حتى بدأ بسلسلة من التصريحات والمواقف والقرارات المثيرة للجدل ، تتعلق بقضايا عديدة في العالم ولعل أخطرها تلك المتعلقة بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن بزعم "تطهير" المنطقة. فما عجز عن تحقيقه نتنياهو بقوة السلاح وبحرب الإبادة التي مارسها طوال خمسة عشر شهرا على الشعب الفلسطيني لتركيع مقاومته ، يسعى اليوم ترامب لتحقيقها من خلال الضغط الدبلوماسي والسياسي وغيرها من الأساليب التي سبق ان اتبعها في عهدته الأولى عندما فرض "صفقة القرن" على بعض دول المنطقة .
ترامب اليوم يمر من " صفقة القرن " وخباياها الى " خطة الترحيل الجديدة"
وأثار التصريح الجديد لترامب ردود فعل واسعة من قبل الأطراف الداعمة للقضية الفلسطينية وخلف موجة من الرفض والإدانة من قبل دول ومؤسسات عربية وإسلامية. هذه الدعوة، التي جاءت بحجة "عدم وجود أماكن صالحة للسكن في قطاع غزة" نتيجة الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 15 شهرا بدعم أمريكي، قوبلت برفض قاطع من الأطراف المعنية.
ويحذر خبراء من أنّ هذا المقترح هو محاولة لتفريغ غزة من سكانها، مما يهدد الهوية الفلسطينية ويلغي حق الفلسطينيين في العودة. واعتبر مراقبون هذا الطرح بمثابة "جس نبض" لاختبار مواقف الدول المعنية، مثل مصر والأردن، وكذلك الأطراف الأخرى الداعمة أو المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار. ورغم أن هذا المقترح ليس الأول من نوعه، حيث سبق أن قدمت دول غربية والإدارات الأمريكية السابقة اقتراحات مشابهة، إلا أنها قوبلت جميعها بالرفض.
وقوبل اقتراح ترامب برفض شديد من قبل مصر والأردن. حيث أعربت وزارة الخارجية المصرية عن رفضها لأي خطط تهدف إلى توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، معتبرة أن الحل يكمن في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة. من جانبه، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الأردن لن يقبل بأي خطط لتوطين الفلسطينيين على أراضيه، مشددًا على ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.ووفق مراقبين يحمل هذا التصريح تهديدات حقيقية الفلسطينيين وهويتهم الوطنية. ويؤكد هذا المقترح على أهمية البحث عن حلول تدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتضمن إقامة دولته المستقلة، بدلاً من طرح مقترحات تفتقر إلى المنطق وتؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي.
أية تداعيات
ويؤكد متابعون أنّ تصريحات ترامب تفتقر إلى أي مبرر منطقي، خاصة في ظل العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بكل من مصر والأردن. وحذر متابعون من تأثيرات هذا المقترح على العلاقات الثنائية وأيضا على الإستقرار الإقليمي.إذ تُعد مصر والأردن دولتين محوريتين بالنسبة للولايات المتحدة، نظرا لمعاهدات السلام والشراكات الأمنية والعسكرية القائمة. وقد رفضت مصر بحزم وجدية جميع الأطروحات السابقة التي تهدف إلى توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم. وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر، مؤكدًا أن الدول العربية ستتصدى جماعيا لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم.
وأعلنت حركة حماس، على لسان باسم نعيم، رئيس دائرة العلاقات الخارجية، رفضها التام لأي مقترحات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم. وأكد نعيم أن الشعب الفلسطيني في غزة عانى من الموت والدمار على مدى 15 شهرا، ولن يقبل بأي حلول تبدو "حسنة النية" تحت ستار إعادة الإعمار. وأضاف أنّ الفلسطينيين أحبطوا سابقا كل مخططات التهجير والوطن البديل، وهم قادرون على إعادة إعمار غزة بأنفسهم إذا رُفع الحصار عنهم.
انتقادات حقوقية
من جانبها وصفت منظمات حقوقية مقترح ترامب بأنه يرقى إلى مستوى "التطهير العرقي"، محذرة من تداعياته الإنسانية والقانونية. وأكدت هذه المنظمات أن تهجير السكان قسرا يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.
في المقابل، لاقى مقترح ترامب دعما من بعض السياسيين الإسرائيليين اليمينيين، الذين يرون فيه فرصة لتعزيز الأمن الإسرائيلي. إلا أن هذا الدعم قوبل بانتقادات داخلية وخارجية، حيث حذر معارضون من أن تنفيذ مثل هذه الخطط سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وتفاقم الصراع.
يُعتبر مقترح الرئيس ترامب بنقل سكان غزّة إلى دول مجاورة خطوة مثيرة للجدل، تواجه رفضا واسعا من الفلسطينيين وداعميهم، لما تحمله من تهديدات لحقوقهم وهويتهم الوطنية. ويرى المراقبون أنّ الحلّ الأمثل يكمن في رفع الحصار عن غزة، ودعم جهود إعادة الإعمار بقيادة فلسطينية، مع ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
ردود أفعال عربية
في بيان صدر يوم أمس الاثنين، أعربت منظمة التعاون الإسلامي عن رفضها وإدانتها للمخططات الرامية إلى تهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو دائم، واعتبرت هذه المحاولات سعيًا لتصفية القضية الفلسطينية. وأكدت المنظمة دعمها المطلق لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه تنفيذ حل الدولتين، بما يضمن إنهاء الاحتلال والاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا أكدت فيه رفضها المساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عبر إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو دائم. واعتبرت مصر أن مثل هذه الإجراءات تهدد الاستقرار وتنذر بامتداد الصراع إلى المنطقة، مما يقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها. ودعت إلى العمل على بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية وخطوط الرابع من جوان 1967.
وفي مؤتمر صحفي عُقد أمس الأول الأحد، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن رفض الأردن للتهجير ثابت ولا يتغير، وأن هذا الرفض ضروري لتحقيق الاستقرار والسلام المنشود. وشدد الصفدي على أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون في فلسطين، مؤكدًا أن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين.
من جانبها، أصدرت الجامعة العربية بيانًا ، أكدت فيه أن محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه، بالتهجير أو الضم أو توسيع الاستيطان، ثبت فشلها في السابق، وهي مرفوضة ومخالفة للقانون الدولي. وأشارت الجامعة إلى أنه لا يمكن تسمية ترحيل البشر وتهجيرهم عن أرضهم قسرًا سوى بالتطهير العرقي. ودعت جميع دول العالم، المؤمنة بحل الدولتين كسبيل للسلام، إلى العمل بشكل حثيث وفوري على بدء مسار ذي مصداقية للوصول إلى هذا الحل وتطبيقه على الأرض في أقرب الآجال.
تأتي هذه المواقف الرافضة لدعوة ترامب في ظل سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل، الذي بدأ في 19 جانفي الجاري بوساطة قطرية ومصرية ودعم من الولايات المتحدة. وقد بدأ عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين بالعودة من جنوب ووسط القطاع إلى محافظتي غزة والشمال، عبر محاور محددة، بعد خضوعها لتفتيش أمني.
من جهتها أكدت وزارة الخارجية الألمانية أمس الاثنين، ضرورة عدم طرد السكان الفلسطينيين من قطاع غزة. وذلك تعقيبا على تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب شأن القطاع. وتأتي تصريحات الرئيس الأمريكي بعد أكثر من أسبوع على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. والذي شهد تسليم دفعتين من الرهائن الإسرائيليين لدى حماس والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
تدفق حشود النازحين غزة بعد فتح "نتساريم"
ميدانيا تدفقت حشود النازحين الفلسطينيين سيرا على الأقدام باتجاه مدينة غزة وشمال القطاع حاملين أمتعتهم عبر النصيرات بعدما توصلت "إسرائيل" وحماس إلى تسوية في اللحظات الأخيرة تم على إثرها فتح محور نتساريم مقابل الإفراج عن ستة رهائن آخرين.
وشوهد نازحون من كل الفئات العمرية بينهم نساء معهن أطفالهن وكبار السن الذين بدا عليهم الإعياء والتعب يمشون قرب الشاطئ على شارع الرشيد الساحلي وقد حمل كثير منهم أغراضهم الشخصية فيما دفع بعضهم العربات.
وردد شعارات النصر أثناء تجاوزهم مفترق نتساريم الذي كان مجرد الوصول إليه قبل سريان الهدنة في قطاع غزة يعرضهم لخطر الموت فيما انتشر مئات من عناصر شرطة حماس على جانبي الطرقات التي سلكها النازحون باتجاه الشمال.
وأمضى كثيرون منهم الليلة في الطرقات قرب مفترق نتساريم حيث فككت القوات الإسرائيلية فجر أمس الاثنين الحواجز والمواقع العسكرية التي أقامتها فيه منذ نوفمبر 2023.
وأعلن مدير عام الاعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة أنه "خلال الأربع ساعات الأولى وصل أكثر من 300 الف نازح" عبر محور نتساريم الغربي على شارع الرشيد "إلى محافظتي غزة وشمال القطاع".
ومنعت إسرائيل الأحد عشرات آلاف النازحين من العودة من جنوب القطاع إلى شماله عبر حاجز نتساريم العسكري الذي يقسم القطاع إلى قسمين.وبررت القرار بعدم إطلاق سراح الرهينة المدنية أربيل يهود التي أعطت الأولوية للإفراج عنها، وعدم تقديم حماس قائمة بالرهائن الأحياء منهم والأموات.
وشكلت عودة النازحين الإثنين اختراقا في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي جاء بعد 15 شهرا من الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي دمرت قطاع غزة وشردت كل سكانه تقريبا. واستقبل آلاف المواطنين في منطقتي الشيخ عجلين وتل الهوى النازحين العائدين.واصطف عشرات من عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحماس وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ولوحوا بأيديهم للنازحين العائدين على شارع الرشيد.واعتلى شابان عمود كهرباء طوله ستة أمتار حيث رفعوا العلم الفلسطيني فيما قبّل العشرات الأرض وأدوا الصلاة.
فشل مخططات التهجير
رأت حركة حماس في بيان أن عودة النازحين شكلت "انتصارا لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير" فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أنها "رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا".
من جهته، قال المتحدث باسم حركة فتح في غزة منذر الحايك وفق فرانس براس إن "مشهد عودة النازحين رسالة واضحة أن الشعب الفلسطيني يرفض التهجير الطوعي والقسري وسيبقى متمسكا بأرضه" داعيا الدول العربية والصديقة "لإغاثة شعبنا الفلسطيني والبدء فوراً بإرسال الخيام والكرفانات (بيوت متنقلة) لإيوائهم لحين البدء بالاعمار".
قال مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس في غزة إن "الاحتلال دمر أكثر من 90 % من المباني ومرافق البنية التحتية في محافظتي غزة وشمال القطاع خلال الحرب" مشيرا إلى أن "مدينة غزة وشمال القطاع بحاجة إلى 135 ألف خيمة وكرفان (بيوت متنقلة) فورا".
وأدانت الفصائل الفلسطينية الفكرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن في خطوة قال إنها قد تكون "مؤقتة أو طويلة الأمد".في الأثناء، ما زال خطر تجدد المعارك والقصف قائما.
وحذّر وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في منشور عبر منصة "إكس" من أن اتفاقية وقف إطلاق النار ستطبق "بشكل صارم".وقال "كل من يخرق القواعد أو يهدد قوات الجيش الإسرائيلي سيدفع ثمنا باهظا".