كان توصل تونس الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي نقطة هامة بعد محطات عديدة من التفاوض والنقاش تخللتها عدة تقطعات وتنتظر تونس مجلس ادارة الصندوق لإعطاء الضوء الأخضر لصرف القسط الاول من برنامج اقراض ب 1.9 مليار دينار ونظرا الى ان الإقراض كان على اساس برنامج حكومي تونسي، حاورت «المغرب» جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي للحديث عن النقاط الاصلاحية الابرز في هذا البرنامج وعن الأفاق الاقتصادية لتونس والمنطقة ككل .
• بعد توصل تونس الى اتفاق على مستوى خبراء صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد كيف سيتابع الصندوق تنفيذ الإصلاحات التي تضمنها برنامج الحكومة التونسية؟
سيعرض الاتفاق الذي تم التوصل اليه على مجلس الادارة وبعد إقراره من المجلس سيدخل حيز التنفيذ، والاتفاق مبني على برنامج وضعته الحكومة التونسية شارك فيه عدد كبير من ومسؤولين من الإدارة والبنك المركزي والمراجعة ستكون نصف سنوية من خلال متابعة الإجراءات والإصلاحات التي يتضمنها. هو برنامج مبني خطة حكومية تم التفاوض حوله على أكثر من محطة وهو مدعوم بالإجراءات التي بدأت الحكومة في تنفيذها منذ أشهر .
• وماهو النسق المرضي الذي يمكن لتونس اتباعه حتى لا يتوقف البرنامج قبل انتهائه كما حصل مع البرنامج السابق؟
أولا هذا البرنامج هو برنامج مثل ما سمي بتونس تونسي- تونسي tuniso-tunisien تم وضعه على أساس الأولويات الإصلاحية التي في حاجة إليها تونس ويهدف إلى المحافظة على الاستقرار الاقتصادي من خلال سياسة مالية تعمل على تحسين أولا العدالة الضريبية ومن جهة وإلى رفع مستوى كفاءة وجدوى الإنفاق العام من جهة اخرى ليكون أكثر استهدافا خاصة الإنفاق الاجتماعي وذلك من خلال آليات الاستهداف التي تهتم بإيصال الدعم إلى الأكثر حاجة والأكثر تعرضا للانعكاسات الاقتصادية من ارتفاع الأسعار ويهدف البرنامج كذلك إلى دعم النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل وهذا يتطلب تطوير آليات دعم القطاع الخاص وإعطاؤه مساحة اكبر لإدارة النشاط الاقتصادي وإصلاح المؤسسات العامة لرفع فاعليتها وكفاءتها وتخفيف أعبائها عن الدولة من المالية العامة وتحسين تنافسية الاقتصاد التونسي كما أن ارتفاع مستوى التضخم في الفترة الماضية كان له انعكاس لذلك فان الإجراءات التي يتم اتخاذها من البنك المركزي لمواجهة التضخم هي أيضا من العناصر التي تشكل أساسيات البرنامج.
• توجد دعوات الى التروي وتوخي الحذر في تحديد سياساتهم النقدية والمالية، والإفصاح بوضوح عن خططهم، والتأهب لمواجهة فترة قد تشهد مزيداً من التقلبات في أسواق المال والسلع الأولية العالمية.كيف سيكون التعامل في تونس بناءا على هذه التوصيات؟
تونس تأثرت مثل دول عديدة بالمنطقة بسبب الانعكاسات على الأسواق العالمية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة وهي إحدى المشاكل الأساسية التي تواجه دولا عديدة بالمنطقة في 2022 و2023 وبسببها سيكون معدل التضخم في المنطقة أعلى من 10 % خاصة بالدول المستوردة للنفط.
تونس كدول أخرى تواجه مخاطر التضخم رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية فيها تزامنا مع تحسن أداء القطاع السياحي والقطاع الصناعي وخاصة قطاع النسيج ، فارتفاع الأسعار يتطلب من البنك المركزي العمل من خلال السياسات المالية والنقدية على تخفيفه ولجمه تدريجيا لكي لا يؤثر على الاستقرار المالي والاقتصادي من جهة وخاصة نظرا لنوعية التضخم الذي يتميز بجزء كبير منه متأتي من أسعار المواد الغذائية والطاقة فمن المهم العمل على تخفيف مخاطره وتداعياته على المواطنين
• تحدثت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في مقابلة تلفزيونية عن طلب تونس خوصصة المؤسسات العمومية التونسية كيف يمكن انجاح هذه الخطة في ظل الاوضاع التي تمر بها تونس؟
هذا موضوع أشارت إليه الحكومة التونسية والخبراء الاقتصاديون فالمؤسسات العمومية في جزء منها تعاني من مشاكل مالية وكلفتها عالية على الاقتصاد ومن الضروري أن يكون العمل على معالجة هذا الأمر لتمكين الاقتصاد من التحسن ورفع نسب النمو وتخفيف أعباء هذه المؤسسات عن المالية العامة
• ما الذي يتطلبه الامر اذا؟
الأمر يتطلب وضع استراتجية إصلاحية تحدد دور هذه المؤسسات العامة وأيضا تحسين حوكمتها والعمل على تحسين أوضاعها المالية وتخفيف أعبائها على المالية العامة وقد انطلقت الحكومة التونسية في فرز المؤسسات بحسب وضعها المالي وبحسب الحاجة الى إعادة هيكلتها ونوعية عملياتها والحاجة الى إبقائها ضمن الإطار الحكومي هذا الأمر هو الخطوة الأولى لفرز مزيد المؤسسات والعمل على تحسين ادائها وتخفيف عجزها الذي يقع على كاهل الاقتصاد وتعزيز قدرتها التنافسية.
• ماهي المؤسسات المعنية بالفرز واعادة الهيكلة؟
هي المؤسسات تلك التي لا تكتسي أهمية إستراتيجية والهدف من الاجراء اعطاؤها دور اكبر لتحريك وتنشيط الاقتصاد سواءا من خلال تحسين ادائها واعادة هيكلتها او من خلال الشراكة بين القطاع العام والخاص . ويكون القطاع الخاص فيها أكثر قدرة على إدارتها وإنجاحها وخلق فرص عمل اقوى والانطلاق سيكون بالشراكة بين القطاع العام والخاص.
• اي أن ليست خوصصة تامة؟
مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص يتمظهر في عدة أوجه واليات والامر تغير من 10 او 20 سنة نحن نتحدث العمل على تنشيط دور القطاع الخاص وتحسين اداء المؤسسات العامة وتحيين ادائها المالي والمؤسسات غير الاستراتيجية يكون القطاع الخاص فيها أجدى وانفع.
إن ادارة القطاع الخاص لها وامتلاكها ليس بالامر السلبي بل بالعكس يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد لتساهم بخلق فرص عمل وتعزز القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي وتسمح بفتح افاق جديدة لهذا السبب يتم النظر الى كل مؤسسة على حده من خلال مقاربة اقتصادية اجتماعية.
• ألا تمثل دعوتكم المتكررة لإصلاح أنظمة الدعم واحتوائه أرضية ملائمة لصعوبات قد تحول دون استمرار البرنامج؟
في الحقيقة الدعوة ليست لرفع الدعم بل تحويله الى مستحقيه الذين لا يستفيدون اليوم منه ، فكلفة الدعم في دول المنطقة وفي تونس بالتحديد اعلى بكثير من الانفاق الاجتماعي واعلى من الانفاق الاستثماري لهذا السبب اذا كانت هناك نظرة اجتماعية تعمل على حماية الفئات المهمشة من الضروري اعادة هيكلة الدعم العام من خلال الية استهداف تؤمن الحماية الاجتماعية الأكبر لهذه الفئات فقد اثبتت كل الدراسات المهتمة بالدعم ان الدعم على السلع غير مجد وفي هذا السياق يمكن تطوير اليات الاستهداف التي شهدناها خلال ازمة كورونا و تطوير اليات جديدة يمكن بناءا عليها ايصال حجم اكبر من الدعم للفئات الاكثر ضعفا لهذا اليوم لتكون هناك حماية اكبر للفئات الاكثر ضعفا وللمهمشين الذين يعملون بالقطاع غير الرسمي والفقراء من الضروري اعادة نظر في كيفية توجيه الدعم.
• للصندوق تجربة طويلة في متابعة الاصلاحات في عديد الدول وفي ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم ماهي الاصلاحات التي يمكن احداثها وفقا للمستجدات حتى تجدد الاقتصاديات نفسها؟
دون شك ان اليوم في 2022 العالم يمر بمرحلة دقيقة جدا فالاداء الاقتصادي بالمنطقة مازال مقبولا لكن هناك غيوم وتقلبات اقتصادية عالمية سيكون لها تأثير كبير على اقتصاديات المنطقة اهمها ارتفاع الاسعار والتضخم وامكانية تراجع النمو الاقتصادي وتتأثر كل دول المغرب العربي بالمتغيرات وخاصة التراجع في البلدان الاروبية المتوقع العام المقبل وارتفاع نسب الفوائد وصعوبة القدرة على التمويل الخارجي كل هذا يتطلب وجود اجراءات استباقية لحماية الاقتصاد لتأمين عملية تحول بأقل كلفة ممكنة التحول يعني تخفيف مخاطر ارتفاع التضخم وتأثيره ومواجهة مشكلة الديون فاليوم مع ارتفاع الفوائد ستكون لها مخاطر اكبر ومخاطر الكساد العالمي الذي يمكن ان ينعكس على الاقتصاديات لهذا فإن كل دول المنطقة معنية بهذا الامر وهي معنية باتخاذ مجموعة من الإصلاحات والإجراءات على المدى القصير اولا لتساهم في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي وثانيا معالجة مشكلة الأمن الغذائي و ثالثا مواجهة مشكلة التضخم وتخفيف مخاطره على الفئات الأكثر ضعفا من خلال سياسات استهداف تتحول من دعم للسلع الى دعم للفئات فدعم السلع غير مجد ومكلف ويستفيد منه غير مستحقيه والاستثمار في التحول الاقتصادي طويل المدى خاصة في قطاعات البيئة والتكنولوجيا التي تعزز القدرة التنافسية على المدى المتوسط والطويل وتمتلك تونس قدرات بشرية والانفتاح والمرونة الاقتصادية لابد من الاستفادة منها وهو ما يتطلب الاستقرار الذي يعد مدخلا أساسيا للازدهار الاقتصادي، وتفتح مجال اكبر للقطاع الخاص واطلاق المبادرات واعطاء ثقة للمستثمر ونحن نعمل على أن يكون هذا البرنامج بين تونس والصندوق لتعزيز الثقة لمستقبل الاقتصاد التونسي واستقطاب الدعم الخارجي لها.
• تعد دول المنطقة وأساسا الدول المستوردة للنفط الأكثر تأثرا بالحرب الروسية الاوكرانية بعد اضطراب الإمدادات وارتفاع الأسعار بالإضافة الى الدعم الدولي لها كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة التي يرجح ان تكون طويلة الامد؟
هذه الرسالة الأساسية للصندوق في هذا العام والتي تدعو الى الاسراع لاتخاذ اجراءات التكيف والتحوط والاصلاح ، التكيف يكون مع المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تفرض نفسها والتحوط من مخاطرها خاصة التضخم نظرا للمتغيرات على صعيد العولمة اما بالنسبة الى الاصلاح فمن الضروري ان تكون هناك اصلاحات تمكن اقتصادات المنطقة وخاصة الدول المستوردة للنفط لتحسين وتيرة النمو واحدى التحديات الاسياسية للمنطقة هي موضوع البطالة لدى الشباب ومشاركة المراة وتحسين بيئة الاعمال ورفع كفاءة الاقتصادية واعادة هيكلة المؤسسات العامة لتنتج وظائف اكبر وتساعد على انفتاح الاقتصاد والاستثمار بالقطاعات الواعدة هي التي ستساعد في خلق فرص العمل وتخفيف مستوى البطالة وتحسين القدرة الاقتصادية للمواطن في تونس ودول العالم.
جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي لـ«المغرب»: البرنامج كان تونسيا-تونسيا وخوصصة المؤسسات غير الإستراتيجية أجدى وأنفع اقتصاديا واجتماعيا
- بقلم شراز الرحالي
- 09:41 01/11/2022
- 1058 عدد المشاهدات
• كلفة الدعم في تونس بالتحديد أعلى بكثير من الإنفاق الاجتماعي
وأعلى من الإنفاق الاستثماري وستكون المراجعات نصف سنوية
• معدل التضخم في المنطقة في هذا العام وفي العام المقبل
سيكون أكثر من 10 % خاصة في الدول المستوردة للنفط