الا ان الغارات الجوية الصهيونية المتواصلة أسفرت عن استشهاد 104 أشخاص في وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى استكمال اتفاق وقف اطلاق النار . وصرح امس بان وقف إطلاق النار الذي تدعمه الولايات المتحدة في قطاع غزة ليس في خطر، حتى مع قصف الطائرات الإسرائيلية القطاع.
ويخشى الفلسطينيون النازحون من انهيار الهدنة على وقع تكرر الانتهاكات الصهيونية . ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 10 أكتوبر ليوقف عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية .
تسارع الحراك الدبلوماسي
وبينما تتسارع التحركات السياسية والدبلوماسية لتشكيل قوة استقرار دولية في قطاع غزة، تتزايد التساؤلات حول طبيعة هذه القوة، وأهدافها الحقيقية، ومدى قبول أطراف الصراع بها .فما بين التأكيدات الأمريكية بقرب نشرها، والتحفظات الإسرائيلية، والقبول الفلسطيني المشروط، يبدو أن القوة المزمع إرسالها إلى غزة قد تتحول من أداة استقرار إلى نقطة اشتعال جديدة في المنطقة خصوصا في ظلّ الخروقات المستمرة لوقف إطلاق النار وعدم التزام الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق .
من جهته أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا أنّ نشر القوة سيتم "قريبًا وبسرعة"، مشيرا إلى اختيار قادتها من قبل واشنطن، ومؤكدا أنها ستكون "السبيل إلى سلام حقيقي لم تعرفه المنطقة من قبل''. أما وزير الخارجية ماركو روبيو، فقد تحدث عن ترتيبات لتفويض قوة متعددة الجنسيات، مشددا على أن تكون "مريحة لإسرائيل"، في إشارة واضحة إلى أن رضا حليفة واشنطن المدللة تل أبيب سيكون المحدد الأول لتركيبتها ومهامها.
وفي المقابل، أبلغت ''إسرائيل'' حلفاءها رفضها القاطع لمشاركة القوات التركية ضمن القوة الدولية، في ظل توتر غير مسبوق في العلاقات بين تل أبيب وأنقرة، التي طالبت بدور فعّال في العملية.
ونقلت صحيفة ''الغارديان''' البريطانية أن الموقف الإسرائيلي من أنقرة يمثل "استبعادا صامتا"، وأن مشاركة تركيا في القوة تبدو شبه مستحيلة رغم الدور المهم الذي ستلعبه من الناحية العسكرية ومكانتها في خطة ترامب لوقف إطلاق النار.من الجانب الفلسطيني، أعلن رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية، أن الفصائل الفلسطينية لا تمانع وجود قوات دولية كمراقبين وللفصل بين الجانبين، شرط أن يكون التفويض أمميا وأن يقتصر دورها على متابعة وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات، دون المساس بسلاح المقاومة أو الشؤون الداخلية.لكن هذه الرؤية تتناقض مع التصور الأمريكي والإسرائيلي الذي يهدف إلى نزع سلاح حماس وفرض الأمن عبر إدارة انتقالية في القطاع.
وقال مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أن "إسرائيل هي من ستقرر أي قوات دولية يمكن قبولها أو رفضها"، مضيفًا أن هذا المبدأ "يحظى بتفهم كامل من واشنطن"، في تأكيد جديد على أن القرار النهائي بشأن تشكيل القوة سيكون بيد تل أبيب .
ومع ذلك، لم تلتزم أي دولة حتى الآن بإرسال قوات لهذه القوة، وقالت بعض الدول إنها ترغب في مزيد من الوضوح بشأن ولاية القوة قبل إرسال جنودها.ولا تزال طبيعة القوات المشاركة والدول التي ستنضم إليها غير واضحة بشكل رسمي حتى الآن، في ظل استبعاد إدارة ترامب إرسال جنود أمريكيين إلى قطاع غزة، فيما أجرت محادثات مع عدة دول، للمساهمة في القوة متعددة الجنسيات.وتعكف فرنسا وبريطانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة على وضع اللمسات الأخيرة على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأيام المقبلة من شأنه أن يضع الأساس لنشر قوة دولية في غزة.
ولا تزال التحركات والمشاورات الدبلوماسية متواصلة لتحديد الإطار القانوني والمهام الميدانية لنشر قوة دولية مقترحة في غزة.
من جهته أعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أن باكستان تدرس إرسال قوات إلى قطاع غزة ضمن قوة حفظ سلام دولية مقترحة بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بعد اتفاق وقف إطلاق النار. الحكومة ستستشير البرلمان قبل اتخاذ القرار. تأتي هذه الخطوة في ظل تقارب العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، بينما لا تزال تفاصيل القوة الدولية في غزة غير واضحة.
وقال وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف إن باكستان تفكر في إرسال قوات إلى قطاع غزة، كجزء من قوة حفظ سلام مقترحة ضمن وقف إطلاق نار تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا الشهر، بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ونقلت "بلومبرغ" عن آصف قوله في مقابلة مع قناة "جيو نيوز": "ستتخذ الحكومة قرارها بعد استكمال الإجراءات اللازمة، ولا أريد استباق أي شيء".وأضاف: "إذا كان على باكستان المشاركة في ذلك، فأعتقد أنه سيكون مصدر فخر لنا. سنكون فخورين بالقيام بذلك".
وأشار الوزير الباكستاني إلى أن الحكومة ستستشير البرلمان والمؤسسات المعنية الأخرى قبل المضي قدماً.وتأتي استعدادات باكستان لإرسال قوات في وقت تقاربت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان خلال الأشهر الأخيرة.
تركيبة القوة وتفويضها
وبحسب تسريبات وتقارير إعلامية غربية وعربية، فإن القوة الدولية المقترحة ستضم نحو خمسة آلاف جندي، مع استبعاد أي مشاركة تركية.ويُتداول أن دولا مصر وإندونيسيا قد تكون ضمن المرشحين لإرسال قوات، في وقت تستبعد فيه إدارة ترامب مشاركة جنود أمريكيين مباشرة في غزة.
ويرى مراقبون أن بعض الدول الأوروبية تفضل أن تصدر تفويضا من مجلس الأمن الدولي،دون أن تكون القوة تابعة رسميا للأمم المتحدة، على أن تعمل بالتنسيق مع خلية عسكرية أمريكية تُعرف باسم مركز التنسيق المدني العسكري، الذي افتتحه مؤخرًا نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في جنوب الأراضي المحتلة، ويضم مستشارين بريطانيين وفرنسيين بالإضافة إلى جنسيات عربية.هذه الخلية، وفق مصادر دبلوماسية، ستتولى أيضا تنسيق المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم أن المعابر ما تزال مغلقة بشكل شبه تام.
وفي سياق مواز، فجّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو جدلا واسعا بإعلانه أن وكالة الأونروا "لن يكون لها أي دور في غزة" لأنها – على حد وصفه –فرع من حماس، وهو تصريح أثار انتقادات من الأمم المتحدة ودول أوروبية رأت فيه محاولة لتجفيف شريان المساعدات للفلسطينيين.وتتعارض هذه المواقف مع رأي محكمة العدل الدولية الأخير، الذي أكد أن الأونروا "وسيلة لا غنى عنها" لتوزيع المساعدات.
كما أعلنت النرويج بدورها عن تحرك أممي جديد لإلزام إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، بعدم تقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.وبحسب خطة ترامب الأصلية، كان من المفترض دخول 600 شاحنة مساعدات يوميا إلى القطاع، لكن الأرقام تشير إلى أن المتوسط اليومي لا يتجاوز 89 شاحنة فقط، أي ما يعادل 14% من الكمية المتفق عليها.
مشهد إنساني قاتم
أما الوضع الإنساني في غزة ما زال كارثيا ، فقد وصف توم فليتشر، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، مشاهد الدمار في القطاع بقوله: "شعرت وكأنني أقود عبر أنقاض هيروشيما أو ستالينغراد".أما الأونروا فأكدت أن "العائلات لا تعرف سوى الخوف وعدم اليقين"، مشيرة إلى تصعيد عنيف في الضفة الغربية و"ضم متزايد يخالف القانون الدولي".
وبين الرغبة الأمريكية في فرض ترتيبات أمنية جديدة، والإصرار الإسرائيلي على تحديد هوية المشاركين، والقبول الفلسطيني المشروط، يبدو أن فكرة القوة الدولية في غزة لا تزال محاطة بالغموض والتناقضات.
فبدلا من أن تكون خطوة نحو الاستقرار، قد تتحول إلى ساحة جديدة للصراع السياسي والعسكري، خصوصًا إذا حاولت فرض واقع أمني لا يحظى بإجماع الأطراف.وفي ظل استمرار الحصار، وانقسام المواقف، وتدهور الوضع الإنساني، يبقى السؤال الأبرز:هل ستكون القوة الدولية القادمة إلى غزة أداة لإحلال السلام… أم مقدّمة لجولة جديدة من الصراع المفتوح في الشرق الأوسط؟
مجازر بغارات مكثّفة
ميدانيا وفي اليوم الـ19 من تنفيذ اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، أفادت مصادر في مستشفيات غزة بسقوط أكثر من 100 شهيد بينهم 35 طفلا، في غارات إسرائيلية جديدة على منازل وخيام نازحين بغزة، رغم استمرار سريان وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقوات الاحتلال.
وخلال الساعات الماضية أعلنت "إسرائيل" إطلاق هجوم جديد على القطاع بسبب مزاعم بتنفيذ المقاومة هجوما على جنود للاحتلال، وهو ما نفته حركة المقاومة الإسلامية حماس، مؤكدة أن الاحتلال يختلق أكاذيب، ودعت الوسطاء إلى تحمّل مسؤولياتهم.في المقابل، قال مصدر قيادي في حركة حماس إن الاحتلال يعرقل البحث وروايته كاذبة بشأن تباطؤ المقاومة.
وأضاف المصدر وفق ''الجزيرة'' أن الاحتلال يختلق أكاذيب بشأن الجثث لتنفيذ نيات عدوانية، داعيا الوسطاء إلى تحمّل مسؤولياتهم.وأكدت حماس أنه لا علاقة لها بحادث إطلاق النار في رفح، وطالبت الوسطاء الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار بالتحرك فورا للضغط على الاحتلال وكبح تصعيده ضد المدنيين في القطاع ووقف انتهاكاته.
وفي الضفة الغربية، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، حملة اعتقالات بمخيم الدهيشة في بيت لحم، في حين أضرم المستوطنون النار بعدد من المركبات في مدن بالضفة الغربية المحتلة.
من جانبه أعلن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة،أمس الأربعاء، أن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 100 فلسطيني، بينهم 35 طفلا، في "مجازر" متفرقة خلال أقل من 12 ساعة.وبدأ جيش الإسرائيلي قصفا جويا ومدفعيا مكثفا على غزة منذ مساء الثلاثاء، قبل أن يعلن الأربعاء العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة "حماس".وادعى الجيش أنه يرد بهذا القصف على إطلاق نار تعرضت له قواته جنوبي قطاع غزة، وأسفر عن مقتل جندي، فيما نفت "حماس" أي علاقة لها بالأمر.
وقال متحدث الدفاع المدني محمود بصل، عبر منصة فيسبوك أمس الأربعاء: "في أقل من اثنتي عشرة ساعة، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر مروعة بحق المدنيين في قطاع غزة".وأفاد بأنها "أدت إلى استشهاد أكثر من 100 مواطن، من بينهم حوالي 35 طفلا، وذلك في جرائم موثقة تضاف إلى سجل الانتهاكات المستمرة ضد شعبنا".و"تُرتكب هذه المجازر أمام أعين الوسطاء والمجتمع الدولي، الذي يظل صامتا وعاجزا عن اتخاذ أي خطوات فعلية لوقف هذا النزيف المستمر للدم الفلسطيني الذي يتواصل منذ أكثر من سنتين"، بحسب بصل.
وبشأن عمل فرق الدفاع المدني، قال بصل إنها "منذ البداية لم تتوقف عن أداء واجبها الإنساني، حيث تستمر في عمليات الإنقاذ وانتشال الشهداء والمصابين من تحت الأنقاض، رغم النقص الحاد في الإمكانيات".وتابع: "لا تزال الفرق تبذل جهودا كبيرة للوصول إلى المواطنين العالقين تحت الأنقاض، بينما تعاني المستشفيات من اكتظاظ الجرحى والمصابين بحالات حرجة، في ظل ظروف مأساوية ونقص حاد في المستلزمات الطبية والوقود".بصل شدد على أن "ما يحدث في غزة اليوم يمثل عارا على الإنسانية، ويبرز أن المجتمع الدولي أصبح متواطئا بصمته في هذه الانتهاكات".
ودعا إلى "وقف فوري وشامل لإطلاق النار، وإنهاء العدوان المستمر على قطاع غزة، وفتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة تسمح بإدخال الوقود والمعدات والاحتياجات الأساسية لعمل طواقم الإنقاذ والمستشفيات".
كما دعا إلى "توفير حماية دولية للمدنيين وطواقم الإنقاذ والفرق الطبية وفقاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف".وحث بصل على "إطلاق حملة دولية عاجلة لإعادة تأهيل البنية التحتية الإنسانية في غزة، لضمان استمرار الخدمات الأساسية للسكان المتضررين".
ومنذ بدء تنفيذ الاتفاق وحتى الثلاثاء قبل استئناف الغارات مساءً، خرقته إسرائيل 125 مرة، ما أسفر عن مقتل 94 فلسطينيا وإصابة 344 آخرين واعتقال 21، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وإجمالا خلّفت حرب الإبادة الإسرائيلية بدعم أمريكي، منذ 8 أكتوبر 2023، 68 ألفا و531 شهيدا فلسطينيا، و170 ألفا و402 مصاب، معظمهم أطفال ونساء، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية بالقطاع.كما قتلت إسرائيل أكثر من 9500 فلسطيني لا تزال جثثهم تحت الأنقاض، وتسببت في دمار طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية، مع تكلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.