ضدّ قطاع غزة يوم الـ7 من أكتوبر 2023، تكشف الإحصائيات الرسميّة عن حجم الكارثة الإنسانيّة غير المسبوقة التي ألمّت بالقطاع المحاصر، حيث يواجه أكثر من 2.4 مليون فلسطيني سياسة قتل جماعي وتجويع وتدمير ممنهج، في واحدة من أعنف الحروب التي عرفها التاريخ الحديث والإنسانية جمعاء.وفي تقرير إحصائي شامل، يوثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في أحدث تقاريره الصادرة أمس أرقاما مفزعة ترسم صورة مأساوية للدمار الذي طال البشر والحجر، وسط استمرار العدوان وتجاهل المجتمع الدولي لصرخات الضحايا ومشاهد المجازر اليومية.
منذ 7 أكتوبر 2023، وغزة تنزف بلا توقف، ولا تزال صامدة رغم كل أشكال الإبادة. التاريخ سيكتب كثيرا عن هذا العدوان، لكن دماء الأطفال، وصوت الأمهات، وصرخات الجوعى، تظل الشاهد الأصدق على أن ما يحدث في غزة ليس نزاعا بل جريمة القرن.730 يوما من الجحيم، عامان مرا على قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع أصناف الإبادة الجماعية، والحرب الشاملة، والتطهير العرقي المنظم على يد الاحتلال الصهيوني، في ظلّ صمت دولي مطبق، وعجز أممي يعكس تخلي العالم عن أبسط مبادئ الإنسانية.
في هذا السياق رصد التقرير الإحصائي الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة يوم أمس الاثنين، الكارثة بكل أبعادها البشرية، والاقتصادية، والصحية، والتعليمية، والبيئية. ووفق متابعين تؤكد الأرقام الصادمة، والحقائق المرعبة، بما لا يدع مجالا للشك أن ما تتعرض له غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، وجريمة حرب مستمرة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة.
يُوثق التقرير الذي صدر بالتزامن مع الذكرى الثانية لأحداث الـ7 من اكتوبر استشهاد 76,639 فلسطينيا، بينهم 67,139 شهيدا موثقا وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، بينما9,500 آخرين ما زالوا في عداد المفقودين تحت الركام أو في المجهول.
ما يقارب 20 ألف طفل و12500 امرأة ضمن قائمة الشهداء، بينهم 9,000 أم و22,426 أبا، ما يعني أن النسيج الأسري تمزق، وأن آلاف العائلات تُركت بلا معيل ولا مأوى.كما أبيدت 2,700 أسرة بالكامل، و39 ألف أسرة تعرضت لمجازر جماعية، بينما تجاوزت نسبة الضحايا من النساء والأطفال والمسنين 55%، وهو مؤشر على أن الاستهداف كان ممنهجًا للمدنيين.
في قطاع الصحافة، استشهد 254 صحفيا، ما يعكس سعي الاحتلال لإسكات الحقيقة. وفي القطاع الطبي، فقدت غزة 1,670 من كوادرها الطبية، إضافة إلى 140 عنصرا من الدفاع المدنيو176 موظفا بلديا، في سياسة ممنهجة لتدمير كل أدوات الإنقاذ والدعم الإنساني. دمار هائل
وتؤكد الأرقام أن الاحتلال تعمد تدمير الحياة بكل مكوناتها. أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات أُسقطت على مناطق مدنية كانت نتيجتها دمار طال نحو 90 % من قطاع غزة، وسيطرة الاحتلال على أكثر من 80% من أراضيه بفعل الاجتياح والتهجير القسري.كما دمرت 268 ألف وحدة سكنية كليا، و148 ألفا تضررت تدميرا بالغا، و153 ألفا تضررت جزئيا. باتت معظم العائلات بلا مأوى، في ظل استهداف مباشر لـ293 مركزا للإيواء.
وفي مجال البنية التحتية، دمر الاحتلال 725 بئر مياه، و5,080 كم من شبكات الكهرباء، و700,000 متر من شبكات الصرف الصحي، و3 ملايين متر من الطرق، مما جعل الحياة شبه مستحيلة.
أوبئة ومستشفيات تحت النار
ويقبع القطاع الصحي في غزة على حافة الانهيار الكامل، إذ دُمر 38 مستشفى و96 مركزا صحيا، وتم استهداف 197 سيارة إسعاف و788 منشأة صحية.
وبلغ عدد الجرحى 169,583 مصابا، بينهم 4,800 حالة بتر، و1.200 حالة شلل، و1,200 حالة فقدان بصر. هذه الأرقام تُنذر بكارثة صحية طويلة الأمد، تضع مستقبل أجيال بأكملها على المحك.
ونتيجة للتهجير الجماعي وسوء الصرف الصحي، أصيب أكثر من 2.1 مليون شخص بأمراض معدية، بينهم 71 ألف إصابة بالكبد الوبائي. وتوفي 460 شخصا بسبب الجوع، إضافة إلى 12 ألف حالة إجهاض و17 وفاة نتيجة البرد القارس في مخيمات النزوح.أمام كل هذه الكوارث، يُمنع أكثر من 22 ألف مريض من السفر للعلاج خارج غزة، ما يجعل الموت خيارًا مفروضا عليهم.
تجويع ممنهج واستهداف للمدارس والمساجد
وخلال عامي الإبادة أغلق الاحتلال المعابر 220 يوما، ومنع دخول أكثر من 120 ألف شاحنة مساعدات ووقود، في سياسة واضحة لتجويع سكان غزة، ومحاولة تركيعهم عبر الحصار.
واستُهدفت 47 تكية طعام و61 مركزا لتوزيع المساعدات، واستشهد 540 من العاملين الإغاثيين. ويواجه اليوم 650 ألف طفل خطر الموت جوعا، و40 ألف رضيع يعانون من نقص حليب الأطفال.
تعرّض 95% من مدارس غزة لأضرار، وتم تدمير 165 مبنى تعليميا وجامعيا. استشهد 13,500 طالب و830 معلما و193 أكاديميا وباحثا، ما يمثل نكبة تعليمية.كما دمر الاحتلال 835 مسجدا كليا و180 جزئيا، واستُهدفت 3 كنائس، و40 مقبرة، و7 مقابر جماعية داخل مستشفيات، في مشهد لا يكتفي بمحو الأحياء بل يسعى لمحو الموتى أيضا.
علاوة على ذلك تم تدمير 94% من الأراضي الزراعية، وفُقدت 100% من الثروة السمكية، مما جعل الأمن الغذائي في غزة معدومًا.وتراجع إنتاج الخضروات من **405 آلاف طن إلى 28 ألفا فقط، في حين تُرك أكثر من مليوني نازح في العراء، يكافحون من أجل البقاء بلا غذاء أو دواء أو ماء.
خسائر اقتصادية
قدّر التقرير أن الخسائر المباشرة لعامين من حرب الإبادة بلغت 70 مليار دولار، منها:28 مليار دولار في قطاع الإسكان 5 مليارات في الصحة، و4 مليارات في التعليم، 4.5 مليار في التجارة ، و 2.8 مليار في الزراعة. وذلك دون احتساب الخسائر طويلة الأمد في قطاعات مثل الكهرباء والاتصالات والخدمات والبنية المجتمعية.
وفي نهاية التقرير، دعا المكتب الإعلامي الحكومي إلى تحرك دولي عاجل، لمحاسبة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، ووضع حد لجرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني، يُحاصرون في شريط ضيق لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترا مربعا، لكنه بات اليوم مقبرة مفتوحة للمدنيين.
مباحثات مصر .. انتظارات وآمال
على صعيد متصل وصل وفدان من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس و"إسرائيل" إلى مدينة شرم الشيح المصرية لعقد محادثات لوقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن في غزة، على الرغم من وجود قضايا خلافية مثل نزع سلاح الحركة بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وانطلقت المحادثات حول خطة ترامب عشية الذكرى الثانية لندلاع الحرب. وأسفرت الحرب الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 67000 فلسطيني، ونزح غالبية سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون وجرعتهم مرارة الجوع وسط أنقاض القطاع الذي دمره القصف المتواصل.
وقال مصدران إن المفاوضين الإسرائيليين وصلوا إلى شرم الشيخ على البحر الأحمر لإجراء محادثات تركز على إطلاق سراح الرهائن، في إطار خطة ترامب المؤلفة من 20 بندا لإنهاء الحرب. ووصل قيادات من حماس في وقت سابق من يوم أمس. وقال مسؤول مُطلع على المفاوضات، طلب عدم نشر اسمه، إنه يتوقع ألا تكون جولة المحادثات التي ستنطلق اليوم سريعة، وأن تستمر لبضعة أيام على الأقل. وأضاف المسؤول أن من غير المُرجح التوصل سريعا إلى اتفاق، نظرا لأن الهدف هو التوصل إلى اتفاق شامل مع تحديد جميع التفاصيل قبل بدء تنفيذ وقف إطلاق النار.
وأعرب مسؤول فلسطيني مطلع على المحادثات عن تشككه في احتمالات حدوث انفراجة في ظل انعدام الثقة المتبادل، قائلا إن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى قلقة من احتمال انسحاب إسرائيل من المفاوضات بعد استعادة الرهائن.
ويضم الوفد الإسرائيلي مسؤولين من جهازي المخابرات (الموساد) والأمن الداخلي (شين بيت)، ومستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للسياسة الخارجية أوفير فالك والمنسق المعني بشؤون الرهائن جال هيرش.
ومع ذلك، توقع ثلاثة مسؤولين إسرائيليين أن ينضم كبير المفاوضين الإسرائيليين ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى المحادثات في وقت لاحق من هذا الأسبوع، على حسب تطورات المفاوضات. ولم يُعلق متحدثون باسم ديرمر ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد.ويرأس وفد حماس خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة وكبير مفاوضي الحركة، والزيارة هي الأولى بالنسبة للحية إلى مصر منذ نجاته من غارة إسرائيلية في العاصمة القطرية الدوحة الشهر الماضي.
ووفقا لبيان أصدرته حماس في وقت متأخر ، سيسعى مفاوضو الحركة إلى الحصول على توضيح بشأن آلية تنفيذ عملية مبادلة الرهائن المتبقين لدى حماس -أحياء وأموات- بفلسطينيين معتقلين لدى إسرائيل، بالإضافة إلى انسحاب عسكري إسرائيلي من غزة ووقف إطلاق النار.
وقال مصدر في حماس وفق "رويترز" إن من المرجح أن تكون القضية الشائكة هي المطلب الإسرائيلي الذي ورد في خطة ترامب بأن تنزع حماس سلاحها، وهو أمر تصر الحركة على أنه لا يمكن أن يحدث ما لم تنهي إسرائيل احتلالها وتقام دولة فلسطينية.
ويقول نتنياهو إن قيام دولة فلسطينية لن يحدث أبدا، رغم إعلان بريطانيا وفرنسا وعدة دول الاعتراف بدولة فلسطينية الشهر الماضي.وصارت "إسرائيل" معزولة دوليا بسبب الدمار الذي لحق بغزة.
وتُعد خطة ترامب أكثر الجهود تقدما حتى الآن لوقف الحرب الأطول والأكثر تدميرا على الإطلاق في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين الممتد عبر أجيال.
وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إن المحادثات الجديدة هي الأكثر بعثا على التفاؤل مقارنة بالجولات السابقة لأنه "لأول مرة منذ عامين، لا يقتصر الأمر على مجرد وقف لإطلاق النار، بل على حل سياسي قابل للتطبيق".
وقال ترامب، الذي توسط في اتفاقيات للتطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية خلال ولايته الأولى في عام 2020، إن خطته بشأن غزة يمكن أن تؤدي إلى سلام أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتغير المنطقة.
ووافقت حماس يوم الجمعة على إطلاق سراح الرهائن وعدد من البنود الأخرى في خطة ترامب لكن ردها تجنب نقاطا أخرى مثيرة للجدل مثل الدعوة لنزع سلاحها والتخلي عن السلطة السياسية في قطاع غزة الذي تديره منذ 2007 بعد مواجهات داخلية مع حركة فتح المنافسة.
الأونروا: نواصل تقديم المساعدات المنقذة للحياة
من جانبها قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل للاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أمس الاثنين، إنها تواصل تقديم المساعدات المنقذة للحياة والخدمات الأساسية لنحو مليوني فلسطيني يعانون من الحرب والمجاعة.
جاء ذلك في تقرير صدر عن "الأونروا"، حول عملها في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة الممتدة بين جانفي 2025 وحتى الاثنين.
وأضافت الوكالة الأممية في تقريرها: "تظل الأونروا أكبر مزود للرعاية الصحية الأولية وسط المجاعة في مدينة غزة والظروف غير الإنسانية بجميع أنحاء القطاع".
وأوضحت أن أكثر من ألف موظف صحي تابع للأونروا يعملون على تشغيل 6 عيادات و20 نقطة طبية، في أنحاء القطاع المختلفة.وبينت الأونروا أن طواقمها أفادت خلال سبتمبر الماضي بوجود أكثر من 94 ألف نازح فلسطيني في 60 مركز للإيواء يتبع لإدارتها.
ونقلت الوكالة الأممية، عن أحد موظفيها قوله: "نحن نعمل في ظروف كارثية، نبذل كل ما بوسعنا لتقديم الخدمات للمحتاجين".وتواصل الأونروا هذه الخدمات رغم الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها، وحذرت مرارا من تداعياتها في ظل التدهور الشديد بالأوضاع الإنسانية للاجئ قطاع غزة.
وجددت الأونروا تأكيدها على امتلاكها ما يكفي من المواد الغذائية في مستودعاتها بالأردن ومصر، لتزويد جميع فلسطينيي غزة لمدة تصل إلى 3 أشهر، تحت وطأة المجاعة الناجمة عن إغلاق إسرائيل المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية.
ومنذ 2 مارس تغلق "إسرائيل" جميع المعابر المؤدية إلى غزة، وتمنع دخول أية مواد غذائية أو أدوية أو مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده.لكنها تسمح أحيانا بدخول كميات محدودة جدا من المساعدات لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المجوعين ولا تنهي المجاعة، لا سيما مع تعرض معظم الشاحنات للسطو من عصابات تقول "حكومة غزة" إن إسرائيل تحميها.
وفي 22 أوت، أعلنت "المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، حدوث مجاعة بمدينة غزة، وتوقعت أن تمتد إلى مدينتي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر الجاري.كما أشارت الوكالة الأممية إلى امتلاكها إمدادات من المواد اللازمة لإيواء النازحين تعادل حمولة ما يصل إلى ألفي شاحنة، أي بما يكفي نحو 1.3 مليون نسمة، وذلك في مخازنها خارج القطاع.ووفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الأحد، فإن 2 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون نسمة، تعرضوا للنزوح على مدى عامين من حرب الإبادة الجماعية جراء سياسة التهجير القسري.وتعيش نحو 288 ألف أسرة فلسطينية في قطاع غزة بلا مأوى، بعدما دمرت إسرائيل منازلهم وأجبرتهم على النزوح، وفق معطيات المكتب الحكومي.
وفاقم اهتراء ما يزيد عن 125 ألف خيمة نزوح من أصل 135 ألفا، وفق تقديرات المكتب الحكومي، من المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحون في الأماكن المؤقتة التي لجأوا إليها هربا من العمليات الإسرائيلية.