محادثات نووية في روما بين طهران و''الترويكا'' الأوروبية إيران بين إعادة التموضع الأوروبي وضغوط العقوبات الأمريكية

تتجه الأنظار الى روما التي تشهد يوم غد السبت3 ماي 2025 جولة جديدة من المفاوضات النووية بين ايران والولايات المتحدة.

وتلقي العقوبات الأمريكية الجديدة بظلها على هذه الجولة التي تتزامن أيضا مع اجتماع بين ايران ودول الترويكا الأوروبية". ووجهت طهران على لسان وزير خارجيتها انتقادا لتراجع الدور الأوروبي في مسار المفاوضات .

وفرضت واشنطن حزمة جديدة من العقوبات طالت من وصفته بـ"قطب الغاز الطبيعي الإيراني" سيد إمام جمعة، وشبكته التجارية. كما أعلنت فرض عقوبات على "شبكة" مقرها إيران والصين، اتهمتها بشراء مكونات وقود الصواريخ الباليستية نيابة عن الحرس الثوري الإيراني.
واعتبر وزير الخارجية الإيراني ان هذه العقوبات الأمريكية الجديدة تبعث برسالة سلبية لمسار المفاوضات.
وتعد جولة روما، هي الرابعة، بعدما أجرى عراقجي ومبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، السبت الماضي، جولة ثالثة من المحادثات في مسقط عبر وسطاء عمانيين استمرت نحو 6 ساعات، وذلك بعد أسبوع من جولة ثانية في روما وصفها الجانبان بـ"البناءة".
بين الدبلوماسية والصراع
وفي خضمّ مناخ متوتر من الشكوك والتجاذبات الدبلوماسية، تستعد ايران لعقد هذه الجولة الجديدة مع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك في العاصمة الإيطالية روما اليوم الجمعة، في خطوة تأتي قبل استئناف مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن المقررة يوم السبت في المدينة ذاتها. وبينما تسعى إيران للحفاظ على خطوط الحوار مفتوحة، تكشف التطورات الأخيرة أن التباين بين أطراف الاتفاق لم يعد يقتصر على القضايا التقنية بل بات يمتد إلى مفاهيم الثقة والمصالح والسيادة.
وقالت إيران أمس إن الجولة المقبلة من المباحثات بشأن البرنامج النووي المتسارع في التقدم مع الولايات المتحدة ستبدأ في روما السبت المقبل.وأدلى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بهذا التصريح على هامش اجتماع وزاري، مضيفا أن إيران ستعقد اجتماعا يوم غد الجمعة مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لمناقشة المباحثات.وتهدف المباحثات لوضع حد للبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع بعض العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على إيران.
وعبّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وفي تصريحات علنية الأربعاء، عن تشككه في جدوى الدور الأوروبي في الملف النووي، متهما الترويكا الأوروبية – بريطانيا، فرنسا، وألمانيا – بتبني سياسات "خاطئة" أفقدتها تأثيرها. إلا أنه رغم هذا التوصيف السلبي، أكد استعداد طهران للجلوس على طاولة الحوار مع هذه الدول في روما، في إشارة مزدوجة للحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة من جهة، واختبار مدى جدية الأوروبيين في تبني موقف مستقل عن الضغوط الأمريكية من جهة أخرى.
وتأتي هذه المبادرة الإيرانية في وقت حساس إذ تسعى طهران إلى استثمار الزخم الذي ولدته الجولة السابقة من المفاوضات مع واشنطن في سلطنة عمان، إلى جانب محادثات ثنائية مع روسيا والصين، الحليفين الأكثر انفتاحا على الموقف الإيراني.

ارتباك أوروبي
ويؤكّد متابعون أنّه رغم تردد أولي من قبل ''الترويكا'' الأوروبية بشأن الاستجابة لدعوة طهران، خوفا من تقويض المسار التفاوضي مع إدارة ترامب عبر خلق "مسار موازي"، قرّرت العواصم الثلاث في النهاية خوض اللقاء. وأكّد دبلوماسيون أوروبيون أنّ استمرار الحوار مع إيران يبقى أداة ضرورية لإعادة تأكيد رؤيتهم لشكل أي اتفاق نووي محتمل، لا سيما في ظلّ غياب التوافق الكامل داخل المعسكر الغربي حول إستراتيجية التعامل مع طهران.
وفي هذا السياق، عُقد أمس الأول اجتماع في برلين بين مسؤولين أوروبيين وأمريكيين لتنسيق المواقف قبل اجتماعات روما، ما يشير إلى أن التنسيق عبر الأطلسي لا يزال محوريا رغم الاختلافات التكتيكية.
ولم يقتصر التصعيد على اللغة الدبلوماسية، بل تزامن مع تحذيرات صريحة من إعادة فرض العقوبات الدولية. إذ لم يتردّد وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، جان نويل بارو، في التهديد بإعادة العقوبات الأممية، مؤكّدا أنّ الفشل في التوصل إلى اتفاق سيغلق أبواب التكنولوجيا والاستثمار الأوروبي بشكل دائم أمام إيران. أما طهران فقد ردت بقوة عبر مندوبها في الأمم المتحدة معتبرة التصريحات الفرنسية تهديدا صريحا بالإكراه الاقتصادي والسياسي، واصفة أي مسعى لإعادة العقوبات بأنه "باطل ومرفوض قانونيا".
وحذرت فرنسا الإثنين الماضي، من أنها لن تتوانى "ولو لثانية واحدة" إلى جانب ألمانيا والمملكة المتحدة، عن إعادة فرض عقوبات على طهران في حال كان أمن أوروبا مهددًا بالبرنامج النووي الإيراني، بينما أدانت إيران هذه "التهديدات".
وذكرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في رسالة أن "اللجوء إلى التهديدات والابتزاز الاقتصادي أمر غير مقبول بتاتًا ويشكل انتهاكا صارخا لمبادئ شرعة الأمم المتحدة". وأشارت البعثة الإيرانية في رسالتها إلى أن "الدبلوماسية الحقيقية لا تجوز تحت التهديد أو الضغط".
وشدّدت على أنه "إذا كانت فرنسا وشركاؤها مهتمين حقا بالتوصل إلى حل دبلوماسي فعليهم التخلي عن الإكراه".وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية أمس الأول عقوبات جديدة على ما وصفتها بأنها شبكة مقرها إيران والصين تتهمها بشراء مكونات وقود صواريخ باليستية لصالح الحرس الثوري.وعلّق عراقجي على ذلك بقوله إن فرض عقوبات أميركية خلال إجراء المفاوضات يبعث "برسالة سلبية".وأكد ترمب ثقته في التوصل إلى اتفاق جديد من شأنه أن يمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.
من جهته أعلن أمير سعيد إيرواني، سفير ومندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة ، في رسالة إلى مجلس الأمن، أن ادعاءات وزير خارجية فرنسا بأن إيران على وشك تطوير سلاح نووي، عارية تمامًا من الصحة وغير مسؤولة سياسيا، مؤكدا أن إيران لم تسع يوما لامتلاك سلاح نووي ولم تغير عقيدتها الدفاعية.

وأضاف "إيرواني": "إذا كانت فرنسا وشركاؤها يبحثون حقًا عن حل دبلوماسي، فعليهم أن يكفوا عن التهديد ويحترموا الحقوق السيادية للدول وفقًا للقانون الدولي"، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم".وقال إن خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووي" كانت إنجازا تاريخيا ومتعدد الأطراف صادق عليه مجلس الأمن بالإجماع عبر القرار 2231 (2015)، وفشل هذا الاتفاق لم يكن بسبب إيران، بل نتيجة الانسحاب غير القانوني وغير المسؤول من قبل الولايات المتحدة، وعجز الترويكا الأوروبية عن الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية.
وأوضح أن إيران مارست صبرا استراتيجيا لأكثر من عام، ثم بدأت بتخفيض التزاماتها تدريجيًا وفقًا للمواد 26 و36 من الاتفاق، وكانت جميع إجراءاتها شفافة ومتناسبة مع التطورات.وأشار إلى أن تهديد وزير الخارجية الفرنسي بإعادة فرض عقوبات "مدمرة" على الاقتصاد الإيراني، هو مثال صارخ على الابتزاز السياسي والاقتصادي، واللجوء إلى التهديدات الاقتصادية غير مقبول ويعد انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة.
مواقف متباينة وتحديات متصاعدة
ويرى مراقبون أن الملف النووي الإيراني اليوم لم يعد يُختزل في صيغة فنية حول نسب التخصيب ومخزونات اليورانيوم، بل بات يعكس شبكة معقدة من التوازنات الجيوسياسية، بدءا من موقف إسرائيل وتحالفاتها، مرورا بالتوترات في أوكرانيا، ووصولا إلى الحسابات الانتخابية في الولايات المتحدة.
وفي قلب هذا المشهد، تتقدم طهران بخطى محسوبة، تدرك خلالها أن الوقت قد لا يكون في صالحها اقتصاديا، لكنها تراهن على تآكل التماسك الغربي وصعوبة فرض جبهة موحدة في ظل التحديات المتعددة التي تواجه أوروبا والولايات المتحدة.
لا يبدو لقاء روما المقبل أنه سيكون حاسما بقدر ما سيكون محطة اختبار لنيات الأطراف. إيران تريد من الأوروبيين موقفًا أكثر استقلالية، بينما تحاول العواصم الغربية احتواء التوتر دون كسر أدوات الضغط. أما واشنطن، فهي تُبقي على سياسة "العصا والعقوبات" بيد، وتلوّح بالتفاوض باليد الأخرى.
مفاوضات سابقة
يأتي هذا التطور بعد أيام من المفاوضات التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط، والتي اتسمت بحدة التباين، خصوصا بعد تصريحات كبير المفاوضين الأميركيين ستيفن ويتكوف، الذي طالب بوقف شامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وهو ما قوبل برفض قاطع من طهران، عبّر عنه وزير خارجيتها عباس عراقجي بوصفه "طلباً غير قابل للتفاوض".
ووفق مراقبين فإن ما أثار حيرة الأوساط السياسية خصوصا في إيران، هو التباين الشديد بين نبرة مسقط الحادة والمرونة النسبية التي بدت في روما، حيث أبدى الطرفان استعدادا للانخراط في مناقشات تقنية مفصلة، وهي مرحلة غالبا ما تعكس مستوى معينا من التفاهم السياسي المبدئي.
وتطرح هذه المفارقة تساؤلات حول ما إذا كان هذا التقدم هو نتيجة "اتفاق غير معلن" تم التوصل إليه خلف الأبواب المغلقة، أم أنه انعكاس لتوازن قوى جديد في الإقليم، فرض على واشنطن تهدئة الخطاب مقابل مكاسب فنية تدريجية، خصوصاً مع تزايد النفوذ الروسي والصيني في ملفات الشرق الأوسط.
وفي موازاة مفاوضات روما، واصلت واشنطن استعراض قوتها في المنطقة، عبر تحريك حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية، ورسائل مباشرة حملها مسؤولوها إلى الحلفاء الأوروبيين بشأن "نفاد الصبر" من مماطلة طهران. وقد دعا البيت الأبيض علنا إلى تفعيل آلية الزناد من قبل الترويكا الأوروبية، التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران بشكل تلقائي.
لكن هذه اللهجة الصارمة لم تمنع الولايات المتحدة من مواصلة المسار التفاوضي، ما يعزز فرضية أن التصعيد هو ورقة ضغط أكثر منه تمهيد لصدام فعلي. ومن هنا، يبرز التناقض بين الخطاب المعلن والأفعال الميدانية، ما يدفع مراقبين إلى اعتبار سياسة واشنطن الحالية "ازدواجية محسوبة" تهدف إلى فرض شروط تقنية قاسية على طهران دون الوصول إلى حافة الهاوية.
ما بين رسائل التهديد الأمريكية ومواقف التشدد الإيرانية، يبدو أن مفاوضات روما قد تكسر الجمود، لكنها لم تحلّ العقدة المركزية المتعلقة بمستقبل البرنامج النووي. فالتفاهم المبدئي على انطلاق المباحثات التقنية قد لا يعني التوصل لاتفاق، لكنه يشير إلى رغبة الطرفين في تجنب الانفجار.
وفي عام 2015، توصلت إيران إلى اتفاق نووي مع القوى الكبرى، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا، نصّ على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها.
غير أن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، قرر في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق خلال ولايته الرئاسية الأولى (2017–2021)، واصفًا إياه بأنه "اتفاق سيئ وغير دائم ولا يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية".
عقب الانسحاب، أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات الأمريكية على طهران في محاولة للضغط عليها من أجل التفاوض على اتفاق أشمل. ورغم انسحاب واشنطن، واصلت إيران التزامها ببنود الاتفاق لعام إضافي، قبل أن تبدأ في التراجع تدريجيًا عن تلك الالتزامات.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115