تبحث "إطارا أوليا" لاتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسط مؤشرات على قرب التوصل لاتفاق ينهي الحرب الدموية.
واكد المتحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحفي، قال فيه إن "الوفدين موجودان ويتم تيسير الحديث مع كل وفد على حدة".
وذكر الأنصاري أنه "يتم حاليا النقاش بشأن إطار تفاوضي أولي قبل بدء المرحلة النهائية" . كما جدد التأكيد على أن "ما يجري الحديث عنه هو ورقة إطار عامة، والمحادثات المفصلة لم تبدأ بعد".
وأشار المسؤول القطري إلى "سعي الوسطاء (قطر ومصر وإشراف أمريكي) لجسر الهوّة للإطار التفاوضي ولإيجاد بيئة مناسبة".
وأكد أن "جهود الوسطاء تنصبّ على الوصول إلى مرحلة لإنهاء الحرب في غزة"، ردا على سؤال بشأن وجود ضمانات لوقف تام للحرب.
في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية ويغيب الأفق السياسي لأي تسوية عادلة في الشرق الأوسط، شهد البيت الأبيض لقاءا جديدا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان زاخرا بالتصريحات السياسية ، لكنه خال على مستوى النتائج الفعلية.وفي تطور مثير للجدل، واصل رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الترويج لمقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، في تصريحات أدلى بها من البيت الأبيض، عقب لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .وفي مؤتمر صحفي مشترك، زعم نتنياهو أن "غزة لا ينبغي أن تكون سجنا"، مضيفا: "يجب منح الناس حق الاختيار الحر في البقاء أو المغادرة". تصريحات تأتي في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي صنفتها جهات حقوقية بأنها حرب إبادة جماعية .
وحاول نتنياهو تقديم المقترح بصفته "خيارا إنسانيا"، لا خطة قسرية، لكن المراقبين يرون أن حديثه يتسق مع جهود إسرائيلية مستمرة لشرعنة تهجير أصحاب الأرض، في ظل رفض دولي وعربي واسع لهذا المسار الإحتلالي الصهيوني. ووفق مراقبين لم يأت لقاء نتنياهو وترامب بجديد في مسار وقف حرب الإبادة ، بل أكد مضي الطرفين في سياسة فرض الوقائع على الأرض، مع دعم أمريكي صريح لإسرائيل، مقابل تجاهل تام للمجتمع الدولي والقرارات الأممية. وبينما يروّج نتنياهو لتهجير الفلسطينيين قسرا يتعمق الجرح الإنساني في غزة، ويزداد المشهد الإقليمي تعقيدا.
وكانت الجامعة العربية قد طرحت، بالتعاون مع دول ومنظمات إسلامية، خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، تمتد لخمسة أعوام بتكلفة تبلغ 53 مليار دولار، إلا أن ''إسرائيل'' والولايات المتحدة رفضتا هذه المبادرة، متمسكتين بخطط بديلة تشمل نقل السكان إلى دول مجاورة.
وتتزامن تصريحات نتنياهو مع استمرار تجاهل حكومته لمذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024، بحقه وبحق وزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، حيث خلف العدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023 أكثر من 194 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب آلاف المفقودين ومجاعة تضرب القطاع.
واتسم اللقاء الذي وصفته فاينانشيال تايمز بـ"عديم الإنجاز"، بطابع احتفائي بين الطرفين، حيث استغل ترامب المناسبة للحديث عمّا سماه "نجاحا هائلا" في علاقته الشخصية مع نتنياهو، دون أن يقدّم أي خطوات ملموسة نحو تحقيق سلام حقيقي في المنطقة، سواء في الملف الفلسطيني أو الإيراني.
من جانبه، لم يتردد نتنياهو في إغداق الثناء على ترامب، زاعما أن شراكتهما أثمرت عن تقدم "في تشكيل السلام في دولة بعد أخرى"، في إشارة مبطّنة إلى صفقات التطبيع السابقة. لكنه أيضا كشف عن نقطة شديدة الحساسية حين أشار إلى وجود "خطة مثيرة للجدل" لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهي التصريحات التي تفتح بابا واسعا للانتقادات، خاصة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي سبق وأدانت هذه التوجهات ووصفتها بمحاولات تطهير عرقي.
ويبدو أن الطرفين اختارا تجاهل الملفات الشائكة أو تأجيلها، إذ لم يحرز اللقاء أي تقدم يذكر بخصوص وقف إطلاق النار في غزة، ولا بشأن تصور ما بعد الحرب، ولا حتى حول المسار النووي الإيراني، حيث اكتفى ترامب بالحديث عن "محادثات محتملة" مع طهران، بينما ألمح مبعوثه إلى اجتماع مرتقب خلال الأيام القادمة، دون تحديد واضح.
لكن الأخطر ربما هو ما نُقل بشأن خطة لإعادة توطين الفلسطينيين النازحين من غزة في دول أخرى، وهي الفكرة التي أثارت موجة من الغضب العالمي في السابق. وقدّم نتنياهو طرحًا يحمل الكثير من الغموض حين قال: "من يريد البقاء، فليبقَ، ومن يريد الرحيل، يجب أن يكون قادرًا على ذلك"، في تصريح يعكس سياسة الباب الموارب، دون التزام بأي حماية لحق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم.
أما في ما يخص حل الدولتين، فقد ظهر التباين بين مواقف الإدارة الأمريكية الحالية ومواقف الإدارات السابقة. إذ بدا ترامب مترددا حين قال ردا على سؤال بشأن إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة: "لا أعرف". بينما أكد نتنياهو أن للفلسطينيين الحق في "كل صلاحيات الحكم، ما عدا تلك التي تهدد أمن إسرائيل"، في تكرار لموقف قديم يفرّغ فكرة الدولة من مضمونها الحقيقي.
ووفق محلليت يُمكن تلخيص اللقاء بأنه محاولة لإعادة تسويق التحالف السياسي بين ترامب و"نتنياهو" في فترة تشهد فيها المنطقة تحولات دراماتيكية، لكنه لم يحمل جديدا على مستوى الملفات الجوهرية، بل كشف استمرار التوجهات الإقصائية ضد الفلسطينيين، ومزيدا من التسييس لموضوعات تمس الأمن والسلم الدوليين.
دعم مطلق من أمريكا
من جانبه أوصى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صباح أمس الثلاثاء بترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام. وقدّم نتنياهو لترامب رسالة التوصية خلال لقائهما الليلة في البيت الأبيض. ولم يتوان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تقديم دعم سياسي واضح لنتنياهو، مؤكدا أن السلام في الشرق الأوسط ممكن "بقيادة أمريكية"، ومشدّدا على إمكانية إقامة اتفاقات تطبيع جديدة تشمل كافة دول الجوار.
وفيما يخص الملف الإيراني، كشف ترامب عن رغبة طهران في عقد لقاءات تفاوضية، قائلا: "لقد تلقوا ضربة كبيرة"، في إشارة إلى الهجوم الإسرائيلي الأمريكي المشترك الذي استمر 12 يوما في جوان الماضي. وأوضح ترامب أنه يأمل في رفع العقوبات عن إيران "عندما يحين الوقت المناسب"، مؤكداً أن طهران "لم تعد كما كانت، ولم تعد تردد شعارات العداء للولايات المتحدة وإسرائيل".
وعلى صعيد الملف السوري، أعلن ترامب إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا، مبررا القرار بأنه جاء استجابة لطلب من نتنياهو وعدد من دول المنطقة. وأبدى إعجابه بالرئيس السوري أحمد الشرع، معتبرًا أن "له خلفية معقدة وينتمي لمنطقة جغرافية صعبة"، ما يفتح بابًا للتكهنات بشأن مستقبل العلاقة بين واشنطن ودمشق في المرحلة المقبلة.
تحريض على "سحق" غزة
في الأثناء حرّض وزيرا الإحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش،أمس الثلاثاء، على وقف إدخال مساعدات إغاثية (الشحيحة) إلى قطاع غزة و"سحق" الفلسطينيين وتجويعهم حتى الموت وتهجيرهم ووقف مفاوضات وقف إطلاق النار.
ومعروف أن بن غفير (وزير الأمن القومي) وسموتريتش (وزير المالية) يعارضان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ويطالبان بشكل متكرر باحتلال القطاع وتهجير الفلسطينيين منه وإقامة مستوطنات يهودية على أراضيه.
وغداة مقتل 5 جنود إسرائيليين بكمين شمال قطاع غزة، دعا بن غفير بمنشور على منصة "إكس"، رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو إلى "إعادة الوفد الذي ذهب للتفاوض مع حماس في الدوحة فورًا".
واعتبر أنه "لا داعي للتفاوض" مع من يقتلون الجنود الإسرائيليين، وأنه "يجب سحقهم حتى العظم، وتجويعهم حتى الموت، لا خنقهم بالمساعدات الإنسانية التي تمدهم بالأكسجين"، وفق تعبيره.
ورأى بن غفير أن "الحصار الشامل والسحق العسكري وتشجيع الهجرة والاستيطان، هي مفاتيح النصر الكامل"، وفق تعبيره، وليس "صفقة متهورة" تُطلق سراح آلاف الفلسطينيين وتسحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في القطاع.
من جهته، طالب سموتريتش على "إكس" نتنياهو ورئيس الأركان إيال زامير إلى "التوقف فورًا" عن السماح بدخول مساعدات إلى غزة حيث يقتل عسكريون إسرائيليون، وحرّض على "محاصرة مناطق القتال واستنزاف العدو الموجود فيها قبل أن يواجه جنودنا".
كما طالب بـ "الإعلان أن أي أرض تُحتل لن تُهجر"، وأضاف: "من غير المنطقي، حتى في سياق صفقة رهائن، السماح للعدو بإعادة ترسيخ وجوده في المنطقة وتعريض جنودنا للخطر مجددًا باضطراره إلى غزوها مرارًا وتكرارًا. ليس هكذا ننتصر بالحرب"، وفق تعبيره.
وصباح الثلاثاء، أعلن جيش الإحتلال الإسرائيلي مقتل 5 جنود وإصابة 14، بينهم 2 بجروح خطيرة، بانفجار عبوات ناسفة وإطلاق نار في بيت حانون شمال قطاع غزة. بدورها، نشرت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، صورة عبر منصة "تلغرام" توعدت فيها بمزيد من الكمائن النوعية.وكتبت: "سندك هيبة جيشكم، جنائز وجثث جنود العدو ستصبح حدثا دائما ومستمرا بإذن الله طالما استمر عدوان الاحتلال وحربه المجرمة ضد شعبنا".
ويأتي الكمين النوعي لـ"كتائب القسام" رغم استمرار الإبادة الإسرائيلية في القطاع بدعم أمريكي مطلق، فضلا عن الرقابة المشددة التي تفرضها تل أبيب على خسائرها، ما يرشح عدد القتلى والمصابين للارتفاع.
كما يتزامن الكمين مع استئناف المفاوضات غير المباشرة بين "حماس" وإسرائيل في الدوحة بشأن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مع مماطلة نتنياهو وإصراره على مواصلة الإبادة، بينما وافقت الحركة الفلسطينية على مقترحات سابقة.
معسكر اعتقال جماعي
على صعيد متصل قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان،أمس الثلاثاء، إن "إسرائيل" تعامل فلسطينيي غزة كمحتجزين في معسكر اعتقال جماعي حيث يُجبرون على العيش في رقعة لا تتجاوز 55 كيلو مترا أي أقل من 15 بالمائة من مساحة القطاع وتخضع لرقابة عسكرية مُشددة، مؤكدا أن الكثافة السكانية في تلك المنطقة غير مسبوقة ولم "تُسجل في أي منطقة مأهولة على وجه الأرض".
وأضاف المرصد الحقوقي في بيان، أنه بعد مرور 21 شهرا من العدوان الإسرائيلي في غزة، يتعرض القطاع لعملية "محو شاملة إذ بات سكانه يُعاملون كمحتجزين في معسكر اعتقال جماعي، مجبرين على العيش في رقعة خانقة لا تتجاوز 55 كيلو مترا، وتخضع لمراقبة عسكرية مشددة واستهداف مباشر".
وأوضح أن الفلسطينيين لم يتبق لهم سوى أقل من 15 بالمائة من مساحة القطاع، حيث حُشروا في مساحة ضيقة وسط "ظروف خانقة تحت القصف والحصار، وفي ظل انعدام المياه والغذاء والمأوى والرعاية الصحية، ومنع فعلي للعودة إلى مناطقهم الأصلية المدمَّرة أو المحظورة".
وتابع: "السكّان يعيشون في هذا الحيز الضيّق والمدمر والمستهدَف على مدار الساعة، في ظروف اكتظاظ غير مسبوقة، إذ يبلغ متوسط الكثافة السكانية نحو 40 ألف شخص في الكيلومتر المربّع، فيما تسجل منطقة المواصي وحدها أكثر من 47 ألف شخص في الكيلومتر المربع، وهي كثافة لم تُسجَّل في أي منطقة مأهولة على وجه الأرض".
وذكر أن تلك السياسية "مدروسة، وتٌجسد إبادة جماعية تنفّذها إسرائيل لاقتلاع شعب من جذوره ومحو وجوده المادي والسكاني من أرضه، عبر القتل الجماعي والتهجير القسري والتجويع والتدمير المنهجي للحياة".وفي السياق، أكد المرصد أن الجيش الإسرائيلي حول 85 بالمائة من مساحة القطاع إلى مناطق مغلقة بفعل أوامر التهجير القسري أو السيطرة العسكرية غير القانونية.
وبيّن أن ذلك يأتي "ضمن سياسة متعمّدة تستهدف طمس الوجود السكاني الفلسطيني في غزة، عبر اقتلاع سكّانه، وتقويض الحياة البشرية، وتفكيك البنية المجتمعية والجغرافية للقطاع، في نمطٍ منظّم من الجرائم التي تُشكّل في مجملها عملية إبادة جماعية بموجب القانون الدولي".وأشار إلى أن الفلسطينيين يطردون من مناطق نزوحهم إلى ما تسميه قوات جيش الاحتلال بـ"مناطق إنسانية وآمنة”، ليتّضح في كل مرة أنها ليست سوى أفخاخ موت جديدة، وفق البيان.
واعتبر أن "حصر السكان بين القصف والجوع والمرض، ومنعهم من العودة أو حتى البقاء قرب منازلهم المدمرة، يكشف بوضوح أن ما يُنفذ في غزة ليس مجرد حركة نزوح اضطراري، بل هو جزء من سياسة تهجير قسري دائمة ومخطط لها".وقال إن تلك السياسة تهدف إلى "إحداث تغيير ديمغرافي شامل وتحويل غزة إلى منطقة خالية من سكانها الأصليين، خاضعة لسيطرة عسكرية كاملة ومحاطة بحصار خانق غير قانوني"، مؤكدا أن النزوح ليس "نتيجة عرضية للحرب، بل غاية إستراتيجية بحد ذاتها".
ووفق معطيات وثقها المرصد الأورومتوسطي ونشرها البيان، فإن إسرائيل دمرت أكثر من 92 بالمائة من منازل قطاع غزة، وألحقت دمارا كليا أو جزئيا جسيمًا بأكثر من 80 بالمائة من المدارس و90 بالمائة من المستشفيات.
كما دمر جيش الاحتلال جميع الجامعات في القطاع بالكامل، في وقت مسح فيه أحياء ومدن وقرى ومخيمات بأكملها من الخارطة بكل ما تحمله من منازل وشوارع ومؤسسات وأسواق ومساجد، بحسب البيان.وشدد على أن تلك السياسة تهدف "بوضوح إلى منع أي إمكانية للعودة، حيث تعمل قوات الاحتلال حتى على إزالة الركام ونقله إلى داخل إسرائيل، لمنع الفلسطينيين من العودة بأي وسيلة كانت".
ولفت إلى أن "نمط إصدار أوامر التهجير القسري، وجرائم القتل والتدمير واسعة النطاق، وسياسة التجويع المتعمد، تشكّل مكونات متكاملة لخطة إسرائيلية مُعلنة تمضي بلا مواربة نحو تنفيذ المرحلة النهائية من جريمتها وهدفها الأصلي، الطرد الجماعي للفلسطينيين خارج أرضهم، وتحديدًا خارج قطاع غزة".ودعا المرصد الأورومتوسطي "جميع الدول إلى الاعتراف بأن ما يتعرّض له سكّان قطاع غزة ليست عمليات إخلاء، بل عملية محو منهجية لشعب بأكمله".
وطالب الدول بتحمل مسؤولياتها القانونية "واتخاذ تحرك عاجل وفعّال لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة، بما يشمل جميع الوسائل المتاحة لحماية المدنيين الفلسطينيين، ومساءلة إسرائيل عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين".