لوحات الرسام العراقي ضياء حمزة: من عشتار الى إنانا يثور اللون انتصارا للانثى

حلّق في سماء الحرية، افتح ذراعيك للحب وانتشي بأحاسيسك المبثوثة في الالوان،

كن شمسا او قمرا، كن ظلمة او نورا، كن لوحة او نوتة موسيقية، كن انسانا يذوب في صدقه وتماهيه الكلي مع غاية وجوده وإبداعه "كن ثملا بالحب فان الوجود كله محبة" هكذا هو انصهار اللون مع الخطوط والافكار في لوحات الرسام العراقي الشاب ضياء حمزة، اعماله سردية للحرية وللجمال.

ضياء حمزة طفل شغوف لا يكبر، كلما رسم ابدع وعاد الى دهاليز الذاكرة وزرعها املا، اعماله موشاة بقيم الحب ومعاني الجمال في اقصى ابعاده الكونية، رسم الانثى فابدع وعالج واقعه باسلوبه وانتشى مع الوانه حدّ التصوّف فكانت لوحاته عبارة عن جرعة حبّ مجانية.

النساء حياة وريشة ضياء حمزة تغازل روح الانثى

هنّ مانحات الحياة والحبّ، السعادة انثى، الفرحة انثى، الوطن مؤنث، الجمالية والانسيابية انثى، الفرشاة انثى واللوحة سيدة الاناث، من سحر الانوثة تنطلق ريشة ضياء حمزة في معانقة اجمل التفاصيل الانثوية وابرازها لجمهور أعماله، لوحاته تغري بالتوقف طويلا امامها، فلكل جزء من الجسد الانثوي سحره تعرف الريشة ملامسته ليكون مادة فنية مختلفة تشبه ريشة صاحبها وتترجم افكاره الجريئة في معانقة الجسد والفكر الانثوي، لضياء حمزة اسلوبه الفريد في التعرّف ورسم الجسد الانثوي، فلسفة فنية ولونية مبهرة يتعامل معها بوعي، لتكون الاجساد المرسومة في اشد حالات العري جد مبهرة، تشبه سردية تاريخية لعظمة الانثى عموما وعظمة الانثى في حضارة بلده خصوصا فالانثى مصدر الهام رئيسي لانها كتلة جمال والفن جدير بها كما يصرّح الرسام للمغرب.
افكارهنّ ثائرة، الوانهنّ مغرية، اجسادهنّ منحوتة بدقة وكانّ صانعهنّ لا يعرف الخطئ، هن سليلات الالهة في الجمال والحكمة والقوة، يطغى الازرق على العمل، ينتشر في كتل لونية تنصهر احيانا مع الاحمر والاخضر المزرق، اجسادهنّ ثورة، تعريهنّ الريشة المتمردة من كل لباس، ترسمهنّ الرشة عاريات فاجسادهنّ تستحقّ التامل، وتبدع لمسة ضياء حمزة في ملامسة كل التفاصيل للجسد الانثوي.
"القوارير" هو عنوان اللوحة، متامل العمل سيجد نفسه امام خمسة اجساد انثوية عارية من لباس العادات والتقاليد والدين والزيف والمنظومة المجتمعية، "قوارير" عمل احتجاجي على النظرة المتخلفة للمراة، تلك النظرة التي تحصر روحها وحضورها في الجسد وتختصر ابداعاتها منذ حواء الى اليوم في كلمة "قارورة"، نظرة احتجاجية ومتمردة حسب تعبير الرسام ليكون العمل فعل احتجاجي وتلك قيمة الفن منذ الازل، في اللوحة نساء تطهّرن في محراب الاله "آن" (الاله الاعلى لدى السومريين) وانتفضن على كلّ الحواجز ورقصن على موسيقى رياح "انليل" لتكون اللوحة بذاك الصخب والحرية تحضر فيها الوان حارة تحفّظ البصر لتأمل جماليات الانثى وسحرها، "قوارير" تجسيد لروح "نانايا" بريشة رسام يعيق انثاه ويبحث عنها في خبايا اللون وثنايا الريشة.
تبدع ريشته في الوصول الى اقاصي الوجع النسائي، نساء ضياء حمزة مختلفات، اكثر جراة وتصالحا مع اجسادهنّ هكذا ترسمهنّ ريشته، لوحة اخرى يطغى عليها الازرق المائل الى الاسود، ذاك اللون الحالم عادة، لون السماء والبحر يجعله الرسام غاضبا او تعبيرة عن الغضب النسوي، ففي اللوحة امراتين، بملامح زرقاء فقط الشعر اسود عنوانها "حبيسات البيت"، في اشارة الى القيود التي فرضت عبر التاريخ على النساء، عظيمات حضارة ما بين النهرين يُحبسن يدعوا البعض في عصرنا الحالي الى تركهنّ في البيت باسم "الدين" او "العادات" كلّ هذه السجون الرمزية تنتفض عليها الوان الفنان فيحررهنّ، وما يميز اعمال ضياء حمزة هو انسيابية الحركة اثناء الرسم، حركة يلاحظها متامل العمل حدّ الشعور ان الشخصيات تتحرك من فضائها فالحركة هي اهم المصادر الرئيسية للتعبير في حياة الانسان الذي يصنع الحركة و ويسيطر عليها ويسخرها لمنفعته ، الحركة هي الاساس لتطوير الحياة ومنها الفن لانه انعكاس لها ومحاكاة لها " الحركة في الفن اصبحت العنصر الذي يحدد انطلاقة العمل الفني من نقطة الى اخرى" كما جاء في كتاب "علم النفس اللوني" هذه الحركات تشبه لحظات الحب في اللقاء "الاول".
اللقاء الاول لوحة للحب ودعوة صريحة ليعيش الانسان اجمل اللحظات واصدقها، لحظة الحب الاولى، لوحة يسيطر عليها اللون البني الهادئ لون يحيل مباشرة الى الطبيعة، فهو الطين الذي تشكّل منه الانسان الاول، هو لون جذع الشجرة الشامخة في المكان، لون نخيل عراقه وحكايات نسائها الثائرات عبر التاريخ، تلتقطهنّ ريشة الفنان وتحوّلها الى عمل تشكيلي، وعن جمالية المراة والجراة في تجسيد روحها يقول ضياء حمزة للمغرب " رسمي للمراة بمثابة قضاء موعد غرامي، في اعمالي احاول اخراج النساء من العالم غير الجدير بهنّ، ارسم لاقضي اكبر وقت ممتع مع امراة من عالمي" ونساء الرسام هنّ قويات، متميزات لهنّ القدرة على الخلق تماما يضاهين جمال عشتار وسحر "انخيدو انا" وبراعة "اورناشه" و اسيا توفيق وهبي وسليمة مراد ونادرة عزوز ونزيهة الدليم ونازك الملائكة صاحبة مقولة
والدهرُ يسألُ مَنْ أنا
أنا مثله جبارةٌ
أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأملِ الرغيدْ

 

الريشة تقرئ الواقع وتحوّله الى ايقونة لونية

يبحر الرسام في عوالمه الخاصة، ينطلق من ذاته الابداعية ليشكل عوالمه التشكيلية التي تشبهه، الفنان ابن بيئته ومن واقعه استلهم ضياء حمزة الكثير من الافكار والمعاني وحوّلها الى لوحات تشكيلية، ترسم ريشته الوجع اليومي عبر كتله اللونية وخطوطه المتصارعة صراع يصل حد الشعور المخيف بالوحدة، وسط الضوضاء الزمانية والمكانية، الوحدة احساس نفسي متعب حوّله الفنان بانسيابية الى عمل فني سماه "الوحيد" عمل زيتي وكانه لوحة "بوزل" متفرقة يجب التركيز فيها طويلا لفك طلاسمها واستقرائها، مجموعة من الوجوه دون ملامح، اجساد غير مكتملة، شعور منسابة، نهود نصف بارزة، رؤوس غير مكتملة كما الافكار تتجمع في فضاء واحد، دوائر كما دوامات الهواء.
العمل كانه استحضار للحروب الكثيرة التي مرت على البلاد ومحاولة التصعيد عبر الرسم، فالفنان ابن بيئته وما عاشه العراق من حروب وانقسامات وانفجارات ودموية دفعت الفنان ليعايش ثنائيتي الحياة والموت، فهما متلازمين تماما، حروب وخوف تجبر الانسان للتقوقع في دائرته جدّ الضيقة حدّ تلاشي الاخرين في ضوضاء دماغه كذلك هي لوحة "وحيد" بكل المها النفسي وتاثيرها اللوني.
يصارع الانسان ليحيا، يعايش الانسان مشاعر الخوف والرهبة والرغبة والفشل والنجاح ليصنع ذاته ويقاوم لاجل بقائه، ان تعيش في دائرة الحرب والشتات لنفسي امر موهن جدا للروح وربما تحاول الذاكرة الهروب عن ذكرياتها فيسقط الانسان في خندق "الزهايمر" الذي ترسمه ريشة ضياء حمزة بالوان ممتعة، يتحد الازرق مع الاصفر وينسجم بينهما البنفسجي بتدرجاته، فالرسام يتقن التفنن في دائرته اللونية ويلاعب مشاعر مشاهدي لوحاته عبر الضوء واللون، "زهايمر" وجه مقسم جزئيات، ويد تحطمه اكثر، هي لحظة الخواء التي يشعر بها مريض الزهايمر، جسد، ميكانيزم دون مشاعر او ذكريات او افكار، اللاشيء يتحوّل الى جمالية لونية مع فنان تشكيلي يمزج الكلاسيكي بالجديد ويوغل في قراءة معاصرة لواقعه وحكاياته.
يعيد ضياء حمزة قراءة واقعه وتاريخه باسلوبه التشكيلي، يمعن في التجريب احيانا ويعود الى الانطباعية احيانا اخرى ويذهب الى ابعاد التجديد في مرة ثالثة، فنان متمكن من عالمه الابداعي وواع بقيمة اللون وحركة الريشة على المساحة البيضاء، من اعماله لوحة "الماتادور" مصارع الثيران بما يرمز اليه من جراة في الذهاب الى الموت، وتحدي كل الصعاب لاجل النصر، من الماتادور يبرز ضياء حمزة الصراع الازلي الذي يعيشه الانسان واستعمل في لوحته الالوان الحارة فوزع البرتقالي المصفّر على جوانب اللوحة وضع الاصفر منتصفها مع بعض الرمادي،، صراع يشبه كثيرا احدى الاساطير القديمة اذ "تقول احدى اساطير الخلق الرافيدية ان الالهة كانت ولزمن طويل تقوم بعملها وتؤدي واجباتها، لكنها تعبت فاشتكت الى اله الماء والحكمة انكي كي يخفف عنها، فتامل انكي وقال لامه "نموّ" "ان الكائنات التي ارتايت خلقها ستوجد وسوف نصنعها على شكل الالهة اغرفي حفنة من طين من فوق مياه الاعماق واعطها للحرفيين ليعجنوا الطين ويكثفوه وبعد ذلك قومي انت بتشكيل الاعضاء بمعونة الام الارض" كما جاء في رواية (وحدها شجرة الرمان) لسنان انطوان.
تحضر الموسيقى في لوحات ضياء حمزة، ينقل شخصياته عبارة عن نوتات متحركة، في لوحة "نوتة" تقسم اللوحة الى ثلاثة اجزاء، اول ميزته "القيثارة" والثاني الكمنجة والجزء الثالث الساكسوفون، موسيقات تشبه ايقاع الحياة وحنينها احيانا، سيرورة الحياة في بلده وداخله يحولها الى رسم، انسيابية الموسيقى وتدفّق اللون يصنع منه حمزة عالم مغر ويحيل الى الامل عنوة رغم بعض السواد، وللالوان خصوصياتها لدى الفنان وعنها يقول "غالباً ما استخدم الالوان معتمداً انطباعي الظرفي وشعوري بهِ في الحال ، واحياناً اكون اكثر منهجيّة في توظيف بعض الالوان" وعلى خطى جواد سليم وفائق حسن وحافظ الدروبي وشاكر ال سعيد ينحت الرسام لنفسه عالمه التشكيلي ومسيرته الفنية.
الرسم حرية ووقوف الفنان امام القماش الابيض قبل تلطيخه بالالوان والافكار اقصى مشاهد الحرية، الرسم عملية تطهّر ومحاولة لتجميع شتات الذات وكطما يفتح الدراويش اذرعهم وهم يرقصون حتى تلامس ارواحهم مجازات اللازمان يفتح ضياء حمزة ريشته والوانه ويراقص امله وحريته.

 

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115