الدكتور محمد حاتم هميلة للمغرب: اعادة هيكلة المؤسسات الثقافية اولى سبل الاصلاح الثقافي

فنان حالم، باحث مجدد في الموسيقى تحديدا الايقاعية، له سحره الخاص وطريقة مميز في العزف والانتشاء مع موسيقاه،

محمد حاتم هميلة فنان ناجح وإداري متمكن من معارفه، كلما عزف نجح ومتى مسك ادارة فنية لتظاهرة تميّز، فنان متلوّن ومجدد في الموسيقى.

محمد حاتم هميلة من مواليد 1981، باحث في العلوم الثقافية، الموسيقى والعلوم الموسيقية تحديدا ادارة الاعمال الثقافية ، عاشق للايقاعات اختارها وسيلته لينحت ذاته الابداعية، للمغرب تحدّث عن العازف في تونس ومشاكله والحلول لمقترحة لعلاج وضعية العازف في بلاده.

حاتم هميلة دكتور في العلوم الثقافية والايقاع؟ كيف انطلقت هذه العلاقة؟

ككل الاطفال كنت ألعب بكل ما يصدر الاصوات في المطبخ، تقنيا اليوم يسمى bruitage، ذاك الضجيج كبر معي وأحببت الالات الايقاعية، في العائلة هناك عازف ايقاع هو ابن خالي الاسعد العذاري عازف اول بفرقة الاذاعة والتلفزة التونسية (يعزف الان مع زياد غرسة) وفي شارع لندرة الباساج انطلقت اولى علاقاتي الحقيقية بالإيقاع و"شربت الموسيقى" هناك وحضرت على عمي الطاهر غرسة وسي الفاضل بلعلجية والبرايف في الاذاعة والرشيدية وذاك الانبهار صنع مني عازف ايقاع.
من الضجيج الطفولي الى اللعب على اكبر المسارح في العالم، كيف تشكلت السيرورة؟
التكوين أولا واساسا، درست بالمعهد الجهوي بسوسة ودرست موسيقى فمن المهم ان تصقل الموهبة بالعلم، ثم المنتخب الموسيقي للجهة، والمجال المدرسي وبين المعاهد وطورت امكانياتي ووجدت ان الايقاع حقه مهضوم في تونس.
اثناء الدراسة اكتشفت الطبقية الموسيقية ، في تونس التقدير اولا لعازف البيانو ثم الكمنجة وفي المرتبة الاخيرة عازف الايقاع "طبّال" او "درباكجي" في الثقافة المجتمعية، لذلك حاولت الدفاع عن هذا الفن.
في المعهد الجهوي للموسيقى عزفت الكمنجة الاوركسترالية وزميلي جاسر الحاج يوسف افضل عازفي الكمنجة.ثم جاءت الفرصة مع الدكتور محمد زين العابدين وفتح لأجلي قسم الايقاع، اتممت الماجستير والدكتوراه وكنت اول استاذ يشرف على قسم الايقاع في المعهد العالي للموسيقى بتونس ثم سوسة.
ما الذي اضفته للإيقاع بعد التخصص الاكاديمي؟

خلقت وطورت الكتابة لآلات الايقاع العربية، في العادة عازف الايقاع يعزف "دمغي" بصفة فطرية، لذلك خلقت طريقة لكتابة النوتة للإيقاع لتكون اكاديمية وتطوير منهج لتعليم الايقاع بين المشافهة والكتابة وأصبحت تدرّس في المعاهد العليا، وكوّنت عدد من عازفي الايقاع المتميزين اليوم على غرار جهاد الخميري وباسم شقرون.
كعازف ايقاع طورت من نفسي انطلقت بالات الايقاع العربية ثم آلات الايقاع العالمية والايرانية والهندية والاوركسترالية ما سمح لي بالعزف مع الاستاذ محمد القرفي في قرطاج وسيد احمد عاشور، اشتغلت مع الاسماء الهامة، ثم عزفت مع صابر الرباعي في جرش واخيرا عرض ظلال الاطلس مع عطيل معاوي.

الجولات في مسارح العالم كيف اثرت في اسلوبك؟

الموسيقى بحر ويلزمها الكثير من التضحيات، ما جعلني موجود هو بحثي الدائم عن آلات ايقاعية جديدة، كلما اسافر ابحث عن هذه الايقاعات في تلك الدول واستثمر في تطوير مهاراتي وابداعي، اختصيت في "الضجيج الموسيقي" المستعمل كثيرا في السينما، وهو مستوحى كثيرا من الطبيعة، اصوات الشلال او الرياح جميعها توجد في آلات ايقاعية ادخلتها للمجال الموسيقي التونسي، فكما حاكى الانسان البدائي الطبيعة احاكي موسيقات جديدة ما يضفي جمالية على العرض.
من المهم الاحتكاك بالثقافات المختلفة، جميل ان نطور في المهارات وندخل وسائل وآلات جديدة للايقاع لانه فعلا عالم فسيح للبحث والتجديد.
هل تمرر غرامك لطلبتك؟
اذا لم يمرر الاستاذ المحبة للطالب فهو لم يؤدي رسالته وهذا اول ما يلتزم به الباحث، هناك آلات لاول مرة ادخلها الى تونس واليوم يعزفها طلبتي ويتفننون هم ايضا في تجديدها، حاولت اضفاء جمالية بصرية وموسيقية.
اي عرض اشارك فيه اشعر انه عرضي لذلك، لذلك يولد الطاقة بيني وبين العازفين في مجالي الاكاديمي تمرير الطاقة والمحبة للطالب رسالة ضرورية، لا يوجد شخص خالد ولهذا نحاول فتح المجال لأغلب طلبتنا ونمرر مشعل الابداع الى غيرنا.
طوّرت في الالات الايقاعية حدّ ان كان لك مشروعك الفني الخاص؟ كيف كانت تجربة شوق؟
في تونس عازفي الايقاع الذين بادروا لانجاز عرض متكامل اساسه الايقاع قلائل، تحديدا الرائع نصر الدين الشبلي الذي اختار الايقاعات الشعبية بمجالاتها الشاسعة وحاتم هميلة، "شوق" ليس مجرد عرض موسيقي بل تجربة بحثية اساسها لايقاع، تجربة في موسيقات مختلفة تنطلق من المحلي الى المتوسطي فالعالم، العرض قدم في جاز قرطاج واختتام ليالي متحف سوسة، واعتبره تجربة مميزة دافعت عبرها عن الات الايقاع.

 

هل اثرت الموسيقى على شخصيتك؟
الموسيقى علمتني الحلم، الموسيقى جعلتني احلم اكثر عزفت مع آروهان عصمان وايتاتش دوغان وحسنو ثلاث قامات موسيقية ربما لم احلم يوما برؤيتهم في الواقع فكيف باللعب والعزف معهم، الموسيقى اهلتني لأكون مدير فني وتقني لمهرجانات عديدة، على غرار مهرجان سوسة الدولي اردت ان اضع خبرتي لاطور مجالي الموسيقي، ورغم النجاحات والحلم لست راض على الوضع الموسيقي في تونس.
وما سبب عدم الرضا؟

الموسيقيين التونسيين مبدعين ومتميزين، التونسي سبّاق في الموسيقى في السبعينات والثمانينات لكن اليوم المغرب سبقتنا، السعودية سبقتنا بأشواط والمسالة ليست مادية اساسا بل مسالة إرادة اليوم لا يمكن ان تجتمع الادارة والموسيقى، في النهاية ارغب في التطوير ايمانا بدوري كموسيقي والتزاما بواجبي تجاه بلدي.
لنا خبرات موسيقية بتقنيات عالمية لكن للأسف غير معروفين، الماكينة يجب ان تنتبه لهم، الماكينة الثقافية والإنتاجية والإعلامية ثلاثتهم يجب ان يتحدوا لخدمة العازف التونسي وإبراز قدراته الحقيقية ليستطيع منافسة عازفين من العالم، يجب ان نفتح المجالات ونقدم سبق لموسيقيينا، فالموسيقى ايضا يمكنها ادخال العملة الصعبة للبلد، في اطار السياحة الثقافية والموسيقية والديبلوماسية الثقافية وهو ما ينقصنا حاليا، الثقافة بكل تلوينتها يمكن ان تقدم الصورة الحقيقية للبلد.
للاسف نظرتنا للموسيقي دونية، الايقاع جعلني اكثر حساسة تجاه بلدي لأطورها موسيقيا ليس كعازف فقط، الموسيقى تركت الروح حية تجاه عائلتي المصغرة ثم المجموعة الوطنية وبلادي لانني اؤمن ان الموسيقى رسالة.
بعد نجاحاتك في مجال العزف ثم النجاح في الادارة الفنية لمهرجات في سوسة؟ ما المرحلة القادمة؟
منذ العام 2007 ساهمت في المشهد الثقافي بسوسة وهو واجبي ، حاتم هميلة قرر ان يبقى عازف فقط، لاننا نعيش في زمن الجحود، العازف والفنان احيانا تكفه كلمة "يعطيك الصحة" لكن في 13عام الاخيرة جاء الكثير من الفوضوية والعديد من الناس غير مؤهلين للمناصب وتولوا ذلك لانتماءاتهم الحزبية وتشكلت "عصابات موسيقية"، وجدتني بين خيارين اما ان اربح حاتم الفنان والانسان او الضياع في الماكينة لذلك فضلت الموسيقى وحتى العروض انتقي ما يشبهني للمشاركة.
في الحقيقة كإدارة فنيا لم يقترح علي التجربة، كمسؤولية نحن جاهزين لخدمة البلاد ونقدم افكارنا لنطور مجالنا الموسيقي ولم تأتي مقترحات جادة للمسؤولية، حاتم هميلة استاذ وعازف الى ان يأتي ما يخالف.
نعيش اليوم في عصر الذكاء الاصطناعي هل يخيفك هذا الجديد التكنولوجي؟
الموسيقى تتطوّر دائما، في كل مرحلة هناك موسيقات جديدة تظهر وتختفي، نحن في طريقنا الى الموسيقى والايقاعات الالكترونية وهي موجودة بكثرة في العالم، كموسيقي علي ان افهم في الاعلامية الموسيقية ومواكبة التطورات لمعرفة كيفية مجارات هذا التجديد، لكن التطوير التكنولوجي لا يغير الروح الموسيقية للعازف في الاستوديو ممكن ذلك لكن على الركح مستحيل، الالات الايقاعية لا يمكن تغييرها بأصوات الكترونية لان "الجلد عالجلد" والقلب النابض لا يغير بآلة التكنولوجيا لم تنجح في تغيير بعض الالات .
بما انك اكاديمي وممارس للمهنة الموسيقية، هل يمكن ان تقدم لنا ابرز مشكل الموسيقي في تونس؟

هي عديد ابرزها كثرة الكلام وجملة ليس لدينا انتاج التي اصبحت "ترند" لكن هل تساءل اصحابها هل الفنان مكتف في قوته اليومي؟ من مشاكل الموسيقى الاقتصار على دعم وزارة الشؤون الثقافية وهو غير كاف، على الجمعيات ان تتدخل، رجال الاعمال يجب ان يستثمروا في الموسيقى على الدولة ايضا ان تعرّف بعازفيها، ليجدوا مساحات اكبر للنجاح.
اجر العازف في تونس قليل جدا مقارنة بغيره في دول اخرى، اليوم العازف يتحصل على كاشي 400دينار في حفلة و20دينار للبروفة بينما في مصر مثلا الحفلة للعازف تصل الى 3000دولار اليس الفرق شاسع بينهما؟.
هل هناك حلول؟

العازف ليس مرتزق موسيقي، العازف له ابداعاته وكفانا التعامل معهم على اساس مرتزقة، كما يجب الفصل بين الثقافة والسياسة لا يمكن ان نخدم الموسيقى للسياسة لذلك يجب ان يطبق قانون الفنان، يجب ان نحسن وضعية خلاص العازف التونسي، يجب منع الفنانين الاجانب من اصطحاب اكثر من خمس عازفين في اي حفلة على ركح قرطاج، لماذا في بلدانهم يحترمون عازفيهم ويطبقون القوانين بينما نحن نستقبل الفنان ومعه فرقة باكملها؟
اليوم اذا البلاد تحترم فنانيها وتسهل لهم الاجراءات حينها يمكن ان نتحدث على قيمة للفنان.
الاعلام مساهم ايضا في انحدار العازف التونسي، القنوات الخاصة يمكن ان تشتغل على "البوز" لكن من واجبها التعريف بابداعات فناني البلاد، المسؤولية مشتركة بين مسؤولية الدولة والإعلام كسلطة رابعة ورجال الاعمال وقوة القانون.
من الحلول الجذرية اعادة الهيكلة للعديد من المؤسسات الثقافية في البلاد ووضع الاشخاص المناسبين على راس هذه المؤسسات على اساس الخبرة والكفاءة، هناك العديد من مظاهر اللاتنظيم في الادارات الثقافية: فمسرح ابورا تونس الى اليوم لا وجود لقانون ينظمه؟ المهرجانات الكبرى مثل الحمامات وقرطاج كل يعمل منفصلا، هل يعقل ان ينتج مسرح الاوبرا عرضا ولا يتجول بين المسارح والمهرجانات الكبرى؟ وفعلا عيب في حق البلاد ان يهاجر فنانيها ليبدعوا في الخارج.

هل فكّرت يوما في الهجرة؟

لا افكر بالهجرة لايماني بواجبي في وطني، هناك امل للتغيير، سياسيا هناك ملامح للتغير لكن هل يمكن للفنان ان ينتظر كثيرا ليصل هذا التغيير الى الثقافة، حان وقت تطهير كامل لكل الهياكل الثقافية في البلاد وإعادة هيكلتها ارجو ان يصل صوتي الى المسؤولين، فالثقافة مرآة البلاد ودفاعنا عن استراتجيات عمل واضحة وضرورة الدفاع عن الموسيقى التونسية واجبنا.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115