنْبِساطيّة - اُلْحُبيّة و«العَلاقة الغَضبية الحَربيّة». تذكرت رواية
البحّار الحِبْري اُلْرائع كما يحلو أني أسميه... كما أسْمَانِي هُوّ ذات لقاء بمدينة سوسة «البحّار الأسود» أقصد (حنا مينا) وروايته «الرّجُل الذي يَكْرَهُ نَفْسَهُ». يحدث للواحد أن يكره نفسه أو هو يكْره على كرهها وهي لا تستحق أن تقهر... هربت مني ومن قلقي مرة أخُرى إلى الكتب سعيا لمداواة نفسي بتصفح «مداواة النفوس» يوم عودة عيد «قُرْبان اُلْحُبّ».آه تذكرت.
«كليمنسيا الجميلة التونسية قادِحة الصوّان الكَونية» التي هي بنت لحمي الحبري وليست تُشير إلى واحدة بعَيْنها بنت أحدٍ .تذكرت «رشق المغني «مُغنيها» الحزين ·
(أَنَا مَاغَنَّيْتُ قَــطُّ ... قَدْ أكُــونُ بـَكَيْتُ...)
- شَئٌ مِنْ أَنَامِلِيَ - قَالَ اُلْـمُغَنِّي اُلـْحَزينُ - وطُولِ لِسَانِي
وضِيقِ جُيوبِ خَياليَ اُلْلُّغَوِي
أصَابـَهَا بِضِيقِ اُلْتَّنَفُّسِ
واُلْإدْمَانِ اُلْشَّرِهِ عَلَى اُلْتَّدْخِينِ
وَاُلْصَّوْمِ عَنِ اُلْكَلاَمِ اُلْعَاطِفـي .
تَذَكَّــرْتُ اُلْآنَ أُمْثُولـَةَ اُلُطَّائِـرِ فِي رِوايَةِ
«اُلْعَصَافِيرُ تـَخْتَفـي لِتَـمُوتَ»
(...)
لـَمْ أَجِدْ سِـــرْبَةَ اُلْشَّــــوْكِ اُلمُواتِيَةَ لِأَشُّكَ بـِهَــا قَلْــبِــيَ عِنْدَها
وَأنْسَى أَنِّي كُنْتُ أُغَـــنِّي
( أَنَا مَا غَنَّيْتُ قَطُّ ..كُنْتُ أَنـْزِفُ وهَيْ اُلْتِي حَسَبَتْنيَ أُغَــنِّي )
يَا وَطَــنِي
اُلْعَاطِفِـــي))
تذكرت ابن حزم:
«من امْتحن بِقرب من يكْره كمن اُمتحن
ببعد من يحب.
إقنع بِمن عنْدك يقنع بك مَنْ عنْدك.
إِذا ارْتَفَعت الْغيرَة فأيقن بارتفاع الْمحبَّة
الْغيرَة خلق فَاضل مُركّب من النّجدة وَالْعدْل
لِأَنّ من عَدل كره أَن يتَعَدَّى إِلَى حُرْمَة غَيره وَأَن يتَعَدَّى غَيره إِلَى حرمته.
وَمن كَانَت النجدة طبعا لَهُ حدثت فِيهِ عِزةٌ
وَمن الْعِزَّة تحدث الأنَفة.
دُرج الْمحبَّة خَمْسَة:
أَولهَا الِاسْتِحْسَان وَهُوَ أَن يتَمَثَّل النَّاظر صُورَة المنظور إِلَيْهِ حَسَنَة أَو يستحسن أخلاقه وَهَذَا يدْخل فِي بَاب التصادق ثمَّ الْإِعْجَاب بِهِ وَهُوَ رَغْبَة النَّاظر فِي المنظور إِلَيْهِ وَفِي قربه.
ثمَّ الألفة وَهِي الوحشة إِلَيْهِ إِذا غَابَ
ثمَّ الكلف: وَهُوَ غَلَبَة شغل البال بِهِ
ثمَّ الشّغف وَهُوَ امْتنَاع النّوم وَالْأكل وَالشرب إِلَّا الْيَسِير من ذَلِك وَرُبمَا أدّى ذَلِك إِلَى الْمَرَض أَو إِلَى التوسوس أَو إِلَى الْمَوْت وَلَيْسَ وَرَاء هَذَا منزلَة فِي تناهي الْمحبَّة أصلا. كُنَّا نظن أَن الْعِشْق فِي ذَوَات الْحَرَكَة والحدّة من النِّسَاء أَكثر فَوَجَدنَا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ فِي الساكنة الحركات أَكثر ...
• الصُّور وأنواعها:
وَقد سُئِلت - ( عَن الصوّر وأنواعها فأردت )- تَحْقِيق الْكَلَام فِيهَا فَقلت الْحَلَاوَة رقة المحاسن ولطف الحركات وخفة الإشارات وَقبُول النَّفس لأعْراض الصُّور وَإِن لم تكن ثمَّ صِفَات ظَاهِرَة...
• القوام: جمال كل صفة على حدتها وَرب جميل الصِّفَات على انْفِرَاد كل صفة مِنْهَا بَارِد الطلعة غير مليح وَلَا حسن وَلَا رائع وَلَا حُلْو.
• الروعة: بهاء الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة مَعَ جمال فِيهَا وَهِي أَيْضا الفراهة..
• الْحسن: هُوَ شَيْء لَيْسَ لَهُ فِي اللُّغَة اسْم يعبر بِهِ عَنهُ وَلكنه محسوس فِي النُّفُوس بِاتِّفَاق كل من رَآهُ وَفِي بـُرد مكسو على الْوَجْه وإشراق يستميل الْقُلُوب نَحوه فتجتمع الآراء على استحسانه وَإِن لم تكن هُنَاكَ صِفَات جميلَة فَكل من رَآهُ راقه وَاسْتَحْسنهُ وَقَبله حَتَّى إِذا تَأَمَّلت
الصِّفَات إفرادا لم تَرَ طائلا وَكَأَنَّهُ شَيْء فِي نفس المرئي يجده نفس الرَّائِي وَهَذَا أجل مَرَاتِب الصباحة ثمَّ تخْتَلف الْأَهْوَاء بعد هَذَا فَمن مفضل للرّوعة وَمن مُفضّل للحلاوة...».
قلتُ لي وقد غالبني «كتاب الوَجْدِ والصّبابة» ما قال السيد الشاعرلقاته: «ان كان موت لا موت بغصتي...» فلتطوّح بي ذاكرتي أنّى وأينَ شاءت. ... فشاءت أن تحُط بي عند أكثر من مـَحطة من قطار العمر ..فكان ما كان ...
حين كنت طفلا
بلا تلعثم في العَواطف
بسيط المعاطفِ
كنتُ أكذب على أمي
حين تقول لي
« يا غزال أمّك هل تحب امك «
ولم أكن أكذب على العاصفير
كنت أقول لأمي :
أنا أحب البئر والفرس
انا لا أحبّ القراءة ،،،
والكتب
والمدرسة تقهرني
غير أني كنت ابوح بأوجاع يتمي
للقلم والفراشات حين كبرت
وحين كنت أدُس شراكي للطير
كنت أحذّر الأطيار من لمعةِ حبّة
القمح
وحين تقع الاطيار يشرق بي
الدمع ...
كبرت كثيرا وتقدمت بي ركائب العمر
كلما جرحتني الأيام
في مُنعَطف عاطفي
او سقط في البلاد شهيدٌ
و أخذتني شهقة وقْعَة الطّير
من ترانا نرى حين ننظر إلى أنفسنا يوم «عيد الحب» في المرآة؟ أنا فَرحٌ ... لأمر غامض وكفى...