بعد أن أصبح الماء غورا، كهربة جوف الأرض لإرواء سطحها: المزارعون يبحثون عن بدائل يستظلون تحتها في انتظار استكمال خطط تخطو ببطء

عندما اشتدت الشمس وازداد النشاط وارتفعت أعداد السكان تراجعت المياه في جوف الأرض ولان تواصل التوازن يقتضي إيجاد بدائل

كان التحول إلى استخدام الطاقات البديلة لأجل الاقتراب من المياه الغائرة في جوف الأرض من الخيارات الضيقة للمزارعين أينما كانوا، عدد غير محدد منهم وبإمكانيات ذاتية اوجد حلا لان البحث عنه في المكاتب والوثائق قد يجعل ماء معينا جار صعب المنال.
يقدر معدل التساقطات ب 37 مليار متر مكعب سنويا و ما يمكن تخزينه عبر السدود او الموائد المائية حوالي 4.8 مليون متر مكعب من بينها 2.3 تخزن في سدود والباقي يخزن في الموائد الجوفية. ومع التغيرات المناخية تتغير الكميات من سنة إلى أخرى فعلى سبيل المثال شهر فيفري الذي يعد شهر ممطر لم يشهد في السنتين الأخيرتين أي تساقط للأمطار . ولهذا يتوجه الفلاحون في الجنوب والوسط الى المياه الجوفية، فالقطاع الفلاحي الذي يشكو مشكلات متعددة أبرزها نقص المياه مما اثر في أداء النشاط ككل فقد تراجعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في العقود الأخيرة من 20 % الى اقل من 10 % وتظهر أثار التراجع في أداء الاقتصاد الوطني الذي تباطؤ نموه كما ترتفع الطاقة التشغيلية للقطاع وان كان أكثر القطاعات التي ترتفع فيها نسبة العمل غير المنظم بـ 85.6 %. اذا فترابط الاقتصادي بالاجتماعي يحتم اليوم ضرورة الإصغاء الى التحذيرات من خطورة نقص الأمطار وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة المؤثرة في النشاط الفلاحي خاصة. ويعد الالتجاء الى الطاقات البديلة في النشاط الفلاحي من الملاذات الآمنة في وضع حرج.
تكاليف باهضة لضخ المياه الجوفية
يستأثر القطاع الفلاحي بـ 9 % من استهلاك الكهرباء للجهد العالي والمنخفض مقابل 61 % للقطاع الصناعي. مع العلم أن الجهد المنخفض والمتوسط يمثلان 50 % من مبيعات الكهرباء في تونس. ويؤكد حمادي البوبكري عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين المسؤول عن الموارد الطبيعية أن تكاليف الإنتاج الفلاحي ترتفع بارتفاع نفقات الكهرباء ولهذا كان التوجه إلى الطاقة الشمسية لتخفيف الأعباء وان كانت الدولة شبه غائبة في هذا السياق. ويرتفع الإقبال بالجنوب ويتقلص شيئا فشيئا مع التوجه إلى الشمال. وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء فان معدل استهلاك القطاع الفلاحي للكهرباء عالي ومتوسط الضغط في العام 2018 بلغ 606 مليون كيلواط.
حلول فردية لمشكلات نقص المياه
يؤكد محسن بن خالد صاحب شركة للطاقة الشمسية ورئيس جمعية نفزاوة للطاقة الشمسية على نجاعة استخدام الألواح الشمسية في إنتاج الكهرباء وتختلف إمكانياتها بين الصيف والشتاء ففي الصيف يتراوح معدل استمراريتها ما بين 6 و14 ساعة وتنخفض شتاءا الى مابين 6 و8 ساعات، ولان الفلاح فغي ولاية قبلي يشكو صعوبات متعلقة بتوفر المياه وارتفاع تكلفة الكهرباء فان نحو 80 % منهم غيروا وجهتهم إلى الطاقة الشمسية التي تعد انجع أمام تسهيلات من قبل الشركات للفلاح الذي يمكنه تقسيط المبلغ الذي يشتري به الألواح وتركيبها. الآبار التي تُستخدم فيها الطاقة الشمسية لأجل ضخ المياه هي آبار عشوائية غير مرخص لها وأما التهديد المستمر لغابات النخيل بالجفاف لم يكن أمام الفلاحين سوى إتباع طرق موازية حتى يتمكنوا من الاستمرار أمام انقطاع السبل بهم قانونيا. وتكتسي أهمية الانتقال إلى استخدام الألواح الشمسية إلى ارتفاع الأيام المشمسة في تونس التي تصل إلى 320 يوم مشمس.
العمر الافتراضي للألواح يصل إلى 25 سنة ومردوديتها تختلف بتقدم الأعوام فما بين السنة وال12 سنة يمكن للألواح ان تعمل بـ 90 % من طاقتها ومن 12 الى 25 سنة مابين 60 % و80 % من طاقتها. و280 يوم ريح.
من جهته يقول البشير العامري رئيس مجمع فلاحي ان الفلاح يأخذ على عاتقه كل تكاليف تركيز الألواح الشمسية والتي تعد مكلفة الا انها تقلص من نفقات الكهرباء التي تعد عالية جدا مقارنة بالطاقة الشمسية .
اقبال متزايد
«لان شبكة الكهرباء قد لا تغطي بعض المساحات فان الفلاح بعد ان ينهكه استعمال الوقود يتوجه الى الطاقات البديلة والشمسية بالأساس» ويضيف غيث الرياحي وكيل شركة تركيب وصيانة معدات الطاقة المتجددة بولاية باجة أن الإقبال يتزايد منذ 10 سنوات.
ويؤكد المتحدث ان الاستخدام الأكبر للألواح الشمسية منزلي بالأساس في الجهة واعتماد الطاقة الشمسية لضخ المياه يرتكز أساسا في الوسط والجنوب. وينتقد المتحدث غياب الدعم الكلي على الرغم من الحديث عن وجود خطة انتقال طاقي مبينا ان الوضع اليوم يتسم بالضبابية ولا احد يمكنه التنبؤ بما يمكن ان يؤول اليه البرنامج.
إشكاليات التمويل
وتؤكد الوكالة الدولية للطاقات المتجددة في تقرير صدر في 2021 خاص بتونس «تصميم برنامج لتشجيع المزارعين على استبدال الديزل بألواح الطاقة الكهروضوئية، وذلك بالنظر إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يوفرها ضخ المياه بالطاقة الشمسية. ويمكن تطوير هذا البرنامج ضمن إطار آليات برنامج الكهرباء الأشمل ،وذلك بما يضمن توافق آليات الدعم الحكومي- بما فيها نظام الائتمان- مع قدرة المزارعين على السداد. ويمر تطوير استخدامات مصادر الطاقة المتجددة في تونس، وتحديداً للمزارعين والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، حسب التقرير ذاته عبر تفعيل دور البنوك المحلية. كما ينبغي أن تعمل الحكومة على تعزيز إمكانيات المؤسسات المالية المحلية من حيث الكوادر البشرية والتقنيات، وذلك بهدف تحسين قدرتها على تقييم مخاطر المشاريع وتشجيعها على تطوير
خطط الإقراض. كما يجب تكثيف البحث عن تسهيلات مالية أجنبية ملائمة، ولا سيما عبر برامج التعاون الثنائي وبرامج تمويل حماية المناخ.
الموارد الشمسية في تونس (الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة):
تتمتّع تونس بموارد شمسية هامّة بمعدّل 3000 ساعة في السنة. وتختلف هذه الموارد من منطقة إلى أخرى، إذ تتميّز معظم مناطق الجنوب البلاد بمعدّلات أكبر تتراوح بين 3200 ساعة في السنة و3400 ساعة في السنة (على غرار منطقة الجنوب الشرقي). في حين يتراوح الحد الأدنى للفترة المشمسة في المناطق الشمالية بين 2500 و3000 ساعة في السنة. وتتراوح نسبة الإشعاع الشمسي من 1800 كيلوواط في الساعة / متر مربع / سنة في الشمال إلى 2600 كيلوواط / ساعة / متر مربع / سنة في الجنوب.
ويتراوح متوسط ​​الإشعاع الأفقي الإجمالي بين 4.2 كيلوواط ساعة / متر مربع / يوم في الشمال الغربيو5.8 كيلوواط / ساعة / متر مربع / يوم في أقصى الجنوب. توفّر هذه المميّزات إمكانات كبيرة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسيّة(الفولطا ضوئيّة). فوفقا لمؤشرات الوكالة الدولية للطاقات المتجددة ، يتراوح إنتاج الكهرباء السنوي بواسطة أنظمة الطاقة الشمسية الفولطاضوئيّة بين 1.450 كيلوواط في الساعة لكل كيلوواط في الذروة في المنطقة الشمالية الغربية و1.830 كيلوواط في الساعة / كيلوواط في الذروة في أقصى الجنوب الشرقي.
وتقول الوكالة الدولية للطاقات المتجددة إن المخطط الشمسي التونسي يمثل الأداة الرئيسية لتنفيذ استراتيجية زيادة حصة الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة. مبينة الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة في تونس قامت بصياغة النسخة الأخيرة من هذا المخطط في عام 2015 لتتبناها الحكومة في يوليو 2016 . ولتحقيق الأهداف المحدثة في البلاد، حدد المخطط هدفاً لرفع القدرة الإجمالية المركبة للطاقة المتجددة إلى 860 1 ميجاواط بحلول 2023 ،و815 3 ميجاواط بحلول 2030 ،أي بزيادة تعادل 5 أضعاف و 10 أضعاف على التوالي لقدرة الطاقة المتجددة المركبة في عام 2017.
نضال الورفلي الممثل السامي لمفوضية الطاقة النووية والطاقات البديلة
حلم الانتقال الطاقي في تونس حلما لم يكتمل وتكلفة إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية منخفضة
يقول نضال الورفلي الممثل السامي لمفوضية الطاقة النووية و الطاقات البديلة انه لابديل لتونس اليوم سوى الانتقال الطاقي الذي يعد عنصرا واعدا لدعم النمو الاقتصادي وتقليص تكلفة الدعم التي تكلف ميزانية الدولة بالإضافة إلى الحفاظ على الاحتياطي من العملة الصعبة باعتبار حجم واردات الغاز المقدر ب نصف حاجيات تونس والمورد أساسا بالعملة الصعبة. فكل بلدان العالم تعيش تحت ضغط تحديات كبرى في ظل ارتفاع الانبعاث الغازي التغيرات المناخية
فالانتقال الطاقي هو اليوم ضرورة وليس خيارا لما له من انعكاسات بيئية والاقتصادي والاجتماعي. كما يثمن المتحدث أهمية الطاقات البديلة التي تنضوي على قدرة تشغيلية عالية وتكلفة اقتصادية اقل.
ولفت الورفلي إلى أن تكلفة إنتاج الشركة التونسية للكهرباء والغاز لكيلواط في الساعة هي 200 مليم في حين تنخفض التكلفة إلى 80 مليم في إنتاج الكيلواط في الساعة عن طريق الطاقة الشمسية.
وتنتج تونس97 % من الكهرباء تنتج عن طريق الغاز مما يزيد من ضغط على العملة الصعبة أمام ارتفاع الأسعار العالمية.
من جهة أخرى قال الورفلي أنه في العام 2014 وضعت استراتيجية جديدة مع مشروع قانون متعلّق بإنتاج الكهرباء باعتماد الطاقات المتجددة وتمت المصادقة عليه منذ ماي 2015 ويقضي بان يتم إنتاج
30 % من الكهرباء من الطاقات المتجددة في أفق 2030، إلا انه لا توجد في تونس نقلة نوعية حسب المتحدث مرتبطة أساسا بعدم الاستقرار السياسي وضعف الإطار القانوني الذي لم يتم وضع الأطر الضرورية لتسهيل تطبيقه وتشجيع التونسيين على توليد الطاقة عن طريق الطاقات المتجددة، فالحلم الذي وضع في الانتقال الطاقي ناقص وفق المتحدث.
رغم العراقيل السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية الا أن الأمل موجود ومرتبط بتسريع الانتقال الطاقي.
وفي التجارب المقارنة يقول الورفلي أن المغرب ترغب في توليد 52 % من الطاقة عن طريق الطاقات المتجددة وتطمح إلى بلوغ نسبة 60 % بينما في تونس الطموح هو 30 %، فالمغرب قامت بوضع إستراتيجية واضحة المعالم ووضعت الإطار القانوني والمؤسساتي الذي يعد دافع للإقبال على الطاقات المتجددة.
وأفاد الورفلي انه خلال زيارة تمت مؤخرا إلى ولاية توزر كان هناك اتفاق بين وزير الفلاحة والرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لوضع إستراتيجية واضحة لتحلية المياه ومساعدة الفلاحين هناك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115