افتتاح مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة على السجادة الحمراء… غزّة تمشي بين الركام والحلم

في مدينة أنهكها الحصار والدمار، ترفض الحياة

من الانسحاب والاستسلام للموت. في "دير البلح"، قلب غزة المتعب، كانت ولادة حلم جديد وأمل مضيء بافتتاح الدورة الأولى لمهرجان غزة الدولي لسينما المرأة. في مشهد ليس من الأفلام بل من واقع يتجاوز الخيال، فُرشت السجادة الحمراء فوق الغبار، وأضاءت الشاشة على خلفية حطام البيوت.

في غزة، حيث تتقاطع رائحة الغبار مع نداءات الحياة، فُرشت السجادة الحمراء ليس أمام قاعة فخمة أو مسرح شاهق البنيان ومزخرف المعمار، بل على أرض ترابية محاطة بالأنقاض، في مشهد مؤثر يشد النظر وأنه يختصر حكاية مدينة تعاند الفناء لتحتفي بالحياة.
في افتتاح مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة في دورته الأولى، امتدت السجادة الحمراء بين الخيام والكراسي البلاستيكية، مشدودة بأحجار صغيرة كي لا تطيرها الريح.من بعيد، تلوح بنايات مهدّمة، وجمهور يشاهد بعيون من الدهشة والكرامة، وأطفال يضحكون رغم الخراب.
هناك في غزة، لم يكن الافتتاح حفلا باذخ الحضور والظهور كما هو المعتاد في المهرجانات السينمائية لسرقة أضواء الكاميرات. دون فساتين فاخرة أو بدلات أنيقة أو استعراض للإطلالات كان الناس يحملون على وجوههم آثار الحياة اليومية وما تبقى فيها من أمل رغم الألم.
في غزة، يتحوّل السجاد الأحمر من رمز للترف إلى رمز للشهادة والصمود. فتبدو السجادة الحمراء وكأنها شريان رمزيّ يسري في الجسد الجريح للمدينة، يربط ما بين الحلم والواقع، بين ما انهار وما سيُبنى.
ليس في مقدمة الصفوف بل بجانب الخيمة البيضاء، تظهر امرأتان تجلسان على طرف الصورة، متكئتان على بعضهما، تنظران نحو المنصة البعيدة. ربما فقدتا أبناء، وربما تتقاسمان الوجع والدمع وربما تنتظران بيتا يُرمم لكنهما أمام شاشة السينما تتطلعان إلى لحظة فرح مسروقة وسط بحر من الحزن.
لا شك أنّ المرأتين وغيرهن من الأمهات الثكالى، قد وجدن في فيلم الافتتاح "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية لسانا ينطق بمعنى الفاجعة أمام خسارة الأطفال تحت القصف. فلا عجب أن تتماهى أصوات النساء في الخيمة مع صوت الطفلة الفلسطينية "هند" وهي تستغيث لإنقاذها قبل أن تودع الحياة !
في غزة، السينما تولد من قلب الوجع، والمرأة لا تمثّل دورا، بل تعيشه بكل تفاصيله. وقد اختار مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة أن يكرّم المرأة لا لأنها نجمة، بل لأنها نجت من الحرب، من الفقد، ومن محاولات المحو والإبادة المتكررة.
هذه الصورة، بكل ما فيها من بساطة وصدق، تُعيد تعريف المهرجان السينمائية بأنها لا تُقاس بالبذخ والأضواء والفساتين بل بشجاعة من يختار أن يحتفل وسط الألم، وأن يقاوم من أجل الحرية والكرامة. كلّها تفاصيل تنطق بأن غزة قررت أن تصنع السينما من ركامها، لا أن تنتظر إعمارا يأتي من الخارج.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115